الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الجمعة 27/2/ 2009



دراسة نقدية

المسرح اشعاع لجميع الحضارات.........

فيصل فائق صبري

يعتبر المسرح من الامور الثقافية الهامة و الحيوية في الممارسة الاجتماعية ورسم هوية البلد ضمن دراسة سوسيولوجية تؤكد على مدى حيوية المسرح عبر قراءات ادبية فنية جمالية تتعلق بالذائقة الشعبية و الارث الحضاري للبلد المعني,ولكن هذا لا يعني بأن المسرح هو فقط ملك الزمان و المكان الجغرافي الذي ولد فيه,لان المسرح كالطير له جنحان يطير فوق كل بقعة من الارض دون قيد او شرط , فكل زمان هو زمانه و كل مكان هو مكانه, فالمسرح اكبر بكثير من يكون له هوية او وثيقة سفر تمكننا التعرف عليه او عدم السماح له بالمغادرة,وذلك لان المسرح له وظيفة انسانية اجتماعية ترتبط باللحمة الحية لمجموعة تجارب جمعية تنير لنا المستقبل والالتقاء بالطرف الثاني من العالم.

لقد انتقل المسرح وعبر العصور ضمن مراحل عديدة وتجارب و ورشات عمل متنوعة وغنية عبر مبدعين حقيقيين, و وصل الى يومنا هذا بالشكل الذي تعرفنا عليه,وحمل معه جميع معاني الفن الانساني بصوره و تعابيره المتنوعة,بحيث قدم للبشرية و العالم خدمة انسانية نبيلة و فريدة من نوعها,من خلال الابداع الفني المتمركز عبر العاملين في المجال المسرحي,حيث ذكر جان دوفينيو في كتابه سوسيولوجية المسرح بأن (القيمة الخيرة للمسرح الذي يحررنا من الشر , عندما يقدم لنا صورته).

المسرح يقوم على الدهشة و التبادل الفكري و الحضاري,وقد تتولد آراء وأفكار مختلفة حول هوية المسرح للبلد المعني والخاص بثقافته و ارثه الحضاري ,وهناك من يعارض خروج المسرح من البلد عبر اشخاص لا ينتمون اليه ويعتبرون ذلك تشويها للذائقة الشعبية,حيث يقول روستم بهروشا في كتابه المسرح و العالم (قد أيقظ البريطانيون فنيا الوعي تجاه المفهوم الاقتصادي في الهند على نطاق دولي.انهم اخذوا منا المواد الخام و قاموا بتصديرها لمصانعهم في مانشستر و لانكاشير حيث حولت الى سلع ثم بيعت لنا بعد ذلك في الهند بالوسائل القهرية.وهكذا يتعامل بروكBrook في شئ آخر فلم يكتف بسلب بضائعنا و أنسجتنا و القيام بتحويلها الى حلل و اثاث و لكنه استولى على احد نصوصنا الهامة المقدسة ثم قام بتجريدها من تاريخها حتى يمكنه بيعها لجمهوره في الغرب),حيث اعتبر بهروشا بأن بيتربروك هو محتل و غازي و اعتبر غروتوفسكي بعباراته وغموضه حيث قال له(ربما انني لم اندلف كلية الى طريقة تفكيرك و انطباعك عن العلم,لكنني قد تجاوبت معك و انت تتحسس خطواتك في الظلام و انت على وشك بداية التحول في حياتك,و بمنتهى الحكمة ابيت تحديد كنهك و هويتك في عملية البحث فظل مستقبلك مبهما و غامضا),ولكن نسى بهروشا شيئا مهما ألا وهو ان المسرح الاسيوي بشكل عام كان منعزلا عن باقي المسارح في العالم,ولاشك ان الاستعمار يخلق عديدا من التوترات الاقتصادية و السياسة و الثقافية.....الخ,لكن المسرح يظل لسان حال البلد لا يحتل و لا يشوه مهما حصل و قابل للتنقل والابداع , يقول فوبيون باورز في كتابه المسرح في الشرق (كانت الضربة الاخيرة التي اصابت تدفق الثقافة الهندية الى الخارج,وهي ضربة اقل من غيرها جلاء,ولو انها مع ذلك ضربة حقيقية ,هي وصول البريطانيين في الهند منذ حوالي مائة و خمسين عاما,كقوة استعمارية.وحوَّل الهنود المتعلمون اهتمامهم, الواحد بعد الاخر,صوب اوروبا,اذ كانوا يطمحون على الاخص في النهوض في هذا العالم الجديد,ومجابهة حكامهم الاجانب),اذن الهنود حاولوا الوصول الى البلدان الاوروبية ونشر ثقافتهم هناك,ولكن لم يكن لهؤلاء القدرة الكافية في تحويل و فهم الرسالة الى الغرب و باقي دول العالم,لذا قام مجموعة من المبدعين من امثال آرتو و غروتوفسكي و بروك و باربا واخرين على ايصالنا بمعالم و تراث المسرح الاسيوي منها الياباني و الصيني و الهندي والجزر المحيطة بها و الدخول الى غور وثنايا هذه المسارح,و تعرفنا على تقاليد و عادات و فلكلور هذه المسارح المتكونة من رقصات الكتاكالي و الكوتي ياتام وقصة الماهبهارتا و الرامايانا و مسرح النو و كذلك اوبرا بكين وما تحتويها هذه المجموعة من فنون الرقص و الدراما ومسابقات القتال.....الخ.

