الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

                                                                                        الثلاثاء 24/5/ 2011

 

 حُسين مِردان ..... سيّدُ النَدامى

نبيل عبد الأمير الربيعي

قال زرادشت لأحد أتباعة : منذً أن عرفتً  الجسد ما عادت الرّوح عندي أكثر من كلمة تقال , وكلّ هذا الذي لا يفنى إن هو أيضاً إلا رمز.

حسين مردان ذلك الشاعر الذي امتلك الطيبة وسلامة النية وبراءة الطفولة وحبه للمعرفة واصالتهُ للحياة, وروحه المفعمة تمرداً, القريبة لقوى الشعب المتوثبة , وهذا هو الجمال الحقيقي , فتدرج مع العمر والمعاناة والتجربة والقسوة ووهج الوعي , ليصبح معرفياً وأساسياً في مواجهة التخلف والجهل .

ولد شاعر التمرد والصعلكه البودليري التوجه,( حسين علي مردان عام 1927 قرب اعرق حضارة في التأريخ الإنساني وفي قضاء طوريج التابعة لمحافظة بابل من أب عريف شرطة وأم أميه طيبة القلب, كان بارعاً في درس اللغة العربية والدروس الأدبية الأخرى , وقد انتقل للسكن في منطقة الوردية ثم الى محافظة ديالى مع أسرتهِ بعد نقل والدهُ للعمل في شرطة محطة القطار) (1). ترك الدراسة في مرحلة المتوسطة بعد أن وجد ضالته في الأدب وهوس المطالعة وأصبح يقرأ كل يوم كتاباً , يقول حسين مردان انهُ في السابعة قرأ عنتره وفي العاشرة نظم أول بيت شعري , ولكن أمهُ عند معرفتها إهماله لدروسه واهتمامه  بالشعر ونظم القصائد بدأت تضايقهُ لترك الأدب ,مما ادى به لترك مقاعد الدراسة والذهاب الى بغداد ليجد ضالتهُ, ولضيق ذات اليد مارس مختلف المهن وكان منها عاملُ بناء ولغربتهُ الوجودية المتجذره في اعماقه ذكر مقوله : سأضع رجلي فوق الجميع وبعد أيام جلست مع الشاعر الرصافي .

التقى في بغداد ب(جماعة الوقت)  التي يشترك معها بأكثر من آصرة , كان لقاءهم  في مقهى العراق , لا شيء يحملهُ معهُ إلا دراهم معدودة وبعض الملابس.. ورحبت به وكان منهم (جميل حمودي وبلند الحيدري) وكانت ضيافتهُ وسكناه في الغرفة البائسة التي تقع فوق المقهى مجاناَ, كان يبلغ من العمر العشرين عاماَ  , هذا العمر الذي يتصف بشباب متحمس وكتله من نار ودهشته  لبغداد وشارع الرشيد كان يفكر في ذاته ومسيرته الصعبة  لصعود قمة الجبل ووصوله  إلى مقهى الزهاوي حيث يحضر هادي الدفتري وخضر الطائي وعبد الرحمن البناء , فقد كانوا يعاملونهُ كظاهرة غريبة طريفة ليس إلا. (وبعد تشتت  (جماعة الوقت) خوفاً من عيون الرقباء هجر حسين مردان الغرفة ليمارس تشرده فكان يبيت في حدائق بغداد العامة وهو يحمل في داخلهِ عنفوان الشباب  وكبرياء الرجولة).(2)

