الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الخميس 23/7/ 2009

 

الناقد والكاتب المسرحي العراقي :قاسم مطرود

حوار : صوفية الهمامي

النقد عين واسعة تعمل بالتعاون مع الدماغ
المجتمع العربي ثقافته شفاهية
المرأة الوعاء الأكبر لتحمل وخزن المأساة

على صفحة وجهه تتمدد أحزان الورد الأحمر ...يتنفس دفء الوطن على كفيه ..المسرح : إله ساكن في شرفات صلاته ..الرمز : نابت في شفتيه كالزهرة ..الكتابة : بوحه وتلاوين همسه ..العراق : ماضيه وحاضره وآتيه.. والحلم : ساهر في عينيه لم ينعس. هذه خلاصة المسرحي العراقي المقيم في لندن قاسم مطرود ..انه وطن يلتف الحزن به .


لنعد إلى البدايات وتحديدا إلى الطفولة والتفتح على العوالم الخارجية و منها نشأة المسرح في داخلك ؟
- لم تكن طفولتي أكثر من تدوين الحياة على ذاكرة أضحت فيما بعد المعين الأساس الذي استشف منه اصدق موضوعاتي,إنها وبحق تسجيل للصور والكلمات الواضحة والمبهمة عبر طفولة صعبة تناغمت فيها الحكايات وبشكل مضطرب تشكلت الأحجية والألعاب والتحديات.
إلا أن ذلك المتمرد الملعون الذي ظهر فيّ وصاحبني حتى الساعة كان يناصبني العداء ويفسد علي علاقاتيّ مع الآخرين,فقد فصلت من المدرسة الابتدائية لفترة أسبوع لأنني دافعت عن احد الطلبة الذي كان يجلد بالعصا واعتبرت هذا تصرفا غير إنساني،لا اعرف لماذا كنت العب دور البطل معتقدا أني املك الحلول لكبريات المعضلات حتى أسست حزبا وأنا في الرابعة عشرة من العمر وعليك أن تعرفي الآن كيف تكون هيكلية الحزب الذي نسيت اسمه ونظامه إن كان له نظاما داخليا ،المهم هكذا كان مستوى الجنون .
شكلت فرقة مسرحية وأنا في المرحلة الابتدائية وقدمنا أعمالا مسرحية بمستوى تلك المرحلة.وما أن انتهت الدراسة الابتدائية بدأت أتعرف على شخصيات مختلفة كل منهم يجرني إلى فكره الخاص حيث نشطت كثيرا الحركات الدينية والحزبية في بداية السبعينيات, واذكر منهم شخص كنت منبهرا بما يقوله لي عن الدين والخلق والتكوين إذ كانت له توجهات دينية ولكنه اعدم فيما بعد,وآخر أراد أن يضمني إلى الحزب الشيوعي واكتشفت انه فيما بعد يعمل في أجهزة الأمن.
في المرحلة المتوسطة شكلت فرقة مسرحية ثم التحقت بفرقة مسرحية تدعى ”الرفض“ ومن ثم إلى فرقة “مسرح المدينة “ حتى تلقفني معهد الفنون الجميلة..

هل تذكر اللحظة التي شددت فيها قلوع الترحال ولوحت بمناديل الوداع وسافرت إلى الأفق البعيد عن الوطن ؟ وهل نكهة الغربة اللاذعة جعلتك ترى بوضوح وتعيش حقيقتك ؟
- إنها من أصعب اللحظات التي مرت في حياتي والتي لا ولم انسها ما حييت,حيث جلست إلى جانب السائق في حافلة نقل الركاب وهي تبتلع الشارع ,اجل هكذا كنت أراقب المشهد كان الشارع يمر سريعا تحت الحافلة وشعرت حينها أن الشارع هو العراق،الذكريات، الأهل،الأحبة.وكلما تقدمت الحافلة إلى الأمام كلما قصرت المسافة بين الطفولة والحدود الفاصلة بين الوطن والغربة .
هكذا تحول الإسفلت في تلك اللحظات ... هو الصورة المثلى لسنوات العمر وتاريخ العراق وذكريات الأحبة ودموع حبيسة .
حينها فقط عرفت تماما أن الوحشة ستلفني لأني في وداع أخير وان الحافلة ستجهز على الشارع .
أما الإجابة على الجزء الثاني من السؤال فأقول : اجل لم أقف على حقيقتي إلا في المنفى لأني تواءمت مع العديد من الثقافات والجنسيات وعرفت الطرق التي يفكرون بها وان الأرض ليست مركز الكون بل هي جرم صغير ضمن هذه الأجرام الكثيرة وان الإنسان شيء لا يذكر يسكن ذلك الجرم العائم . ولا نعرف أنفسنا إلا إذا عرفنا الآخرين

