الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الخميس 2/2/ 2012

 

ابراهيم الخياط .. أو حشد الألفاظ الانيقة

سلام كاظم فرج

انني لا استطيع أن انطلق وأنا أقرا (البساتين الصديقة) لإبراهيم الخياط من فروض فنية مسبقة أو فروض نقدية مسبقة فقد تركت روح الناقد تتذوق صور القصيدة ومفرداتها لتهمس لي انك إزاء شعر متفرد ومفتقد.. فرغم إن المطابع تفرز كل يوم عشرات القصائد فالشعر قليل، كيف نتلمس الطريق إليه ؟.. تلك إشكالية يعاني منها متذوقو الشعر .

ما شدّني إلى القصيدة – وهنا أجد نفسي واقعا على الرغم مني في ذيول المنهج الانطباعي – صورها المبهرة ومفرداتها الأنيقة فمفردة البساتين توحي وفق منهج التحليل النفسي بالبرتقال والليمون والنخيل والثمار اليانعة. والبساتين توحي وفق بعقوبة بالقداح. والبساتين كما أوحت القصيدة تضم المناضلين والشعراء والمخبرين.
 

)البساتين

ليمون وانين

ملاذ الساسة والعشاق والكلاب

البساتين

بلا سقوف تنوء بكل الأسرار(
 

يقتنص الشاعر مفارقة يفهمها من أدمن ارتياد تلك البساتين عاشقا أو مناضلا فرغم إنها بلا سقوف فإنها تحتفظ بأسرار.. أية أسرار.. (والدار لو حدثت ذات أخبار).. وكم تمنيت وأنا أرود منتشيا بأبيات القصيدة لو استبدل الشاعر مفردة الساسة فهي كبيرة على أولئك الفتية الطيبين، فالساسة هم رجال الدولة وكبار السياسيين بينما بساتين إبراهيم الخياط ما ضمت سوى العشاق المعمدين بحب الناس والجمال وما ضمت سوى الحالمين بوطن حرّ خال من (الساسة/التجار). وإبراهيم الخياط في هذه القصيدة يهرب من القافية رغم إنها تواتيه:
 

(البساتين ملاذ الساسة والعشاق والكلاب)
 

كان بإمكانه أن يقول والمخبرين. ولعلنا نعذره فالقافية باتت لعنة الحداثويين!
 

(ذات حرب

غفوت تحت شرفة الحدود .......)
 

 للخياط ومجايليه فضل ابتكار تلك الأحبولة الجميلة المتمثلة بإيراد اسم مفرد بديلا عن ظرف الزمان.. ذات حرب.. ذات خيانة.. ذات شظية، وإذ نسجل تلك السابقة للخياط وصحبه من الشعراء فإننا نراها تعكس مرارة الواقع وقسوته وتشظيه.

إن كمية الألفاظ الأنيقة التي حوتها القصيدة والصور المكتظة بالرموز المركبة تضع المتلقي تحت وطأة إحساس بهيج بألوان قوس قزح من التداعيات رغم تراجيديا الثيمة أو الثيمات التي حفلت بها القصيدة:
 

(البساتين

لا تنام

ولا تموت

كما أنت - ياكفأها -

لاتنام ولا تموت

فأمامك البرمودا العظيمة

وعلى قفاك فوهة الأسفار المدنية

وبين يديك

ينحني هرم رملي من الأهوال..

فيا نؤوم المسامير

متى تنام؟

ويا مريد الردى..)
 

تلك موسيقى يعرفها من قاسى أهوال السواتر الأمامية، ويفهمها من قضمت الحروب ربيع أيامه:
 

(لأنك من نصف ألف تحرس هودجا

مافيه تاج ولا أميرة)
 

هي أبيات تجعلك تتواضع حيالها فلا تملك سوى إطرائها:
 

(سأنبيك التأويل المجيد

وإياك أن تقصصه من مآذن

القصيدة على الرابضين

في تكايا الحدود

 لأنهم لا يلقونك بالجب

بل يهيلونها عليك

وعلى آلك وأصحابك..)
 

في هذه الخاتمة، الضربة، نتلمس المأزق الإنساني الذي وضع فيه الأحرار والشعراء والعشاق فان التماهي مع القصص القرآني أو التوراتي وإعطاءه بعدا معاصرا ثم إدخال مفردات مبتكرة مدهشة: مآذن القصيدة/تكايا الحدود/السماء الملبدة بالضيوم/إحتفر دكنة لقطاتك/أوقد نارا للشاي الأنيس/ياصدى مهجورا/الحدود الغيد/مريد الردى..

كل تلك الصور والتراكيب تنبيك أنك أمام شاعر يمسك بزمام اللغة الشعرية آخذا بناصية الحداثة دون أن يتخلى عن جذوره التي تغور عميقا في الواقعية الاجتماعية وذلك حسبه.. ولعمري أن ذلك يكفينا.. (ربّنا اعطنا شعر كفافنا)..!!

free web counter