الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

 

الأربعاء 4 / 7 / 2007

 

 


الاشارة الفردية وخاصية التحول في المعنى
قراءة في [ نافخ الناي ] للشاعر ماجد مطرود
 

زهير الجبوري *

الخطاب الشعري ’هو النزعة الدائمة لانتاج الاسئلة المعرفية وتمرير اجابات ورؤى مفتوحة على مستويات متعددة التأويل’من خلال تحفيز الالفاظ ودفعها لمساحة تفاعل ومعانيها التي تتشظى في براري النص وسياقاته الجمالية.
فهل ينتج عن التفاعل بين المبنى والمعنى داخل النص مقولات معرفية بقوة معطيات اللغة وحركة الدوال داخل فضاء النسق الشعري ؟

وكيف يمكن قراءة الزمن كدال فاعل في الكشف عن غاية النص؟
وهل الرمز في شكله الفردي المولود من رحم اللحظة الشعرية هو أشارة سيميائيه يمكن الاعتماد عليها في تفسير النص؟

في مجموعة الشاعر العراقي ماجد مطرود’ ومن خلال قراءة ستكون بسيطة سوف احاول الاشتغال على مقاربة بين سلطة السؤال المعرفي باعتباره قصدية ثقافية لها غاياتها السوسيولوجية والتاريخية وبين النص كبنية لغوية تتفاعل لانتاجها  الالفاظ والصور والموسيقى التي تسعى لقصدية واحده هي انتاجة الجمال وصنع مداليل جديدة لها خاصية احداث الصدمة في المتلقي.
معتمدا على استكشاف الوحدات الدلالية داخل الانساق وعلاقتها الثابتة والمتحولة ببعضها دون ان اهمل ارتباط الانساق عامة بانتسابها لواقعها الثقافي والتاريخي والسوسيولوجي .

النص الاول في الكتاب اختارله عنوان[ اله قديم ]’ ومن اللحظة الاولى سوف نكتشف ان التجاور بين المفردتين[اله] و[قديم] فيه قصدية التجاور التي تفيد التوكيد.
فمفردة قديم ’ هي علامه تقودنا الى معنى تم تصنيفه ومشاكلته كنعت غير قابل للظهور’لانه انفرط عن اللحظة الافتراضية للزمن ’ والاله  دال اسطوري يتماهى تماما مع مفردة قديم باعتباره سؤالا وجوديا  تزامن مع بدايات الوجود الانساني وباجتماع الجملة التي اصلها [ هناك اله قديم] يكون للسؤال المعرفي  عن ماهية الوجود حضورا واضحا ’ هذه هي القراءه الاولى ’ ولكن لابدّ من فحص الدال[اله ] وتفسيره داخل بنية النص فلايمكن لي وانا اقرأ نافخ الناي ان اعتمد على الاشارة الاسطوريه الثابته ومدلولها الذي هو تابع لثباتها.
يقول ماجد في خطابه للاله القديم...

كأنك دم على مرّ العصور يصلي
قبلته بغداد
وقامته اله النّار
يصعّر خدّيه
بالحرب والاوتاد
تبختر
تبختر
ايها الوجه الممجد بالخرائط
تبختر في امتصاص الموت
او في سبك الزمان
تبختر في الاله القديم
تبختر
تبختر
فالحاضر سكران
نسى
رأسه
في مستنقع آسن
وغاب .
المعنى واضح في ان الخطاب موجه للموت المشتمل على خاصية القدم بكسر القاف وفتح الدال.وامتداده الى الحاضر ايضا فلو فحصنا كل الدوال داخل النص سوف نجد ان مجموع الاشارات تؤدي الى مدلول واحد هو الموت.
فالمستنقع الاسن/الممجد بالخرائط
دم على مر العصور/ الحرب والاوتاد/الغياب في مستنقع اسن/النار كلّها علامات ثابته استخدمها ماجد مطرود للوصول الى مدلوله الغائي وهو توكيد صورة الموت بتجليات مختلفة.
فالدم هو اشاره واضحه للقتل/والموت هو مستنقع اسن وهو ركود الحياة وهو موت ايضا/الغياب هو موت من نوع اخر/النار هي اشارة مشحونة بمشاهد الحروب.