مخرج وكاتب وناقد , بعد أن التقت هذه الروافد الثلاثة الرائعة وشكلت النهر الجميل , لماذا حاد المخرج المتميز عن المدار وترك مكانه ؟
- درست الإخراج في معهد الفنون الجميلة وذهبت إلى الاختصاص نفسه في كلية الفنون الجميلة ولم انم ليلة واحدة دون التفكير بإخراج عمل مسرحي أو التخطيط له . فقد أخرجت في الثمانينات والتسعينات عددا من المسرحيات ، إلا أن النقد المسرحي آخذني وشدني إليه حتى جاءت كتابة النص المسرحي والتي بها ومن خلالها صرت أنفس عن بعض المشاريع الإخراجية التي أدونها على الورق. وربما يختلف معي الكثير من الكتاب والمخرجين ، فان النص الذي اكتب هو ابن للمسرح وليس نصا أدبيا . هو قريب لسيناريو العرض المسرحي , وهنا يمكنني القول إن الكتابة إلى المسرح غاية في الصعوبة , والصعوبة تكمن في القدرة على فهم العلاقات المترامية الأطراف في هذا الفن , فإننا نقرأ ونسمع كثيرا عن أزمة النص المسرحي والمقصود هنا ليس النص الأدبي , فهو متوفر وبغزارة بل ذلك النص الذي يولد على خشبة المسرح من أب مسرحي يعرف كيف وأين يضع كلماته أو يحرك شخصياته لأنه لابد أن يكون قد درس أو اطلع بشكل عميق على الآليات الأخرى لذلك الفن كالديكور والأزياء والإخراج والإضاءة. والاهم من كل هذا ماهية العلاقة بين الممثل والمتلقي ومعرفة تلك المسافة بين الباث والمبثوث إليه . اجل إنها علاقات متشابكة تنتصب كلها في لحظة الكتابة , وبهذا يمكننا القول بان جميع هذه العناصر هي الرحم الذي سينمو داخله ذلك الشيء الذي نسميه “ العرض المسرحي “ .
وهكذا ومع كل نص اكتبه اشعر أني سأخرجه ذات يوم, بل أحيانا اكتب نصا إخراجيا موازيا للنص الذي اكتب , فانا أميل إلى العروض الشاملة التي يكون فيها الممثل جزءا من ذلك العرض وليس الكل مثلما فعلت في مسرحية “ الاستثناء والقاعدة “ لبرتولد برشت ومسرحية “ حكاية الدمى في سوق هرج “ التي كان فيها الديكور بطلا والإضاءة والأغنية والممثل أيضا الجميع أبطال إذ مثل فيها أكثر من أربعين ممثل وممثلة . وربما يكون هذا عائقا آخر لما أفكر فيه أو عذرا اختفي خلفه .

