الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الأثنين 27/12/ 2010

 

نظرات في كتاب (قراءات أولى) *

عبد الزهرة لازم شباري

من الطبيعي إن النقد في الماضي والحاضر أستمد مقوماته التي يتجلى بها الكاتب في الأساسيات التي تتمحور حولها أحداث الرواية أو القصة وحتى القصيدة الشعرية وعلى مختلف الأصعدة في العلم والمعرفة أو الفلسفة، مستعيناً في تحليل المحاكاة التي حوله من هذه الطقوس التي يبني عليها الكاتب مقومات الولادة القيصرية لتلك الرواية أو القصة والقصيدة معاً .. من هذا نرى الكاتب المبدع جاسم العايف يتجلى بكتابه(قراءات أولى) مبتدأً بإهدائه الجميل إلى أمه وهو يقف إجلالاً لها واحتراماً لتلك المربية الفاضلة التي جسدت بتربيتها تلك المواقف الإنسانية والإبداعية لدى وليدها وغذته ذاك اللبن الطاهر لترنو إليه ليقف على قدميه كاتباً بيّضت كتاباته أمهات الكتب والمجلاّت المحلية والعربية حيث تنحدر هذه القراءات التي سمّاها الكاتب جاسم العايف بمقالات في لغتها وبناء موضوعاتها شعراَ ونثراً تحدراً أصيلاً من اللغة نفسها التي أنجزتها تلك النصوص التي كتب عنها ، وهي تحمل سمتين أساسيتين تندمج في مسار واحد وهو النص الذي يلهمه بالكتابة عنه إبداعياً بعيداً عن العلاقات التي قد تبنى بين الكاتب وبين الشاعر أو القاص ولو أن هناك بوادر تظهر في بعض كتاباته وفي هذه المقالات بالذات تنم عن علاقة واضحة بينه وبين تلك المقالات وكتّابها. السمة الأولى وهي الشرعية الواضحة للتحدر الثقافي الذي ينحدر من الكاتب جاسم العايف بالمسؤولية الأدبية التي يبني بها موضوعاته ، والسمة الثانية هي حبه الواضح إلى تشريح النص وسحبه إلى ذهن القارئ من الغموض إلى البيان الذي يفهمه المتتبع. من هذا يبدو لقاريء مقالاتْ العايف وهو يتمعن بقراءتها يلاحظها أنها تحاول بناء محاور عديدة واهتمامات متشعبة لمعالجة وافية يراد الغرض منها تعريف القارئ بمركزية النص والمعنى الذي يدور فيه الحدث الذي بنيت عليه محاور الموضوع سواء إن كان شعراً أو رواية أو قصة ، كذلك أراد الكاتب أن يؤرخ من خلال هذه المتابعات الجادة لقراءته هذه الكتب المهداة إليه من أدباء عاشوا معه فترة شبابه وزمنه الحالي زمن تلك الإرهاصات والمعاناة التي بدأت حقاً بعناق الحلم ثم المعانات التي مرّ بها هو نفسه ، فقوله عن زميله القاص (مصطفى عبد الله) الذي كما يقول عنه بدء نشاطه الأدبي في البصرة كاتباً للقصة القصيرة في أواسط الستينات، وبقيت اهتماماته مستمرة. وراح العايف يسطر ذلك الزمن الأجوف الذي يلتقي به مع القاص مصطفى وصاحبه ( كاظم الصبر) وإبداعاتهم في كتابة القصة والسيناريو والأبريت كأوبريت ( الجرداغ) الذي يحمل كما يوضح آفاقاً كثيرة لما فيه من التحدث عن معاناة العوائل التي تعمل في مكابس التمور الأهلية المنتشرة بالبصرة في ذلك العهد الذي تسلطت في القوى الدكتاتورية والرأسمالية ، حيث يفرض أصحابها شروطأ قاسية وتعسفية على العوائل