الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الجمعة 14/8/ 2009

 

كفاءات خارج الوطن
علي بداي
(1)

أجرى اللقاء: صفاء فاخــر
Safaa.facher@hotmail.com

"كفاءات خارج الوطن" سلسلة لقاءات تسلط الضوء على طاقات وكفاءات عراقية خارج الوطن، محاولين من خلالها الوقوف عند الرؤى والطموحات العراقية المختلفة من اجل المساهمة ببناء عراق جديد على اساس ديمقراطي حر .

هو المثابر،عراقي، وطني، من الجيل الحيوي، المجادل، والمشاكس، الجيل الذي عاش طفولته مبهورا باخبار هبوط الانسان على وجه القمر، وهو الذي رسم، ولازال يرسم بريشته الخضراء وطنه بقعة ضوء على جدران القمر، وهو الذي يريد ان يطرد الصيف القائض مجلودا باشعة الشمس من المساكن، والمصانع، والاسواق، ويبني للفقراء بيتا جليديا في تموز العراق.
انه علي بداي، الحاضر للكثير من المشاريع، والجالس ينتظر ساعة الصفر، ليبدا باالانتهاء من رسم لوحته النبيلة.


ان مسيرتكم النضالية طويلة ، وغربتكم بعيدة، وقد امتزجت غربتكم بتجربتكم النضالية وتوزعت على ثلاث محطات الاولى النضال السياسي المعارض للدكتاتورية البغيضة التي عانى منها العراق وشعبة، والمحطة الثانية التحصيل العلمي المرموق، والمحطة الثالثة النضال بالكلمة، فهل لكم من اضاءات للقارىء حول المحطات الثلاث هذه؟
- سؤالك يمس حياة جيل كامل، لذاك ساجيب نيابة ربما عن الالاف من امثالي، وساطيل في الاجابة لان كل ما نواجهه اليوم من ارهاب وتخلف، هو ثمار لغرسة الشر التي رضينا ان تغرس في ارض العراق، انظر من خلال قصة انسان واحد هو انا، كيف استسلم مجتمعنا بانانية التحزب الضيق الى عصابة ، كل طرف يصمت عن القمع الذي يطال غيره طالما لم يمسه منه شئ، الى ان صودر المجتمع برمته وعين شرطيا يحرس "صدام حسين" .
كان جيلنا حيويا، مجادلا ،مشاكسا ، جيل عاش طفولته مبهورا باخبار هبوط الانسان على سطح القمر، والانجازات العلمية المتلاحقة،وامكانية وجود الحياة في مكان اخر غير الارض وغيرها من الاسئلة المستفزة ، جيل شعر بالخزي مبكرا جدا، من انتماءه لامة مثقلة بالهزائم امام اسرائيل المراهقة الصغيرة التي لم تكن قد بلغت العشرين بعد ، والتناقض مع كتب التاريخ المتغنية بامجاد سالفة وبطولات غير قابلة للاستعادة ، فاندفع للعلم والثورة على كل مايقيد انطلاقة الانسان وحريته .
حين كنت في الخامس العلمي اعفيت من اداء الامتحانات النهائية بخمسة دروس اساسية، كان التفوق العلمي وسيلتنا لكي نساهم في تقدم البلد، وكنت بذات الوقت قائدا محليا في تنظيم معارض سري للغاية مهمته الاساس مقاومة التبعيث القسري الذي كان يعني بالنسبة لي احتقارا لانسانية الانسان وكرامته ومصادرة حقه في الاختيار، كنت ارى التبعيث كالاستيطان الاسرائيلي في فلسطين ،كنت اراه فرضا للقوة واجراء يلغي اية امكانية لتقبل البعث كفكر سياسي يمكن التعايش معه، مع نظام كنظام البعث كان لابد من تحفيز شجاعة الانسان في الدفاع عن كرامته وحقه في الاختيار وعدم التنازل عن هذا الحق، وفي عام الاستعداد لاداء امتحان البكالوريا اعتقلت بعد خروجي من المدرسة واقتادوني الى وزارة الدفاع وكاني وزيردفاع متآمر ، لم اكن قد بلغت الثامنة عشر بعد..
كان توجيه التهم عملا سهلا واما المواطن، فعليه ان ينجز عملا جبارا اشبه بالمعجزة هو اثبات بطلان التهمة ، وكان من بين التهم : الاتنماء لجماعة "ظافر النهر" التي تتبنى الكفاح المسلح لاسقاط البعث، بعد نهاية التحقيق شدوا العصابة السوداء على عيني وسحبوا اقسام البنادق صارخين: اعترف قبل ان نطلق النار!
تصورحدث هذا في زمن كان فيه النظام يوصف بالتقدمي ، كيف يكون الفاشي اذن؟؟ كان ثمة هاجس في دواخلي يقول انهم وجهوا التهمة للتخويف والترهيب والا لكانوا استخدموا كل أنواع التعذيب بغية استحصال معلومات قبل اطلاق النار بهذه السرعة،
وكما توقعت تقدم الضابط مني وقال: "اسمع، ستبقى التهمة تلاحقك طالما بقيت بعيدا عن" الحزب والثورة" وسناتي بك متى اردنا وستتحول حياتك الى جحيم ان رفضت" واطلقوا سراحي، وقد صدقوا، تحولت حياتي الى كوابيس وملاحقات وابتزازومطاردات ، كنت وحدي بمواجهة سلطة بكاملها ، حاولت الزوغان عن طريق اختيار كلية الهندسة في البصرة بدلا من الدراسة في بغداد، وهناك كانوا مستعدين لاستقبالي بقسيمة الانتماء للبعث فقلت ببساطة: انا لااريد ان اكون بعثيا وردوا ببساطة ايضا على شكل سؤال: وهل يوجد في العراق من يرفض ان يكون بعثيا ؟ فقلت بعنجهية : نعم يوجد ، انا!
تحولت علاقتي بالكلية منذ الاسبوع الاول والى اكثر من ثلاث سنوات الى ارتباط شكلي لتجنب الخدمة العسكرية فقط، مذذاك لم يعد يشغلني في حياتي امر اكثر من مقاومة هيمنة السلطة واستبدادها، يجب على صدام حسين ان يسمع ان هناك من لايصفق له، هذا الموقف كان بالنسبة لي اختصارا للمطالبة بابسط حقوق الانسان، باختصار كنت اريد الحياة السعيدة والوصول الى اهدافي الخاصة بشرط واحد هو ان تقترن بسعادة وحرية الاخرين، ولذلك حين اعتقلت للمرة الثانية وارسلوا لي من ضبا ط الامن من حاول ان يغريني بالوظيفة العالية بعد التخرج والامتيازات قلت: وفروا ذلك لكل من يستحق من الناس دون شرط الانتماء للبعث وساكون اول مؤيديكم .
اعتقد ان مشكلة الانسان العراقي الحالي الذي هشمه الاستبدادا، هي بحثه عن خلاصه الفردي بمعزل عن الجماعة، بمعنى آخر، فقدان القدرة على رؤية البؤرة التي تجتمع بها المصالح الفردية او الاثنية ، ذلك مايجعله هدفا سهلا أمام المقاولين السياسيين.