لماذا تنطلق من معاناتك الشخصية في تأليف نصوصك المسرحية ونحت شخصياتها بيد أن الفنان عامة ذات منخرطة في سياقها التاريخي والاجتماعي ؟
- سأجتزىء المقطع الأخير من سؤالك “ الفنان عامة ذات منخرطة في سياقها التاريخي والاجتماعي “ .
انه ملخص الجواب على سؤالك ويختصر الرد الذي قد يطول وان كان علي أن أضيف شيئا , أقول : “ ما الإنسان إلا مجموع مدركاته “ هذا أنا وتلك أنت ومثلما كونت سؤالك وركبت مفرداته وصياغته وانطلقت من فكرة ما في داخلك تقول باني انطلق من معاناتي الشخصية . أنا أيضا اكتب بالطريقة التي عرفتها وتعلمتها في هذه الحياة فقد كتبت عن الموت والمقابر لأني ومنذ طفولتي شاهدت الكثير من هذه المشاهد وكتبت عن الغياب والانتظار فانا وأبناء جيلي ظللنا ننتظر وننتظر .
فكيف لي أن اكتب غير ما أنا , وان كنت تعنين التدخل في مواقف شخصياتي فهذا أمر آخر يمكن مناقشته في وقت آخر إلى وقفات نقدية حقيقية في متون النصوص والتعرف على الشخصيات... ماهيتها ولماذا اتخذت هذا الموقف ولم تتخذ ذاك .

أول نص مسرحي صدر لك بعنوان “ للروح نوافذ أخرى “ نص متدفق يمنح المتلقي ما كفت اللغة المألوفة عن منحه , ويفيض بما خلف ذلك من عوالم الخفاء بشخصيات تشكلت بواقعية الحلم والاستبطان . لماذا حبست كل مسافات الزمان والمكان وقذفت بالشخصيات إلى اللا مركز واللا حدود واللا ارض ؟ وقررت للمتلقي أن يظل في حال خلط بين هذه العوالم ؟
- أولا اقدر لك قراءتك المتعمقة لماهية النص وما جاء فيها واقع السؤال وما عملت عليه بالفعل فليس هنالك شخصية من الشخصيات التي كتبتها لها حدود أو مركز وبالفعل تختلط الأزمنة والأمكنة .
يبدو أنها مشكلتي... هكذا أرى الحياة إنها عوالم متشظية فانا يحدني من الشرق الموت ومن الغرب الخوف ومن الشمال الهزائم ومن الجنوب الآمال المحطمة وبهذه المعاني تعوم الشخصيات التي تصاحبني أو تدفعني لكتابتها , فموتها ممزوجا بالهزائم والخوف ولهذا فهو ليس موتا مألوفا انه الحياة المنخورة من الداخل لذا فأنك تجدين أبطال مسرحياتي قد ابتعدوا عن الخطابية والشعارات التي تهتف بحياة الشعوب .
هذه ليست نظرة متشائمة للحياة بل هي هكذا . وأنا أجيب على هذا السؤال يجول بخاطري سيناريو كنت قد أنجزته قبل أيام تدور أحداثة عن رجل يستيقظ فيجد جثته نائمة إلى جانبه , فيقرر التخلص منها ولكن كيف ؟
إننا نحمل على ظهورنا نعوشنا ونطوف بها كل يوم في الأزقة والطرقات ومنا من تسلم بلاغا بالساعة التي فيها ينزل جثته من على كتفه ليوريها التراب وآخر من لم يعرف بعد .
أليست هذه الحقيقة وما علينا إلا أن نشغل هذا الوقت بين أن ندفن جثماننا وبين حساب المسافات لما يسمى بالحياة والموت .

الواضح انك تناضل من اجل إحياء مفهوم الحرية الإنسانية انطلاقا من تأسيسك لرؤية مجازية تنهض على الاستعارة والرمز . هل استطعت خلق عالم مسرحي حر؟
- من الصعب الإجابة على هذا السؤال بل يترك لمن يحب قراءة النصوص المسرحية ومعرفة الخطوط التي سارت عليها .
وفي ما يتعلق بالاستعارة والرمز اجدهما الأساس في المنظور الفني , فانا اكره المباشرة والكلمة الصريحة والصورة الساذجة ولا اعني التعميم أو اللف والدوران بل يجب تحميل الكلمة ثقل الصورة والصورة غزارة الكلمات وهذا الأمر ليس له علاقة بالخوف من السلطة أو الرقيب انه اشتغال على الدلالة الذكية التي تتشظى كلما نضع يدنا على جزء منها .