ويذكر الكاتب باسم عبد الحميد حمودي في جريدة المدى : فهو لا يمكث مع هؤلاء طويلاَ وإنما ينتقل مع رشيد ياسين وبلند الحيدري وزهير أحمد القيسي الى مقهى البلدية يومياَ تحدوه الرغبة للتعرف على ادباء وشعراء بغداد , ومن هؤلاء بدر شاكر السياب وعبد الرزاق عبد الواحد وأكرم الوتري للإطلاع عن كثب على منجزهم الشعري.. ومن رواد مقهى حسن عجمي أمثال الصحفي عبد القادر البراك والشيخ جلال الحنفي والشاعر كمال الجبوري وشاعر العرب محمد مهدي الجواهري الذي  يلتقي مجلسياً  بجماعته ولكنهُ غير مستعد آنذاك لقبول قصيدة شعرية حرة. ففي اثناء النقاشات الأدبية التي كانت تحتدم يومياً في المقاهي الأدبية كان حسين مردان يتسلل بينهم الى اقرب دكان صغير ليشتري صمونة مع كأس شربت وكانت هذه هي وجبتهِ الوحيدة في اليوم ,يقول مردان: (في تلك الايام الرهيبة  التقيت بوجه الجوع الأصفر وكنت لا اتناول في اليوم اكثر من وجبه واحدة صمونه نصف سمراء مع كأس من الشربت). (3)

عزز هذا الشاعر تمردهُ وكرسّ التزامه  بموسيقى الكلمة عندما طبع (قصائد عارية) 1949 وأصدر مجموعته الشعرية (اللحن الأسود) عام 1950  ثم أطل على شعراء المرحلة بمجموعتة (الارجوحه هادئة الحبال) عام 1958 متحملاَ تبعات الإتهام بالوجودية والعبثية .  وقد برز حسين مردان في شعر الجنس إلا أن ديوانه (قصائد عارية) لم  يلقي الترحيب من الحكومة العراقية آنذاك لأنها كانت مخلة للأخلاق وهذا السبب حظر من التداول على المجتمع. فجمعت من الأسواق وصودرت وأُوقف  مردان وأُحيل الى القضاء وبعد  مرور شهر أُطلق سراحه بإعتبار قصائدهُ من الأدب المكشوف حالهُ حال أي رسام أو نحات يظهرُ الجنس في عملهُ الفني وبدفاع المحامي صفاء الأُورفلي وكيل  الشاعر أمام قاضي محكمة جزاء بغداد في حينه وبوساطة الشاعر محمد مهدي الجواهري, ثم أُعتقل حسين مردان مرة أُخرى بسبب صدور مجموعته الشعرية (عزيزتي فُلانه) عام 1952 والتي كانت شبيهه بقصائد عارية إلا أن الأعذار التي ذكرها مردان في قصائد عارية لم تعد مقبولة حيال مجموعته الشعرية (عزيزتي فلانة) فحكم بالسجن عام واحد  وقد ذكر ذلك في إحدى مقالاته  حين قضى محكوميته مع سجناء شيوعيين وتأثره بهم , مما دفعهُ لقراءة أكثر من ألف صفحة عن الفلسفة الماركسية. وقد وصفت بعض الصحف الغربية مردان بأنهُ بودلير  العراق وقالوا بأنهُ مثال للشخصية العراقية التواقه الى التجديد والحُرية, وقد حقق مردان نجاحاً  وشُهرة كبيرة وبتأثير  سجنهُ الثاني راح مردان يؤسس  الإنطلاقة  الشعرية وليصارع في وطنهُ  الحُكام والمحاكم والسُجون والفُقر والواقع الثقافي التقليدي.. معلناً التمرد على الموروث الشعري وقوالبهُ  وليتلقى بدلاُ من الإحتفاء الرفض والمطاردة.

شعرْ هذا الشاعر مرادفاً للبُؤس  والموت مثقلاً بالوعي الحاد  بتعبير فني يُشَكلُ وفقَ سلسلة من الدوافع الخفية المختزنة في رؤى الشاعر, وتبدت التلقائية والعفوية التي تدفع كلماتهُ دفعاً , حتى تحمل عذابات قصائدهُ تشريداً ومطاردةً وسجناً , و سدد فواتيرهُ بالكامل.