عينوا احد اساتذتي في الكلية مكلفا بملاحقتي فايقنت ان مجال المناورة قد ضاق فغامرت بالاتفاق مع احد المهربين و زميلين اخرين لمغادرة العراق بشكل غير قانوني مشيا على الاقدام قاصدين الكويت ، في ثالث ليلة داهمنا حراس الحدود الكويتيون في العمق الكويتي وسلمونا الى السلطة العراقية ، حوكمت من قبل محكمة جزاء الزبيرثلاث سنوات مع وقف التنفيذ ثم احالوني الى مديرية امن البصرة حيث قضيت شهرا في مديرية هناك في ضيافة جلادين متمرسين كمحمود التكريتي وابراهيم اللامي ( لاشك انهما الان من اصحاب المواقع الرفيعة داخل العراق الجديد او من اصحاب الملايين خارجه )، وبينما كنت اتوقع الموت، فوجئت باستدعائي الى مكتب الضابط لاجد امامي المناضلين الشيوعيين الباسلين "هندال جادر" النقابي البصري المعروف و"حسن مرجان" ابن الناصرية المثقف الشجاع وطالب السنة النهائية في كلية الطب ورفيقي في الزنزانة.
فهمنا ان "صدام حسين" امرهم باطلاق سراحنا بكفالة بمناسبة زيارته البصرة مع ابنه عدي الذي كان لما يزل مراهقا غير معروف بعد، ليحتفل بذكرى انقلاب شباط الدموي ، ربما اختار صدام ذلك عن قصد لتحسين سمعة شباط لدينا، وقد كان يوم 6 شباط 1979 بالفعل اسعد ايام حياتي، لقد احسست بالانتصار رغم فقداني مستقبلي ،هذا الفقدان الذي اصبح في حكم المؤكد، احسست ان الانسان في داخلي مازال حيا.