وبالعودة لنفس النص ولبدايته تحديدا سنحاول كشف القصدية التي  مررها ماجد مطرود الينا في تاكيد الزمن القديم من خلال استخدامه للفعل الماضي
فهو يقول........

بالأمس ..
وتحديداً , في منتصف المهن السعيدة
أفترضتُ انني السعيد .
الطير كان لي ,
الريح

بدأ ب[بالامس] وتبعها ب[افترضت] ومن ثمّ[كان] وتتوالى الافعال الماضية الى نهاية النص وقد احصيت خمسة وسبعين فعلا ماضيا من سبعة وثمانين هي كل الافعال داخل النص وهذا امر يستحق الوقوف عنده.
فهل اراد نافخ الناي ان يبعد عنه شبح القديم كدال يشتمل على الموت؟ هل اراد ان يقول انني الان بعيد تماما عن تجليات الخراب . ام هو استحضار لنافخ الناي وتسمية الاشياء بمايناسبها كأن يكون الفعل الماضي هو الفضاء المناسب لناي يعزف دون ان يفقد سلمّه الموسيقيّ رغبة الوصو ل للحاضر.
اعتقد ومن خلال قراءتي للنص ان ماجد مطرود مازال يعيش في اله قديم ولم يخرج من سلطتة الشاحبة الدموية على النص بالرغم من تاكيده بهذا العدد الهائل من الافعال الماضية التي لم تنجح في عزله عن الاله القديم .
ولابدّ من الاشارة هنا الى ان اهم الوحدات الدلالية عند ماجد مطرود وهو اللفظ يتحرك بحرية تجعل من اصطياده امرا غاية في الصعوبة .

ان تحول الدال الاسطوري[اله] في نص ماجد مطرود من كونه اشاره ثابته يمكن ان تشكل معطى معرفي الى اشارة فرديه لايمكن  الاعتماد عليها.هو مااسعى لتفصيله وتبيان حركة الرمز الفردي داخل بنية النص الشعري في نافخ الناي.
فمن الصعب جدا خلال قراءتك للخطاب الشعري ان تلهث وراء الدوال التي تسيل دون ان تمسك بمدلول ثابت لها ’هذه الخاصية متكرره في نصوص ماجد مطرود وهو مايطلق عليه في الطروحات السيميائيه بالاشارة الفرديه .

يقول في نصه المهدى الى صديقه حسين السوداني....
[ا لعنقاء]

الحكمة ..
البستني قبّعةً
ظلّها من رأسك
وريحها يديك

الريح هنا مدلول لايخرج عن كونه دفأ المصافحة / الصداقه / المحبه كون الحكمة سلوك له علاقه بالرأس والقبعة شيء لايمكن ان يكون له علاقة باليد’ فالحكمة ظلّ الفبّعه.
اما الريح هي وسيلة لنقل الاشياء ’ السفن مثلا تعتمد على حركة الريح وهذا انتماء تاريخي يخص المعنى’فمن المعقول جدا ان تقوم اليد بنقل الاشياء كونها ريحا بوظيفة محددة وقد حققت مدلولها الثابت .

غير ان هذا المعنى سوف يتحول في اكثر من مكان داخل نصوص الكتاب.
يقول ماجد في نصه[العنقاء]

يا زورقاً من حليب الرياح
كيف منحت العطر
خلاصة الندى ؟

فبأضافة الحليب للرياح وهي منتجه له’يكون الزورق الذي يحتاج لفضاء يتحرك فيه محتاج للحليب وللرياح ’فهل الرياح هي الروح التي تحرك الجسد وماهي العلاقه بين الزورق والعطر الذي يمنح خلاصة الندى.
اظن ان خلاصة الندى هو اشاره مكانيه وزمانيه علقت بذاكرة الشاعروالعطر هو الوردة التي تمتص الصباحات القديمة ’والحليب لايعدو ايضا كونه اشارة مكانيه لارتباطه بالصباحات والزورق هو صديق الشاعر وهو الروح  التي تمنح الذاكرة حياتها وحضورها عند الشاعر .

وفي نصه المهدى الى نشات فرج
يقول ...

عوسجة تعوي كبرد الخريف
تجفّف العين بملحها
تكنس النجوم بريحها

فالريح هنا ذهبت لمدلول اخر وتحركت بحرية تامة دون ان تعتمد على الثبات بمكان واحد’فهي مشحونة برغبة التجول في البراري, هاربة من اقواس لصيادين وسهام تخيب على الاغلب.