أما (قصائد عارية) فقد تخص مفردات يوصف الحياة الصاخبة الحافلة بالملذات الجسدية والشهوة المرعبة للنساء , وقد كتب الشاعر مقدمة الديوان بنفسهِ , عبارة هنّ  صرخة بوجه الرذيلة  , حيث بدأت المقدمة على النحو التالي:(لم أحب شيئاً مثلما أحببت نفسي
فإلى المارد الجبار الملتف بثياب الشباب
الى الشاعر الثائر.. والمفكر الحر.. الى حسين مردان
أرفع هذه الصرخات التي انبعثت من عروقهِ في لحظات هانئة من حياته الرهيبة
ثق إنك لا تفضلني  على الرغم من لا شيء إلا واحد هو, إني أحيا عارياً , أما أنت تحيا ساتراً ذاتكَ بلف ستار , فنصيحتي إليك هو أن لن تظل على أشعاري خشيناً مني إن لن ترى الحيوان الرابض في أعماقك). كان مصراً على قول الحقيقة ويقول: هل يتوب مفكر صرً على قول الحقيقة مجبر
).(4)

حسين مردان  مقالياً:
عمل الشاعر حسين مردان في الصحافة ليحصل على قوت يومه لا لغرض الغنى  ومن هذه الصحف : الأهالي, البلاد, الأخبار والمستقبل,  مصححاً وكاتباً للمقال.

يذكر الدكتور علي جواد الطاهر في مقاله (حسين مردان.. مقالياً) من يفرك الصدى ص18: للكلمة وحركاتُها أهمية كبرى في الشعر الحر.. إن الشعر الحديث يعتمد الى حد كبير على موسيقى الكلمة وحركاتهُا داخل المقطع ولكن الكلمات إذا لم تتفاعل مع بعضها تفاعلاً حيوياً تفقد الصورة  قسماً كبيراً من الانسجام الفني.)  هذا بحق مقالات حسين مردان بسبب إهتمامة وتأثرهُ  بالشعر واطلاعهُ على شعر بودلير وكتابات أبو شبكة ومتابعتهُ  لمجلة الأديب  البيروتية , إعتزازهُ بنفسه لدرجة تحسبها إدعاءً وغروراً ووهماً ذلك الشاعر الفقير المعدم المتشرد الذي لم تؤثر فيه الحياة فقد كان عادلاً محتفظاً  بمنطلقاتهُ الإنسانيه.

لقد اتقن مردان  كتابة المقاله في الصحف التي عمل بها وأبدع وكانَ ذو  حس وطني واقعي حر الإنتساب  محب للإسفار والترحال وقد اصبحت هواياتهُ المفضلة.

يؤكد د. علي جواد الطاهر في تعليقهُ على كتابات حسين مردان الذي اعدهُ بعد وفاة الكاتب وجمع مقالاتهُ وبعض اشعارهُ بعنوان (من يفرك الصدأ ؟) : ما هو بالثائر المبدع , هو شاعر ولا نقاش عندهُ في ذلك , أما المقاله شيء يكتب, وقد كتب ... آراء متلاحقة مؤيدة بأبيات متلاحقة).ص23

لقد أبدع بمقالاتهِ في مجلة ألف باء موضوعات من الفن والأدب والسياسة والإجتماع والشعر الحديث وقصيدة النثر .. كانت مقالاتهُ قصيرة ذات طابع تعليمي ولكنها ذات إبداع عالي بحُكم مزاجهُ الفَني  سبب امتزاج الشعري بالنثري في أَغلب مقالاتهُ على سبيل المثال منها : (الحلم) و (منائر كربلاء) و (لقاء مع الدكتور مصطفى جواد).

ولهُ مقالات يمزج فيها بين الرمزية الشعرية والسريالية منها (لنحطم بيضة العنقاء) و(جسدي الذي يتحول إلى دموع) ) و (قبضة الضوء والحزام). لقد وصفهُ أصدقاءهُ بالعربدة والسكر والشعوذة والتشرد والصعلكة بسبب قربهِ من حانات بغداد  ومواخيرها ونسائها.  ولكن لم يسيء هذا الشاعر لأحد من  أصدقائه أو حتى الادباء في سلوكه ولم يهزل في حياتهِ , كان جاداُ في عملهِ مخلص في واجباته إتجاه الصحف والمجلات التي عمل بها.