كنا في اواسط 1979 قد وصلنا الى الزمان العجيب الذي صنعناه بايدينا ،حين وقفت الدولة كلها ، بجيشها وشرطتها وجيشها الشعبي وانضباطها العسكري ومواطنيها الخائفين ضد المواطن المعارض ، لا مكان لهذا المواطن في الفنادق ولافي بيوت الاقارب ولا في الشوارع، كان"شقاوة" الاربعينيات يجد المناصرة من الجميع حين تطارده الشرطة، اما من يعارض البعث فسيجد الاف المتطوعين لالقاء القبض عليه.
كان اخي "حسين بداي " شيوعيا \ اسلاميا ميالا الى مدرسة " هادي العلوي" يحاول ايجاد صلة وثيقة بين اسلام ابي ذر الغفاري وعلي بن ابي طالب وشيوعية ماركس ، قاوم البعثيين لاحقا ببطولة واستشهد تحت التعذيب في الامن العامة، ولم نعثر له للان على اثر. كان يشتغل في معمل حداده كعمل اضافي، عرفني على صاحب المعمل وبدأت العمل مختفيا عن الانظار.
عرف البعثيون انني طليق ، ارسلوا الى بيتنا شخصين مع المختار معهما قرار اطلاق النار الفوري علي في اي مكان ان لم استسلم خلال يومين،كان امامي يومان اما ان استسلم لدائرة الامن وبحضور المختار ثم اعود للكلية وتعود المياه الى مجاريها او ان احكم على نفسي بالموت كما قالوا. انظر دور المختار هنا ، في الستينات كان البيت لا يفتش الا بقرار رسمي وحضور المختار، الان تحول المختار الى جزء من قوة القمع دون ان يعترض احد.
مر اليوم الاول والثاني ثم ارسلوا اثنين اخرين ليقولا ان المهلة قد انتهت ، بقيت اتنقل من مخبأ لاخر، متوقعا اطلاق النار في اية لحظة ، انكشفت المخابئ، وكان لابد من امضاء ليلة اخيرة في بغداد قبل ان اغامر ثانية باجتياز الحدود العراقية مع سوريا مشيا كذلك،وكانت ليلتي الاخيرة في بيت المناضل الشيوعي الشجاع عبد حاتم "ابو دجلة" الكادر المعروف في محافطة ميسان ، الذي قبل المجازفة بنبل وتحدي، حاولنا عبور الحدود وكادت المحاولة ان تتحول الى كارثة حين داهمتنا دورية مسلحة وصادرت ما لدينا من وثائق مزورة وقبل ان تقع الكارثة ونصل مقر الامن في " القائم "، قفزنا من السيارة مستغلبن عنصر المباغتة وظلام الليل وثقة الدورية بسهولة الصيد لنبدأ سباق محموم مع الثواني وسط الاحراش.
زحفت ثانية من خارج الحدود باتجاه الحدود حاملا السلاح معتقدا انني سأقتص من عصابة لا تفهم الا لغة القوة.
حكمة قالها المتنبي:

"الرأي قبل شجاعة الشجعان     هو اول وهي المكان الثاني"

من يفقد شجاعة ابداء الرأي والدفاع عنه سيفقد كل شئ، وقد تنازل العراقيون واحزابهم عن حق الاعتراض المبكرعلى همجية البعث وقوانينه الغريبة فكان ما كان، كان يتوجب ان يتحد الشيوعي مع الاسلامي مع القومي العربي والكردي في اعقاب انقلاب البعث من اجل صيانة الحرية الشخصية وحق المواطنة المقدس .

