موقع الناس     http://al-nnas.com/

ذاكرة الراحل كمال سبتي


ابراهيم عبد الحسن

الثلاثاء 2/5/ 2006

جمعتني والشاعر الراحل كمال سبتي مقاعد الدراسة المتوسطة أوائل سبعينيات من القرن الماضي في ثانوية الجمهورية في مدينة الناصرية جنوبي العراق، وكنا للتو قد تفتحت مداركنا ووجدنا طريقنا في خضم العمل المهني الطلابي، فوجدت طريقي الى اتحاد الطلبة العام لاخرج بعد اربعة عقود من معطفه : ناشطا سياسيا مشاركا في العملية السياسية الجارية في العراق الان ووجد الراحل حينها طريقه الذي اختاره.
لم نلحظ أهتمامات شعرية او ادبية للراحل في حينها قدر اهتمامه بتصفيف شعره، لاسيما في اول صباحات الدراسة الجميلة، ولفقر الحال ايامها والضعف كان يطغي على مدخولاتنا فقد ابتكر الراحل طريقة لاتدعه يتحمل تكاليف دهن تصفيف الشعر في حينها، فقد جعل من رغوة الصابون الكثيفة بديلا لدهن الشعر باهض الثمن قياسا الى ماهياتنا اليومية مثلما يقول المصريون، ولم نشعر يوما انه تضايق من تعليقاتنا الصباحية قبل بدء الحصة الاولى على هذا الابتكار، وطرائفنا حوله قبل دخولنا الى درس اللغة العربية، حيث يدخل مدرسها استاذنا الكبير نوري عبد الرحيم الذي يبدو ان الخمرة لازالت تدور يقاياها في رأسه، فتضيف تعليقاته مسحة اخرى للضحك لنبدأ بعدها موضوع درسنا لذلك اليوم.
وفي منتصف السبعينيات أدهشتني قصيدة للراحل وهي على ما اعتقد من بواكير نتاجه الشعري الجميل، ذلك النتاج الذي مع مرور الزمن توقف عنده النقد العراقي كثيرا.
فرقتنا الايام طويلا حتى التقيته في بغداد اوائل الثمانينيات والحرب العراقية الايرانية في أوج اوارها، كان لقاءا عابرا فيه أستذكرنا تلك الصباحات الجميلة وما علق منها في الذاكرة لتندراتنا.
وعلى الحدود الشرقية وفي شقوق مليئة بالافاعي والعقارب وبالتحديد في قاطع (الفكة) أيام الحرب في محافظة ميسان يوم كنت مساقا كجندي في حرب لاناقة لي فيها ولاجمل وأرفضها جملة وتفصيلا اسوة بغيري من الشعب العراقي، حيث لم يكن بالامكان أيامذاك الافصاح عن هذا الرفض وفوهات مسدسات الطغاة قريبا من رؤوسنا، هناك عرفت ان الراحل يعمل محررا في جريدة القادسية، ولكم افرحني خبر هروب الشاعر ليولج عالم الغربة والمنافي مفصحا عن موقفه الوطني ففرحت في سري وحسدته على الفرصة التي أتيحت له للهرب باحثا أنا عن مثلها لكن يبدو قدر الايام او قدرنا ان نبقى تحت رحمة سياط الظلم والاستبداد والمجاعة.
ومن ذلك اللقاء البغدادي النكهة لم التق الراحل الا في عام 2005 بعد التحرير وخلال زيارته للعراق والى مدينته الناصرية وبالتحديد في مناسبة اقامة مجلس الفاتحة على روح والدته المرحومة، حيث كنت من ضمن المعزين له ولصديقي شقيقه القاص ابراهيم سبتي، وبكل أدب جم توجه نحوي مرحبا وجلس جنبي ليكون سؤاله الاول (( أي ابراهيم اين انت الان )) من حينها تأكدت لي بأن ذاكرة الراحل مازالت جيدة رغم عذابات المنافي لم تدع الايام ان تمحو منها اسمي.
أسفي مرة أخرى ان يكون هذا اللقاء الاخير بعد رحيل الشاعر المبكر.
لروحك ياكمال ويا تلك الذاكرة الحية السلام والطمانينة فقد غادرتنا الا نتاجك الشعري وقد ارخ لاسمك في سماء ابداع الناصرية ابداع الادب العراقي .