فهو يكتُب المقاله عندما تختمُر الفكرة وتكتمل في ذاتهُ المحاور الاساسية لها  براقة كإنشاء أدبي إذ  يقول في مقاله لهُ بعنوان (الموت والفعل الخارق) : فالبطولة هي التي ترفع هذا الطوق بواسطة الأعمال المجيدة .. ولكن الخسارة لا تساوي أبداً ذلك الشعور العظيم المرافق لروحنا أثناء القيام بعمل كبير.. لن تفلق البذرة أي لا تساعد على حدوث الطفرة التي تشق وجه الأرض ويفتح الدروب أمام الزهرة الجديدة).

وفي وصف الثورة الكوبية بقيادة كاسترو والثائر جيفارا يقول : متى أمُد بقامتي عبر العالم كلهُ فأُقدم لشعبي والإنسانية مثل تلك الخدمات التي قدمها جيفارا و سيدا و بارون ... متى). سيدا تلك المناضلة اليوغسلافية التي دفعت عن بلدها امام الغزو الالماني وبارون شاعر انكليزي دافع عن الحرية للشعب اليوناني.

لقد عُرف مردان عمق وحدتهِ وعزلتهِ بل توحشه في عالم الإنس , لذا أثر ان  يهدي قصائدهُ الى نفسهِ ويستعير بعض الأحيان كلمة بودلير حين يخاطب القاريْ بقولهِ (أيها القاريء المراوغ, يا شبيهي يا أخي... إني لأضحك ببلاهه كلما تخيلت وجهك العزيز وقد استحال الى علامة إستفهام ضخمه ... ولكن ثق انك لا تفضلني على الرغم  من قذارتي إلا بشيء واحد وهو أني أحيا عارياً .. بينما تحيا ساتراً).

وبسبب ما عاناه من الفاقة  والعنت فقد كان ينام في كل مكان وفي مذكراته يقول : إني نمت  في مقبرة الإنكليز في الكرنتينه ليالي كثيرة. وكان ضيفاً حميماً لمصطبات العمال والمقاهي الرخيصة وفي أرصفة شارع الرشيد يقضي إستراحتهُ ممدداً على رصيف  الشوارع مع أصدقائهُ من الشعراء أمثال عبد الأمير الحصيري وجان دمو وغيرهم الذين يقاسمونه الصعلكة.

حسين مردان شاعراً:
وهو رغم ما كتبهُ من قصائد فاضحه والتي  تشي بجوعه الانساني حيث يقول :

سأتركُ الحبَ إلى حينٍ
إلى أن نجد العسلَ لكلِ طفلٍ
وعندئذٍ سأعود
الى حبيبتي الجميلة كقنديل من ماس
وإلى جسمها القهوائي

وفي مخاطبتهُ للشيطان  تتبدى قدرته الشعرية في رسم صور شعرية غرائبية حين يقول :

قلت للشيطان مرة : أريد أن أكون مفكراً عظيماً
فنظر إلي بعيونه التي لا تحصى
قلت لم أجد في عقول الفلاسفة شيئاً كبيراً
ومنذ ذلك اليوم وأنا أقوم بتجاربي

ويمكن تلمس ما عاناه من شظف العيش والجوع وهو يبوح به بصدق وعفوية يقول :

إن جبيني الخشن كنشارة خشب
لا يحس بعطر الورد
أنا  لا أبحث عن الحبَ
لأني لا أعرف الربيع
أعرف الجوع
الجوع الذي يلتصق بنفسي
والجوع الذي يعيش في معدتي
والجوع الذي يدور في رأسي