معركتي مع الاستبداد والتخلف بكل اشكاله استمرت حتى هذه اللحظة ، وستبقى، وما الكتابة الا استمرار لتلك المعركة التي بدأت قبل اكثر من ثلاثين سنة. انا اكتب باستمرار لاناس اريد لهم ان يتقدموا ، مرة كتبت لي احدى الاخوات من جنوب العراق انها تتعاون مع اخوانها واهلها لانجاز تصوير وتوزيع (500) نسخة من احدى مقالاتي وتسألني ان كنت اسمح لها بحذف اسمي من المقال لاسباب امنية خاصة، قلت لها افعلي ما ترينه مناسبا احذفي الاسم او اكتبي بدلا منه اسما اخر..، المهم ان يصل ما اكتب للناس المعنيين .كنت وما ازال سعيدا بالعمل الهادف غير الاستعراضي .

اما التخصص العلمي فهو مرتبط ايضا بما سبق ذكره ، انا لم اكتب اطروحة الدكتوراه الا بعد ان احسست بضرورتها وبعد ان شاركت بعشرات المؤتمرات اتاحها لي جزء من عملي كممثل للشركة في وزارة الاسكان والبيئة الهولندية وبعد ان تعمقت باختصاص فيزياء الانشاءات البيئية عبر عشرات المشاريع والبرامج المركزة وانجزت كتابا علميا ضخما في هذا المجال،واما حرف الدال الذي شاع استخدامه هذه الايام فهو لا يهمني ،انا اهتم بالمحتوى الذي سوف لن يتأثر ان كان اسمي مسبوقا بلقب الدكتور او البروفيسور، عملت مع زميل هولندي يحمل شهادتي دكتوراه ولم اعرف ذلك الا صدفة...

لازال نضالكم متواصلا من اجل العراق في المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، حيث يتلمس القارىء هذا في كتاباتكم الغزيرة و المميزة، ولكن السؤال كيف تقرأون مستقبل العراق وفق الظروف السياسية الملتهبة في الشرق الاوسط؟ ومتى ستجف منابع الارهاب؟
-
رسميا ، تجري في العراق عملية ديمقراطية، هي مخلوق ولد مشوها ، عملية مؤسسة في جوهرها على الكتل الصماء وليست ديمقراطية مؤسسة على وجود الفرد الحر.لان هذا الفرد الحر لم يكن قد ولد بعد. قبيل كل انتخابات تجر الكتلة الصماء للادلاء برايها المعروف سلفا، فالطائفة والقومية معرضة للابادة ولكي تنقذها ماعليك الا اداء الواجب الشرعي فتنتخب من يتوجب عليك شرعا انتخابه، هذا هو قاع انحطاط الوعي الوطني العراقي الذي لم يبلغه من قبل، لكن الامل مازال حيا بارتفاع الوعي الوطني.
هناك ايضا خشية من محاكاة نماذج " الديموقراطية العربية" اليمنية او المصرية او التونسية، اي ان ياتي احد ما عبر انقلاب ( او عبر الاحتلال) ثم يحكم عددا من السنين يسرق خلالها ما شاء في ظل الشرعية ، اي شرعية القوة، ثم يؤسس حزبا لايعرف احد كم من المليارات يملك ويدعو الاخرين الفقراء لله تعالى للمبارزة ، هذا بحد ذاته هو ارهاب.
الخشية الاخرى، هي ان احزاب الاسلام السياسي التي كانت مضطهدة لعشرات السنين، تتحدث الان عن "دولة الشيعة" و"تصحيح مسار التاريخ بعد 1400 عام" ، هذه بوادر استبداد يجب ان يقاوم منذ الان.