فالعوسجة تعوي/العواء هو شكل من اشكال الموت ونذير لموتى في الجوار وبرد الخريف ايضا هو الاحساس بنهاية الاشياء ’وهي تجفف العين بملحها اذ انها تبكي حتى جفت منابع الدمع/وتكنس النجوم’فلا احلام سوى فطائس تكنسها الريح والريح هو الموت الذي اطفأ صديقه المختبأ في تابوته
كما يقول في الجزء الآخر من النص

يركب المعراج
حالما بأسراءه
وبيده الناي
مختبأ ً بتابوته
عازفا براقه الاخير

وتتوزع الدوال داخل النصوص الشعرية في المجموعة كلها على شاكلة دال متعدد المداليل والاغراض بالرغم من وجود بعض الدوال التي احتفضت بكونها اشارات ثقافية ثابتة مثل الاسطورة
التي يوظفها ماجد مطرود بخبرة كبيره لاتخلو من رغبة الابتعاد عن التقليدي والمكرر غير انها تبقى رمزا واضحا للقراءة.

فقد وظّف ماجد مطرود اساطيره العديدة لخدمة نصّه الصعب القراءة ’غير ان الاسطوري هو علامة عامة يمكن قراءتها حتى ولو كان توظيفها ماكرا .
يقول في نصه [يوسف]

قضبان نفيك أصداء
السجن شاهدك
القميص
وشاهدي
أثبات قدّني
وقدّني في البعد أعداء
سعيتُ بكل اعضائي
لم أصل
وأعضاؤك حينما وصلتْ
نسيتُ في السجن اعضائي
وانفصلنا .

طبعا الاشارة هنا واضحة تماما’ يوسف النبيَ’ دالّ استدعاه ماجد ليوظفه بطريقة تشبه القناع المؤقت الذي يمتص ويرمى لاستبداله بوسيلة اخرى لتحقيق اغراضه التي في غاية الالتواء .
وكونه ماجد مطرود يلبس قناع الاسطورة يريد ان يخبرنا انّه ويوسف محبوسان والتهمة هي قدّ القميص ’غير ان الانفصال يحدث بين نافخ الناي وبين يوسف بطريقة لاتخلو من الاخبار عن حدث ما لايستدعي مشاعركالحزن او الفرح لانه اخبار فقط ولان يوسف اثبت براءته وبقي نافخ الناي محبوسا فقد انفصلا وانفصل القناع ايضا.
ولو استبدلنا يوسف بنافخ الناي ونافخ الناي بصديق له سنكون قد كشفنا عن براءة نافخ الناي وبقاء الاخر ’ الصديق في السجن تأكيدا لصورة الانفصال.
وفي مكان اخر يتناول دال اسطوري اخر ويوظفه ايضا بشكل يجنح الى الغموض والابتعاد بالعلامة الثابتة الى تعدد مداليلها اذ يقول في نصه[نحن منفصلان]

أرصد جسداً مقطعاً
يتكوّم ..
كأنه جسدي
ومن كوّة في القلب
أرسل قارب النجاة
على جنح حمامة فقدتْ هديلها
الى دمعة تشبه الطوفان
في نوحه الاخير

اذا هو يرصد كيانا مقطعا ربّما اراد به تعدد الاجزاء وتناثرها في اكثر من مكان بالرغم من ايراده الفعل يتكوم لكن القطع يفيد التعدد.
هو جسده بالتأكيد لقد رصده وهذا يفيد كون عملية القطع هي قديمة وليس حديثة العهد وفي الوقت الذي قرر فيه ان يجمع اجزاءه ويلمّ نثاره ’اكتشف انه لايملك غير حمامة فقدت هديلها
اذا الاشارة ربّما شملت جمع من الناس متناثرين والجسد المقطع هو المكان وكونه يرسل قاربه من كوة في القلب فهو يؤدي واجبا وجدانيا كون الزورق هو وسيلة انقاذ ولانه لايملك غير احلامه بجمع ماتناثر ’يكتشف بفجائعية ان قاربه على جنح حمامة فقدت هديلها.هنا دخلت الاسطورة لكي تقوم بواجب الاخبار كون الحمامة هي رسول اليابسة في سفينة نوح وكونها فقدت هديلها هذا
يعني انها فقدت وظيفتها كمبشرة بالنجاة’وبهذا يكتمل المشهد المفجع.
الجسد يبقى مقطعا.
الحلم مثل سفينة دائمة الابحار/الغربة  وكأن الصورة تحمل لنا معنى [ سيزيفيا ] للعذاب