آراء النقاد في شعر حسين مردان:
يقول الراحل الباحث في وصف حياة وعبثية الشاعر حسين مردان : ( أما عبثية حسين مردان فقد رافقتهُ طبيعة وشعرا , كان يعي في ذاته العطب , والعذاب , وكانت الاباحية خطأ فما كان منهُ إلا أن يتمرد في الشعر على الشعراء , وفي الصورة  وفي العبارة, وأرادَ أن ينتقم أحياناً بواسطة المقلب .... فمن على صفحات الصحف ظهرت أسماء الشعراء الذين ذكرت عنهم المدينة إنهم صعاليكها المتشردين...).(5)

وقد احتفت جريدة المدى بالشاعر فقد أصدرت ملاحق خاصة عنه وأقامت إحتفالية أستذكارية له ولكن أجمع النقاد على محدودية ثقافة حسين مردان إذ كتب الناقد د. احسان عباس أن مردان ظهر في (فترة سئم الناس فيها في العراق مواعظ الرصافي بإسم الشعر الإجتماعي ومنظومات الزهاوي بإسم الأفكار العلمية. ولكن لحسين مردان بعض الحكم في قصائده منها آراء مفاجئة : الشاعر العظيم هو الذي يُحدّق بعيون الهدهد في التراب الذي يملأ  رئتيه) وكتب (الرسام إذا جرب الحب لا  يرسم الحب لنفسه , ولكن يرسم ما يبعثهُ  الحُب فيه).

وقد جسد حياة الراحل حسين مردان الكاتب الراحل غائب طعمه فرمان في رواية (خمسة أصوات) عام 1967 فكانت شخصية (شريف) التي أداها الفنان القدير يوسف العاني , يذكر في الرواية الحوار التالي :

سأل مرة امرأة كانت تعمل في ماخور
- هل تعرفين بودلير؟
+ أعرفهُ.. يمثل في سينما الحمراء .. سمين مثلك
- كفرت...
+ والله العظيم شفتهُ في السينما
- لا يا قوراء
+ ومن هو؟
- شاعر عظيم
+ يعني ممثل
- خسئت يا لكعاء
+ لماذا تسميني بهذه الأسماء؟ قلت لك اسمي صبرية.

وقد خاض حسين مردان انتخابات إإتحاد الادباء  وينتصر بأصوات الأدباء الشباب ليصعد إلى  منصة الهيئة الإدارية بشكل أجبر الشاعر الجواهري والمخزومي وصلاح خالص وبحر العلوم على أحترامه والأخذ بآرائه. كما كتب لثورة 14 تموز 1958 في (هلاهل نحو الشمس) و (أغصان الحديد) التي رمز بها لحراب الجيش العراقي الذي قاد الثورة.

ويصف الدكتور علي جواد الطاهر الشاعر الراحل مردان في الكتاب الذي جمع فيه مقالات مردان (من يفرك الصدأ؟) : يقول (تعجب لمن كان متشرداً بوهيمياً وبودليرياً كحسين مردان ... يقيد نفسه فيلتزم بكلمتهً للمجله ويواصل الكتابة الإسبوعية في موعد مقرر وحجم محدد .  ولا تعجب والعمر  والمصاحبة والمناقشة والقراءة والسفر وطيب الجوهر...).

أما البيان الشعري الذي قدمتهً مجلة (شعر) 1969 بتوقيع مجموعه من الأُدباء والشعراء منهم  الشاعر فاضل العزاوي وسامي مهدي وخالد علي مصطفى وفوزي كريم ,  هذا البيان الطويل الذي ذكرهُ الأديب  الشاعر فاضل العزاوي في (الروح الحية) ص334 ذو أفكار متعددة ومقاطع سته صاغ حسين مردان من كل مقطع مقاله  فنهضت لديه ست مقالات وهكذا  إمتلأت سته اسابيع  متوالية منها : الكلمات. الحرب والوحوش . الماركسية واللاوعي . إماتة الوعي . حول البيان الشعري . مقالات تتصل بخيط اللباب وتنفصل بوحدة النوع المقالي . وكان  الراحل كثير السفر فسافر الى اكثر من ست عشرة دولة منها استنبول وموسكو ولبنان والكثير غيرها  وكتب مقال من استنبول: طاحونة الشرق ,  وكان صعباً وغير معقول أن يكون مردان في إستنبول ويكون موظفاً ومراسلاً لمجلة ألف باء , وقد تواصل بمقالات أربع  تريد أن تكون أكثر من مقالة (حتى في النوم).