من الجاتب الفكري ، مايجري في العراق الان هو عملية تزوير للتاريخ بقصد كسب شرعية الجلوس على كرسي السلطة ، فالعراق طوال تاريخه لم يكن دولة دينية قط، بل على العكس تماما، ولم تكن الحضارة التي بنيت على ارضه ذات صلة بالدين في اي يوم ، قبل الاسلام بالاف السنين بنى العراقيون اولى حضارات الارض، وكان المجتمع العراقي منذ الفتح الاسلامي مصنعا هائلا لكل الافكار الثورية والتغييرية التي ازدهرت مابين القرن التاسع والحادي عشر الميلادي، وساهم العراقيون في اول انتفاضة في التاريخ الاسلامي ضد الاستبداد المتشح بالدين في زمن عثمان بن عفان، ومن العراق انطلقت حركة القرامطة المسلحة بالفكر الاسماعيلي الداعي الى حرية التفكير، والاشعرية، والحركات الصوفية التي قالت بوحدة الوجود، وحركة اخوان الصفا في البصرة ، نحن اهل العراق "اهل الشقاق والنفاق" كما وصفنا الحجاج بن يوسف بحق،اي أهل الثورة ، لايمكن ان نقاد كالاغنام لاننا مصالح ومشارب متضاربة، وقيادتنا تحتاج الى عبقريات واساليب نادرة، والذي لايستوعب هذه الحقيقة عليه ان يحصي عدد اضرحة القادة والامراء والاولياء الذين قتلوا في العراق بعد ان استعصى عليهم استحصال اجماع من اهله واخفقوا في ضبطه.
لقد وصل العراق كقائد للحضارة العربية الاسلامية بهذه الحضارة الى قمتها في زمن المأمون الذي كان متعاطفا مع المعتزلة وهم القائلون بان القرآن مخلوق، وفي كل مراحل التاريخ، كان في العراق فرق المغنين والشعراء ودور اللهو والرقص واماكن الشاربين الى جانب دور العبادة والمساجد والاديرة
العراق لا يمكن ان يكون دينيا خالصا او قوميا خالصا، بل انه كل هذا، انه مصنع الافكارالمتقدمة والحصان الراكض الى امام، واي معترض على هذا الدور سيتلقى رفسات هذا الحصان الجامح في وقت ما..مهما طال.

وجه التزوير الاخر، هو ان الطائفيين حين يتحدثون عن الدول المتحضرة يخاطبون في الناس غرائزهم الشرقية ويحاولون ربط هذه الحضارة بالاباحية وانعدام القيم، والحقيقة، ان هذا التقدم لايمكن ان يصنعة مجتمع متخلف واباحي وخال من القيم اطلاقا، فالتقدم التكنولوجي اوالحضاري في الغرب يعكس واقعا اجتماعيا متطورا، وفي كل هذة الدول المتطورة يعيش الدين محترما بسلام خارج دائرة تاثير الدولة والسياسة اليومية فيما تهتم الدولة بتوفير العمل والسكن والصحة والتعليم للمسيحي والمسلم والبوذي واليهودي مادام هذا المواطن ملتزما بالقانون. اما على الجانب الروحي فليس للدولة اي تدخل وتاثير اذ يذهب المسلم للمسجد والمسيحي للكنيسة واليهودي للمعبد، وهو تصرف منطقي اذ ان المرء يعيش في المجتمع مع غيره ويتوجب ان يرتبط مع " المجتمع " بقوانين محددة، فيما يشكل كل ما هو خارج الحياة الدنيا شانا فرديا يتحمل تبعاته الشخص المعني نفسه فسوف لن يحاسب احد في الآخرة عن اعمال غيره.

انا اقول : دعوا الناس تعرف دينها بنفسها، فقد اتحفها الخالق بالعقول، ولاتحشروا انفسكم وسطاء بين اللة والناس ان "الله اقرب للمرء من حبل الوريد" اليس ذلك كلام القرآن ؟ وهل هناك اقرب للمرء من حبل الوريد؟؟ كلا ، ان الله هو الضمير الحي ،هذه الاية الرائعة تمدني بتعريف الكافر فاقول ان الكافر هو من لاضمير له ، وانا اقسم الناس الى قسمين :من لديه ضمير حي ومن مات ضميره وفي كلي هذين المكانين يجد المرء مسلمين وغير مسلمين، صائمين وغير صائمين مصلين وغير مصلين...

الى اي مدى سيستمر نظام العشيرة في العراق برأيكم؟ وكيف سيتم التوفيق اجتماعيا مع نظام العشيرة الذي ولد غير ديمقراطي, يعتمد الأعراف، وبين الدولة الحديثة التي تسير وفق القوانين؟ وهل ستكون الانتخابات القادمة بالعشيرة، كما كانت الانتخابات السابقة بالطائفة، والقومية؟
- مادامت الدولة هي دولة الطائفة سيزدهر دور العشائر، اذ ان العشيرة هي ابن الطائفة الشرعي والفكر العشائري المتخلف هو التهديد الثاني في الاهمية للديموقراطية والمجتمع المدني بعد الارهاب وتسييس الدين، الدولة المدنية تعني القواعد القانونية الحديثة ومساواة الافراد امام القانون ، والعشيرة تعبر عن نفسها بشعارها العتيد: انصر اخاك ظالما ام مظلوما، هذا يعني ان القاتل الذي يلاحقه القانون سيجد الاسناد والدعم من عشيرته.العشيرة كائن معرقل للتطوروبقية من بقايا عصور التخلف التي لا تكاد تعثرعليها في الغرب الا في المتاحف ، وهي دلالة واضحة على ضعف التطور الاجتماعي. باختصار لاتقدم ولا خطوة واحدة بوجود النظام العشائري.

