الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الأربعاء 3/8/ 2010

 

قراءة لقصيدة ( المعجزات نسبية ) للشاعر محمد الجوادي

دجلة احمد السماوي

تشكل مجموعة ( المعجزات نسبية ) للشاعر محمد الجوادي الصادرة عن منشورات (الغاوون) لبنان – دمشق 2010 اضافة نوعية للمكتبة الشعرية العراقية لاسيما وانها ضمت نصوصا متميزة في الصياغة والدلالة . ويمكنك ان تلمس ذلك على مدار قصائد المجموعة الخمس والاربعين. كما ان عنوان المجموعة قد صاغه الشاعر عنوانا لواحدة من قصائده والتي ضخ فيها رؤيته الخاصة للحرب . ، تأمل مثلا المقطع الاول من القصيدة ذاتها :

لا
جدوى من ان توصف الشمس للاعمى
او تنشد للاصم اغنيات
المعجزة نسبية
وانت في عزلتك صدى
توقف قلب بيتك
ومازال صوت البنادق وجهة الزقاق الاخيرة
ليس ثمة معبر الى الله
السماء الان لا
تعني للطيور شيئا

يشتغل النص على ايقاعية التناشز الدلالي الحاد بين الذات المتكلمة والمكلومة وبين الذات العمياء الصماء (الدكتاتور). وتشكل عبارة (لاجدوى) صرخة بوجه عبثية الحياة التي احرقت اعمارنا تحت طواحين الحروب والابادة الجماعية . الشاعر يتوسل للذات المتأملة بالاخر الديكتاتور الاصم والاعمى خيرا فينهرها بقوله (لاجدوى) بل ان النص يصل الى ذروته حين تتكور الذات المتكلمة على فجيعتها ( عزلتها ) وعلى احساسها العارم بالوحشة ( ليس ثمة معبر الله ) بل ان النص ينبض بالدمع حين يعلن ( السماء الان لاتعني للطيور شيئا) اشارة الى غياب العدالة السماوية والى صيرورة السماء سجنا جديدا لاجنحة الطيور الحالمة بالحرية . وتأمل ايضا المقطع التالي من القصيدة نفسها :

الاعمى والاصم يجيدان الاختباء
بينما انت هدف سهل
لادريئة بينك
وهذا الرصاص كله
رقص على رفوف أدركتها كهولة مبكرة
بين كتب ترتدي مرغمة معاطف الغبار
ثمة ورود لم تذبل بعد
يقلب العناوين
كتاب خبأ الطفل فيه
دموعا وتنويمات قديمة

النص باختصار لافتة سياسية تدين الابادة الجماعية التي تعرض لها الانسان العراقي بسبب من غطرسة الدكتاتور الاوحد ( الاعمى والاصم يجيدان الاختباء)والذي كان يتقن فن الاختباء عند انهمار القنابل الذكية على رؤوس الابرياء (بينما انت هدف سهل -لادريئة بينك-وهذا الرصاص كله).

بل ان النص يجعلك تلمح انين الطفولة وبراءتها المرمدة (كتاب خبأ الطفل فيه-دموعا وتنويمات قديمة) .النص يعلن ايضا الاحساسات المريرة التي تنتاب الذات الجريحة المتكورة تحت سماء مكفهرة وهي ترقب سقوط القيم (بين كتب ترتدي مرغمة معاطف الغبار ) لكنه يفتح للامل بوابة حالمة حين يقول (ثمة ورود لم تذبل بعد).
وخلاصة القول : فان الشاعر محمد الجوادي في قصيدته (معجزات نسبية ) قد صاغ من جرحنا العراقي الممتد على خارطة التاريخ القديم والمعاصر نقشا شعريا لا يمكن له ان ينسى .


 

free web counter