الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الأثنين 24/1/ 2011

 

التشكيلية العراقية سوسن سلمان :
تعيد تشكيل الوطن بآفق الغربة

محسن الذهبي *
muhsinaldahabi@googlemail.com
 
حين سئل القاص والروائي الكولومبي الشهير (جابرييل جارسيا ماركيز) : لماذا لا تعيش في وطنك كولومبيا كي تبدع ..؟ .. أجاب من قال .. اني لا اعيش في قلب كولومبيا ؟ لقد غادرت الوطن ، لكني ما زلت احيا هناك .. فما مائة عام من العزلة او خريف البطريرك او الحب في زمن الكوليرا الا نوع من الحنين .. هذا الحديث ذكرني باعمال الفنانة العراقية المغتربة في النرويج منذ سنوات (سوسن سلمان) تعبيرا صادقا عن معاناة الفنان المغترب .

ان اعمال الفنانة ما هي إلا تجريد قادر على خلق محور قيمي للعمل الفني ولذات عالمها الخاص الذي تتلاحم معه لتعبر عن دواخلها وموروثها التاريخي المتراكم ، فالفن عندها يحاول ان يجد القدرة على قهر المسافات الزمنية والمكانية ومجاوزتها بفضل استخدامها للدلالات المنتقاة من الموروث الشعبي والتاريخي لجذور الحضارة الرافدينية وتوظيفه في العمل الابداعي ،فهي تحاول اختراق اي شكل من اشكال المحدودية لتجسيد المكان ولا نهائية الزمان ، بهذا المعنى المزدوج الدلالة يصبح الفن وسيلة أساسية للفهم ومن ثم يصبح مجالا لإنتاج ابداع يقترب من الحقيقة ويجسدها عبر خطوط تجريدية وبناء هيكلي للاشكال. اذ تبتعد عن الوصف الظاهري الى وصف مشهدي لمعنى الشيء ، فيكون التأويل الظاهري هو فعلا لإنتاج المعنى أو لتأسيسه بشكل ادق، أي انها تعنى بالتوجه القصدي نحو عالم معين موجود فعليا في الواقع هو تلك الرموز الرافدينية بكل ما فيها من قوة تعبيرية واعادة صياغتها بشكل تجريدي لا يبعدها عن الواقع بل يغور في الارتقاء بها نحو التعبير الذي يصل احيانا حد الشعور بالتقديس لذلك الموروث ، فيكون التوجه الانعكاسي نحو ذات معينة يعتمد على الذاكرة ليجسد الفعل التأويل الظاهري فهو لا يتجه إلى المعنى أو الاثر المكاني بل يرتد عنهما ، اذن فهو محاولة واعية للفهم الباطني الذي يوفر المعنى كي يصل بالشكل المفهوم للمتلقي ، غير أن المعنى نفسه ليس بؤرة فحسب ولا هوية ولا وحدة مفردة تمتاز بها اعمال الفنانه . أنما هو معنى لممارسة وفعالية وتفصيل لذات الفنان ومرموزاته الفكرية .

أن التأويل – للواقع - ليس تقريرا بل حوار تساؤلي ، فالمتلقي يستقرا ماهية نص اللوحة التشكيلية. وأن هذا الأفق جزء من دائرة الحوار التأويلي الذي يخرج به .

والتأويل هنا يجسد الفكرة أو التجربة بتأويل المعنى، ومحاولة كشف لحدود التخيل لابراز الواقع . فإنجاز التأويل هو ملائمة فضاء يخص المؤوَل وثيم التأويل في اللوحة الابداعية، وهو محاولة لخلق فضاء يعري الذاكرة الفردية للفنانة امام عين الجمهور المتلقي كي يكتشف معنى وماهية الاشياء فهي تعيد رسم ملامح الاماكن التاريخية والاشارات الحضارية متمثله بالكتابة المسمارية والحروف العربية ، ذلك ان الفضاء الذي تشتغل عليه هو فضاء واقعي ينسحب في ابداعها الى عالم افتراضي وتاويلي فالعالم ليس الذات المبدعة لوحدها ، بل هو عالم من التلقي والابداع والنمو الروحي، مأخوذ بالتجريب لاكتشاف عوالم جديدة ماهي في الاصل الا وحدات تقليدية مألوفة من اجل صياغة تكوينات جديدة غير مألوفة مستفيده من علاقة تلك التراكيب على مستوى المفردات لجعلها عنصر تشكيلي أساسي. فيما تعتمد على متغير اللون وتوزيعه لاضفاء جو من الدرامية التفاعلية الناتجة عن عملية التجريب، فوجود البياض والفراغ اللوني كدليل او معادل للفجوات التي تركها الزمن في ذاكرة الفنانه ومحاولة الابتعاد عن زحمة تاثير اللون جعلها تقتصد فيه عن قصد وكانها تؤرخ لتاثير الغربة التي تحاول ان لا تبقي الا ظلال للاشياء نتذكرها بشكل ابعاد مجرد ..

لكن السؤال المهم الذي يراود مخيلة المتتبع للفن هو لماذا ابتعدت الفنانه (سوسن سلمان) عن مسار ابيها الفنان الرائد عبد الجبار سلمان في تعبيريته المتفردة ؟ ولم تطور تلك الرؤية ؟

ربما التفسير لهذه الظاهرة هو محاولتها المخلصة للانطلاق في اسلوبيه متميزة كفنانة لها حضورها الخاص والمتميز في عالم التشكيل . مع اننا نقر لها بانها حاولت بشكل جاد ان ترتقي بذاتها الى منابع التشكيل العراقي كحاجه ذاتيه . وكأنها تستعير خلود كلكامش او تعبيرية الكتابة المسمارية ومسلات سومر وبابل كي تقول ها انا ذا فنانه عراقية خالصه اين ما اعيش اعبر عن ذاتي وتراثي كي اكون انا المتفردة والمؤثرة في عالم وجودي .



 * ناقد تشكيلي عراقي مقيم في بريطانيا




 

free web counter