انكم راصد دقيق لما يجري في الساحة السياسية العراقية، فهل رصدتم ان حزب البعث اليوم يعود الى مؤسسات القرار السياسي العراقية بشكل ذكي، وغير محسوس، ومقنـّع؟ وهل تتوقع ان يكون له نشاط ما في العراق؟ ولاسيما ان احباط الناس بعد سقوط النظام السابق قد تضاعف؟
- في زمن البعث قتل مليونا عراقي، وتشرد خمسة ملايين، وقصفت بغداد من قبل الايرانيين والامريكان والانكليزوالاوكرانيين والايطاليين والسعوديين والمصريين والاستراليين والاسرائليين ولم تبق قومية في الارض لم تستمتع بالطيران فوق عاصمتنا التاريخية والقاء قنبلة من نوع ما ، تماما كما ارادت قريش قتل النبي ، من كل عشيرة واحد لكي يضيع دمه، لكن دم العراق يتحمله حزب البعث بالكامل، الى ابد التاريخ البعث مسؤول عن الشيزوفرينيا التي لوث بها العقل العربي والاسلامي، هذا الخبل الذي جعل الكويت حليف الحرب الاولى عدوا في حرب اخرى، وحارب الاسلام بالاسلام والعروبة بشعارات العروبة، البعث مسؤول مباشر عن اللوثة المتطرفة التي سخمت سمعة الاسلام، فباي وجه يعود؟؟ ولكن ينبغي الانتباه ، حين اعتقل الانقلابيون عبد الكريم قاسم قال له احدهم: بالرغم من شعبيتك فان دبابة واحدة اسقطت حكمك. هنا تكمن كل مواهب البعثيين ، الانقلاب والتآمر والتحالف مع شياطين الارض كلها في سبيل الوصول الى السلطة، السلطة التي تعني التحكم بمصائر الناس، اذ ان اربعين سنة من حكم البعث بينت ان حكم البعث ليس له ادنى علاقة بالوحدةوالحرية والاشتراكية انه النسخة العربية للفاشية الالمانية ،وكان حريا به ان يسمى حزب العبث. من يريد اعادة تاهيل البعث عليه ان يبحث عن بلد آخر غير العراق، اما الحكام المرتشون والفاسدون واللاوطنيون فهؤلاء لايمكن استبدالهم بمن هو أخس منهم .

لكم بحوث، وطروحات لحل مشاكل الطاقة الكهربائية الشحيحة في العراق باستخدام الطاقة الشمسية، فكيف تسير اهتماماتكم في هذا المجال؟ وما جدواها الاقتصادية ؟ وهل وجدتم لها صدى من المسؤولين العراقين في مجال توفير الطاقة؟
- نبهت حرب تشرين عام 1973 -بين بعض العرب واسرائيل- العالم ،بما نتج عنها من استخدام العرب للنفط كوسيلة ضغط في الحرب، وقطع امدادات النفط عن امريكا واوربا، الى قدرة العالم المتأخر والنامي على ان يضع رقبة العالم الصناعي المتقدم موضوعا للمساومة ، ومذذاك بدات العقول الاوربية منطلقة من حسابات الوقت والربح والخسارة، التفكير بايجاد بدائل استراتيجية للاعتماد على الذات. وقد بدأ العمل في اوربا وامريكا على اتجاهين هما ترشيد استهلاك الطاقة وايجاد بدائل عن النفط.
وأثمر ذلك الجهد ( ضمن ثمار أخرى)، عن اعادة صياغة مفاهيم مجددة للهندسة المعمارية والمدنية، هادفة لخلق نموذج العمارة المستقبلي التي تُعَدُّ المباني ، التي تجمع بين استخدام الطين والطاقة الشمسية (solaradobe) أحد أبرز مواضيعها وتجاربها