لابد لنا ان نحدد موقفنا من الذين يحددون المجال المسرحي و ابداعاته ضمن دائرة مغلقة ومقيدة بقوانين البلد الذي نشأة فيه .المسرح هو ملك الجميع لا تحدده اطر و قوانين حتى لو كان المنبع الاصلي في الطرف الاخر من العالم,حيث نتلمس في المسرح القيم الجمالية و الذائقة الفنية و التطور المدني و التحول نحو الديمقراطية ومن ثم التوجه نحو حرية الانسان و بالتالي تؤدي الى حرية الرأي و الفكر ليشكل كتلة من العلم والاخلاق و الابداع, ويذكر في كتاب علم الاخلاق الماركسي من تأليف مجموعة من اساتذة الاتحاد السوفيتي السابق بأن(الجانب الفني يكون متضمنا في العلم و الاخلاق على حد سواء,والفن نفسه لا يكون مفهوما بدون الانعكاس النموذجي للقيم الاخلاقية. وعلى هذا الشكل فأن لكل أسلوب من أساليب استيعاب الانسان للعلم ليس فقط خاصيته,استقلاليته ولكنه لا ينفصل عن الاساليب جميعها,في تنوعها الذي يكمل الواحد منها الآخر,تحمل مهمة واحدة توحدها وهي خدمة تطور المجتمع البشري),والفن المسرحي هدفه خدمة البشرية اينما كان وبشتى الطرق و الوسائل.

عربيا يمكن ان نتلمس تنقل المسرح و التبادل الثقافي و المعرفي عبر مجموعة من الكتاب ابرزهم مارون النقاش الذي أمضى سنوات عديدة في ايطاليا وفرنسا,حيث قام باقتباس نص مسرحية البخيل لمولير ووظفها في المسرح العربي ومن ثم قام توفيق الحكيم و علي عقلة عرسان وآخرون بنفس المحاولة ولكن بنصوص اخرى و توظيفات مختلفة يلائم جو الجمهور العربي.

وفي هذا المجال نؤشر الى المسرح العراقي الذي كان و ما يزال مسرحا ينبض بالحياة من خلال ما قدمه المبدعون من أمثال ابراهيم جلال,قاسم محمد,سامي عبد الحميد,عادل كاظم,وعوني كرومي....وآخرون من مبدعي المسرح العراقي,حيث من خلالهم تعرف العالم العربي و الغربي على مجموعة من العادات و التقاليد و الفلكلور و الثقافة العراقية عبر مشاركاتهم في المهرجانات العربية و العالمية.

لقد كتب الفنان المبدع دكتور عوني كرومي في كتابه روبرتو تشوللي و فرقة مسرح الرور قائلا(قبل كل شئ,يجب التأكيد على ان مسرح الرور هو مسرح الثقافات المتعددة و المختلفة و المتنوعة,مسرح موجه الى فئات أجتماعية غير محصورة,وان كان الشباب يشكل عنصرها الاساس و يطرح الاسئلة و المواضيع الملحة,ويقدم وجهة نظر معاصرة حول ظواهر الحياة,بعمل من اجل التضامن الانساني مع اكثر المسائل الحاحا ليس في اوروبا فقط و انما في العالم اجمع),اذن فالمسرح هو فن شامل يمكن مزج جميع الحضارات و وضعها على شكل هوية عامة من دون نكران البلد الاصلي .

لا ريب ان المسرح يحدد هوية البلد,ولكن في نهاية المطاف هو العالم الذي يجمع فيه جميع الهويات و الجنسيات المختلفة,كما تتبين في تجربة بيتر بروك عندما شكل فرقته المسرحية المتكونة من جنسيات متنوعة و منتمين الى ثقافات مختلفة و تنقل بهم من بلد الى آخر كي يقدم فيها عروض مسرحية متنوعة,ولاشك تعد هذه التجربة دليلا ماديا ملموسا على ان المسرح هو مصدر ثقافي موحد ولكل بلد خاصيته الملموسة ضمن عالم معرفي وجمالي الذي لا يمكن ان نضعه في موازين سياسية متطرفة تحت ما يسميه الاخر الغزو الثقافي,لربما لا يمكن لتعليم ثقافة الآخر أن تأتي إلا عبر الآخر و عبر باحثين و مبدعين في المجال الفني و المسرحي و الثقافي.

ولا ننسى ان الرسالة السماوية و الاديان تنقلت بين البشر من خلال البشر,و الهدف منها توحيد المجتمع,و المسرح مع بقية الفنون لا يختلف عن انه رسالة مقدسة يهدف الى تطوير الثقافة و التقدم نحو الازدهار وخاصة عبر غناه بالمعلومات التاريخية و التجارب العملية الحقيقية التي تنبض بالحياة وتشع عبرها مختلف الحضارات.




 

free web counter