بقى لي ان اجيب على سؤال انتجه واجاب عليه ماجد مطرود في مجموعته نافخ الناي .
هل ان تفاعل الدوال ومدلولاتها داخل النص يمكن ان ينتج عنه طرح معرفي يتماهى والمقولات الفلسفية ورؤية تسعى لتفسير العالم والموجودات
يقول ماجد في نصه[اله قديم]

ولأني زعيم الكواكب كلها
ولأن عجلات المدّ والجزر خاصتي
رأيته محارةً نستْ اسنانها في البحر
ولأني مشّع ابدي
نظّفتُ طاولتي من دنس الساعات

وهنا لابدّ من فحص كل الدوال لكي نتمكن من الوصول الى المعنى وبالتالي ايجاد سؤال يسعى لتمرير اجابات محدده .فمفردة [زعيم] هي علامة لمدلول ثابت له قيمة آمرة على الاخر بمايتمتع به من امكانيات عقلية او جسدية او خارقة احيانا ’ والكواكب هي اجناس لها وظائفها المحددة ايضا من اضاءة وحرارة وتأثير في احوال المناخ والمد والجزر غير ان هذه الكواكب لاتعمل بمفردها فلابد لها من آمر يوجه سلوكها الوظيفي’ ولانّه زعيم الكواكب فقد اراد الشاعر ان يؤكد حقه ويخبرنا بزعامته المطلقه بقوله [كلّها]ودون استثناء وايضا يقول[ان عجلات المدّ والجزر خاصتي] فهو المتحكم بحركة البحر ايضا’ ويقول[ولاني مشع ابدي] فهو مشع وهذه سطوة الضوء بالكشف عن الموجودات ’وابدي هو صفة للقدم والاستمرار فهو مستمر وقديم .
فهل اراد ان يقول ماجد ان بتكوينه كأنسان خلاق هو نفسه الاله بمفهومه الميتافيزيقي وهل ان فكرة الانسان الاله وامكانية  قدرة الكائن الآدمي على اشغال منصب الآله فكرة الحّت على الشاعر  ليطرحها كسؤال يمكن من خلاله الاجابة والاتفاق مع الطروحات الفلسفية والمعرفية في مناقشة كون الانسان الها وهو يمتلك الارادة الكاملة ليكون كذلك وايضا تماهيا مع النص الاسلامي كون الانسان اذا امتلك شروطه كونه انسانا خلاقا فمن الممكن ان يتحول الى زعيما لكل شيء

وهناك نماذج كثيرة تتوزع داخل النصوص تعتمد في بنيتها على غاية طرح السؤال المعرفي ومحاولة تمرير اجابات عامة اوخاصة.

وفي النهاية فقط اود الاشارة الى قضية القراءه واهمية كونها مفهوم حديث يبتعد كثيرا عن معناها التراثي  فالقراءه مشاركه فاعلة في انتاج النص باعتبار ان النص هو بنيه تتعدد فيها مستويات التأويل وبالتالي ’هناك  قراءات متعددة للنص.
ولابدّ ان نتعامل مع الخطاب الشعري انّه بنية  مجازية لها قوانينها و بنية لفظية لها مداليلها التاريخية
وسلوكها المتخيل والخطاب الشعري هو نزعه دائمه لتجاوزالواقع وايقاع الصدمة على المتلقي’ نعم يتدخل وعي الكاتب وخبرته غير ان النص يحمل في داخله وعيا يكوّن بناءه ’ هذا الوعي يخرج عن سطوة الشاعروبالتالي فهو يسمح بقراءة فيها متعة الكشف عن الوعي الخارج عن سيطرة الشاعر وماجد مطرود يمتلك جرّنا الى فضاء تتفاعل بداخلة تجربة  الشاعر التي تتطابق احيانا كنوايا لها غاية الوصول الى المعنى من خلال حركة الدوال وتفاعلها من جهة وبين السياقات المنتجه للنص وقوة تأثيرها الواعي على توجيه العملية الابداعية كلها من جهة اخرى  .

*
شاعر عراقي /بروكسل