المؤلم هنا، اننا كعرب وشرق اوسطيين، برهننا مرة اخرى على اننا لانجيد استخدام مانملك من عوامل قوة، بل على العكس تماما، فما فعلناه في خلال حرب تشرين دل على اننا لانفكر ببعد استراتيجي، ولانقيم وزنا لردود الافعال التي تسببها قراراتنا، فدفعنا الغرب بتصرفنا ذاك للتحول عن نفطنا والتفكير المبكر بمتطلبات عصر ما بعد النفط متغافلين بذات الوقت عن اننا نعتمد في حياتنا اعتمادا شبه مطلق على صادارات الغرب لنا من السلع والتكنولوجيا ، وان التهديد بالنفط يتوجب ان يستند الى اكتفاء ذاتي يمتص ردود فعل الغرب واوربا ، ومن ثم اعادة طرح السؤال على انفسنا: ماذا لو نضب النفط او ان امريكا واوربا قد اهدتا الى بديل عن النفط؟

لقد سارعت دول اوربا الجنوبية كاليونان واسبانيا الى انشاء محطات الطاقة الشمسية كمكمل لمصادر الطاقة الاخرى، ولو قارنا العراق بهذه البلدان، لراينا انه خال تماما من المشاكل الاساسية التي تعيق استخدام الشمس وهي قلة الاشعاع، وعدم توفر المساحات الافقية الكافية لنصب المرايا،( باستثناءمشكلة الغبار) فالعراق يقع في الاقليم ذي الاشعاع الشمسي الاعلى في العالم حيث يتعرض المتر المربع الواحد منه الى 2500 كيلو واط ساعة في السنة، كذلك تبلغ فترة الاشعاع منسوبة الى عدد ساعات اليوم حدا عاليا قد يصل الى 4000 ساعة ( للمقارنة مع الوضع باوربا نذكران شدة الاشعاع الشمسي في المانيا 1100 كيلو واط ساعة للمتر المربع الواحد في السنة وتبلغ عدد ساعات الاشعاع في برلين 1700 ساعة في السنة). اضافة الى توفر مساحات مشمسة واسعة جدا غير مستثمرة في الجانب الغربي والجنوبي من العراق.
ان ارضا منبسطة في الشرق الاوسط او شمال افريقيا بمساحة (482000)كيلومتر مربع ( اقل قليلا من مساحة فرنسا ) مجهزة بالمرايا الشمسية ، يمكنها تلبية احتياج الارض كلها من الطاقة الكهربائية، اما العراق وبافتراض احتياج للطاقة مقداره 10.5 كيكا واط فتكفيه مساحة 361 كيلو متر مربع.
اما مبلغ الاستثمار فهو في حدود 800 مليون ايرو. سيكون العراق بعدها بلدا مصدرا للطاقة وغير معتمد على النفط فقط.
ما نحتاجه في العراق الجديد اذن هو الجرأة، وزيادة ثقتنا بانفسنا وبقدرة مختصينا على وضع الحلول غير التقليدية للمشاكل الكبرى، عبر دعمهم وتوفير الفرص لهم للاسهام الجدي برسم سياسات البلاد في مختلف المجالات.

انتم تمارسون عملا في مجالات الاعمار والاسكان في هولندا وقد حصدتم خبرة ممتازة في هذا المجال، ولكم رؤى مهمة لنقل هذه الخبرة الى العراق, فهل استطعتم من فتح باب تدخلونه هناك, وهل وجدتم اذنا صاغية للافادة من الخبرات العراقية في الخارج؟
- لا ابواب مفتوحة ولا آذان صاغية ، ليس للبعض من الحكام الحاليين اية مصلحة في الاعمار، فالاعمار يؤشر لبداية الاستقرار والاستقرار الاقتصادي سيعني عودة العراق لحمل مشعل التنوير وهذه الحقيقة هي التي تفسر تحرك كل مفاصل الحياة في العراق الان ببطئ سلحفاتي، وهذا مايجعل أغلب اولي الامر يتفننون باختراع اساليب مبتكرة لنهب المال العام لعلمهم بانهم ماضون .لفقد دعيت حتى الان الى مؤتمرين في بغداد واربيل ، وقدمت ما اردت تقديمه ولكني اتساءل كغيري اين هي نتائج هذه المؤتمرات؟




 

free web counter