لقاء أجر زهيد لا يكاد يسد الرمق. وفي ( كاردينيا.. الملاذ والأسى) يتناول كتاب الشاعر (فوزي كريم) ويسطر العايف عن ( الراوي) ومعاناته في منفاه وكيف راح يحمل حسرات فراقه من أهله ووطنه مع أكياس الشاي والسكر وصابون الرقي الذي كما يقول عنه ( سلاح الأعزل) راح ليذوب في خضم الغربة ولم يبق منه إلاّ قصائده المفجعة إذالأفعال عاجزة عن العزاء والسلوان ثم يتابع عدد من الشخصيات الأدبية التي عانت نفس المعاناة والعذاب في لجوئها في ديار الغربة وفي أوطان أخرى غير وطنهم الذي عاشوا فيه منهم: عباّس فاضل رسّام الكاريكاتير الذي مات بفعل سم دس له،و شريف الربيعي الذي مات هو الآخر بسرطانه الذي طاف به كل البلدان، ومحمود جنداري، منهل نعمة، جعفر حمودي، وموتهم بعد ذلك بفعل التعذيب، ويختم قائمة المشردين اللذين هرستهم السنين بموت عبد الجبار عباس و حسين مردان، وغيرهم كثير. تتفتح ذائقة العايف بتذكره هذه القامات الأدبية بروحه التي تعّج بالذكرى والأسى لهم شعراء وكتّاب وروائيين وآخرين غيرهم كثير!! حيث تذهب ذاكرته بعيداً على (جناح ليلكه)، الأشعار الأخيرة للشاعرة الإعلامية القتيلة (أطوار بهجت) بالكتابة عنها والتحليل لتلك القصائد الجميلة التي رسمت بها حياتها اليومية الدافقة وروحها المعذبة، بقصائدها التي تميل نحو العفوية والتي تتمحور حول عواطفها الذاتية المغلفة بإحزانها الأنثوية كما يقول عنها. ما أختاره العايف في هذه المقالات وما كتبه عن جملة الكتّاب اللذين تأثر بهم وما طرحوه في كتاباتهم، وأدراك فحوى العلاقة بينه ككاتب متفحص ، وبين العالم المحيط به، هذه العلاقة التي امضى بها العايف عقوداً من عمره الأدبي، راح ينمي به روح البيان الأدبي فاضحاً الوضع الذي يمر به من قمع وظلم وكبح للحريّات في عالمنا الذي نعيش فيه ، لأن سمة ومهمة الكاتب رصد وتحليل وإضاءة هذه العلاقة بينه وبين ما يراه وما يقرأه بوعي وإدراك وفهم متمكن ْ ،لذا نراه يفضح الظلم والتعسف الذي يمر به شعبنا ومن بينهم الأدباء والشعراء والكتاب في تحليلهم بعض الغايات الفلسفية والأدبية، وما انتصاره للدكتور( نصر حامد أبو زيد ) في كتاباته التي أدت إلى إبعاده كدكتور وأستاذ أفنى عمره بالتأليف والأبحاث في موضوعه الذي أسماه (حق التفكير.. وحد التكفير) إلاّ دليل على هذا الإحساس والمعاناة التي يمر بها الكاتب ومتضامناً مع غيره من أبناء جيله من الأدباء والكتّاب في هذه الأمة. لا أريد إن أتعمق في تحليل مقالات العايف في هذا المطبوع الذي يظم خمسة عشر موضوعاً عن جملة من المبدعين واسلب من القارئ والمتتبع فرصة التمتع بقراءتها، ولكني أهدي قرائنا الأعزاء الاهتداء إليه والإطلاع عليه لأهميته في تعميق وترسيخ الوعي الاجتماعي والإنساني.
 

* قراءات أولى/جاسم العايف/ اصدارت اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين - البصرة/33 /  دار الينابيع في دمشق/ بدعم شركة آسيا سيل للاتصالات


 

free web counter