هذا الشاعر الذي تأثرتُ به أيام الشباب في فترة السبعينات  فقد كان يعشق الليل وكان مجدهُ قد قام على الليل  الذي يقترن بنساء من نوع معين فقد باع في أحد الأيام سروالهُ ليشتري بثمنهُ زجاجة  خمر شربها هو و غائب طعمة فرمان وعبد الحميد الونداوي وشربوا  البنطلون في الملهى , ملهى بلقيس الذي كان يرغب الاستمرار في الجلوس فيه  وغناء عفيفة إسكندر التي كانت تصرف عليه وتعطف عليه وهو دائم  الحضور لهذا الملهى.

ويجمع بهِ الخيال ليستذكر أخيه العامل عباس  ومحبتهُ للعمال وحب الناس  ولكن الليل أكثر حَبيب  لحسين مردان لأَنهُ هدفهُ الذي يريد بلوغه  فالليل ينتظر  والزمن يحملق بهِ ويطرح أسمالهُ  على عينه ولكن  واقنا مرّ هذا الواقع الذي يساوي بين الكبير والصغير والعظيم والحقير , وهو يشكو الزمان وظروفه والواقع وآلامهِ, لكن الانسان الصادق فيه في النهاية كما في البداية كان صادقاً في المسيرة كلها بين الرضا والسخط والكبرياء والتواضع والعزة والهوان والبناء والهَدم , الكاتب البارع هو الذي يجلو الصوره وكإنها عملت نفسها ولكن كان حسين مردان يسكن في قبر حسب وصفهُ (وإقتربت من البيت... من قبري المؤقت   فيا إلهي متى تعود الكف التي تفرك الصدأ ...) . ولكنها حرمان في حرمان ولم يبق لهُ إلا منفذ واحد هو الصدق .. وفقدان الإحساس ولكن بقيت أنت في بكاء صامت ولكن الهمس ضرب من البكاء , لا تستطيع أن تحب إمرأة واحدة  ولا تتوانَ عن النص على وجهك وفي (الروح والحليب الأسود ) يقول : (آه أيها الوجه , يا وجهي البغيض , إنك لم تخلق علامة عطور الفساتين , فأجمع آهاتك ولتعد المبدعة وأنت أهلاً لها ومنها).
 
ايها الشاعر الراحل لن تنساك المجالس الشعرية وزملاء المهنة والشعراء الخلص لمواقفك فأنت الذي مررت بمرحلتين , مرحلة التشرد ومرحلة الثوربة وقد وصل  طريقك الأول إلى الانتحار ولكن لخشيتك من الهزيمة تنبهت لذلك فتحولت للحقيقة المخيفة  والمفجعة إن الدرب الوحيد الذي يصل إلى الهدوء هو الموت ولكن  تراجعك عن هذا الطريق المأساوي  لتزج نفسك في حميم الحياة حيث تقول: إني.. رجل شارع حقيقي , لا أميل إلى المختلة والتزويق , لأني مقاتل نظيف.

لقد كانت حياة مردان خالية من المرأة وهذا يدخل الحزن الى قلبهُ ليتصور وخيال أمرأة جميله رائعه تجلس بجانبهُ ويداعب شعرها الجميل ولكن  كبرياءهُ المفعم بعزة النفس يخاف المغامرة ويصفهُ الدكتور علي جواد الطاهر : (فإن رجلاً إسمهُ حسين مردان  لا يلقي السلاح  في يسر ولا يعدم  مجالاً جديداً للكبرياء إن فاتهُ مجال ثم إنهُ إنسان - كأي إنسان - يعزي نفسهُ صدقاً أو كذباً , ولا نريد لحسين مردان الكذب هنا لأنهُ لا يريدهُ , ولأنهُ العوض الأكبر).

وقد كتب مقالة لم تكتمل هي (نحو هدف واحد) ولكن الأزمة القلبية التي داهمتهُ في الساعه الثامنة والنصف صباحاً من يوم 14/9/1972 وعلى أثرها نقل الى مدينة الطب وبعد تحسن جزئي داهمتهُ أخرى وفي فجر الأربعاء 4/10/1972 توقف قلب الشاعر البودليري البوهيمي وقُضي الأمر ولم تعد أزهارهُ تورق داخل تلك العاصفة   التي عصفت بأوراقه  اليابسه وأزهارهِ  , وبقيت شجرة حسين مردان  الوارفة تمد أغصانها بمرور الأيام حتى يتذكرها الادباء والشعراء.

ويصفهُ الشاعر الراحل بدر شاكر السياب: (حسين مردان رجل مخلص لنفسه فيما يقول , وهو ذو موجبة لا سبيل الى نكرانها. (6)

وقد رثاه الشاعر فوزي كريم بقصيدة حيث يقول :

يا حُسين مردان
كيف تركت الباب مفتوحاً
 والليل لم يبدأ
وكان السر مفضوحاً
 وأنت قد تجهل أن الخمر في الندمان.

وقد ذكره صديقه الراحل رشدي العامل حول تشردهِ وبؤسهِ :(قال حسين مردان, جاءني بلند الحيدري وكان هو الآخر قد بدأ يتشرد وطلب أن يبيت معي في غرفة صغيرة بائسة كنت قد استأجرتها, ذهبنا.. ونمنا .. وفي الصباح قال لي بلند إنهُ لن يستطيع النوم , عندما سألته عن السبب اجاب بأن التراب المتساقط من السقف جعلهُ يقضي الليل يحك جلده.. ضحكت.. سألني بلند عن سبب الضحك فأجبتهُ : أخي بلند ليس هذا تراب السقف.. إنهُ القمل)(7)
 
وقد كتب الراحل حسين مردان يوماً في الموت والضحك يقول: لو يموت كل ما في العالم من جمال قبل موتي بيوم واحد فقط , إذن لإستطعت  أن أُنظم قصيده عن الضحك.

أما الكاتب عبد الكريم كاظم فقد خاطبهُ بعد سقوط النظام عام2003  وما آل اليه الآداب والثقافة والمسرح والإهمال حيث يقول: لقد أحرقوا المسارح ونهبوا المتحف العراقي وغزوا العراق وما تضمنهُ من حرق وتدمير وسلب ونهب بل ما تختزنهُ المكتبه الوطنية بعد أن أضرموا  بها النيران وتفجرت صراعات جديدة ومسميات غريبة... فقد إندحر الجمال وانتصر القبح وعلينا الإنتظار  لفتره أخرى من الزمن .. وصولاً لصور الماضي الأليم.

وانا اخاطبك يا شاعرنا ذو المواقف الصادقة والحقيقية  والكاتب الذي آمن في يومٍ ما بالفكر التقدمي ومناصرة العمال وثورة الرابع عشر من تموز والمتفائل في الحياة والإنسان والأبداع لن ينساك اصدقاؤك وقراء قصائدك إذا كانت عارية  أو أزهارك التي لا تموت ما دامت اشعارك خالدة.

 


(1) شعراء من العراق     مصطفى جمال مردان ص62
(2) شعراء من العراق     مصطفى جمال مردان  ص61
(3) المقاهي الأدبية – مجلة الف باء العدد 103 ص38
(4) مقدمة ديوان قصائد عارية
(5) مقدمة كتاب شعراء من العراق – جمال مصطفى مردان ص6
(6) شعراء من العراق   مصطفى جمال الدين ص127
(7) مجلة الأقلام العدد11 سنة1984
 

 

free web counter