مشروعك المسرحي ذو توجه نخبوي . ألا تخشى من هجر المتلقي ؟ ثم ما جدوى مسرح لا يلامس الواقع ؟
-
ماذا يعني الواقع ؟ إنها كلمة مهلهله , هل يعني التبسيط والتسطيح , أو القراءة الأحادية هي المحاكاة التي تمس الواقع أم التعامل مع المنجز الفني الإبداعي باعتباره انعكاسا وجدانيا لهذا الواقع أو هو هذا وذاك . أنا اكتب كما أنا حين اشرع بكتابة نص فلا أفكر بشيء سوى الآلية التي سيخرج بها هذا النص والهيئة التي سيتشكل عليها , كيف سيصل فهذه ليست مسؤوليتي ولا أريد أن أجادل هذه الجزئية , اجل أتمنى أن يشاهد الجمهور أو يقرأ النص الذي أقدم , وما ستكون النتائج فيما بعد فهي ليست من ضمن المنطقة التي علي العمل فيها .

ذكرت أن التأليف المسرحي يجعلك تعقد علاقات طيبة مع شخصيات تلعب أمامك على الورق . والنقد ماذا يعني لك؟
-
النقد علمني الشيء الكثير منحني عين كبيرة واسعة تعمل بالتعاون مع الدماغ الذي تدرب على التقاط الكثير من الصور وإيداعها في المختبر , ليقوم بعد ذلك بتحليلها وفرزها ومن ثم يصدر الأحكام, ففي الكثير من الأحيان حين اخرج من عرض مسرحي ينتابني الصمت ولا أحب الحديث مع الآخرين وكأني لا املك أي تصور أو شيئا أقوله , لأنني احتاج إلى وقت أستطيع فيه عقد جلسات مع نفسي من اجل إصدار أحكام صائبة مدروسة خالية من العاطفة ومتخلصة من الادلجة والأطر الثابتة ومن هذا المنطلق صرت احسب خطواتي ولا أتسرع دائما بإطلاق الأحكام واكره القول : ان هذا جميل وذاك قبيح وهذا ابيض وذاك اسود, لأنني إذا أخذت الوقت الكافي سأرى حتما المنطقة الرمادية التي كانت مختفية في الظل .
وقد انسحب هذا على كتابة النص المسرحي فانا لا اكتب كثيرا ويتعبني كثيرا النص المسرحي وتنتابني حالات كثيرة من الألم والاكتتاب لأني وبالفعل كما قلت في السابق أتعايش مع الشخصيات التي أدونها على الورق واشعر أنها تتابعني أو اتابعها حتى انتهي من آخر كلمة , عندها أكون قد تحررت جزئيا لأدخل في شرك شخصيات أخرى قد خططت لأسري من قبل .

ما هو تعريفك لفنان ومسرح المنفى ؟
- الفنان في المنفى هو مثل شجرة تلاطمها الريح , وله الرغبة في أن يكون , ولكن الحواجز كثر والاختراق ليس سهلا انه بين نارين : نار متقدة اسمها الوطن وأخرى اسمها الغربة ولا احد يعرف الغربة إلا من تغرب بالفعل .
وما يسمى بمسرح المنفى يمكنني القول هناك تجارب هامة لشخصيات أثبتت أهميتها في منفاها وأكدت حضورها خارج حدود الوطن .

هل لك تصور أو قراءة لمستقبل المسرح سوف تساهم بها في المشروع الثقافي للعراق الجديد ؟
- اجل فانا عضو مؤسس للبرلمان الثقافي العراقي في هولندا وقد قدم البرلمان العديد من المشاريع والمقترحات التي يمكنها أن تدفع المسرح العراقي إلى الأمام , وهذا أمل ربما يتحقق .

المسرح الغربي كان له الأثر في التكوين الشخصي والفكري للفرد الغربي ولكن مسرحنا العربي لم يكن له هذا الأثر برأيك أين يكمن الخلل في المسرح أم المتلقي ؟
- الإجابة على هذا السؤال قد تطول فعلينا أولا دراسة البنية الاجتماعية للمجتمع العربي والغربي ومعرفة أهم وسائل الثقافة إليه وما هي المصادر التي اعتمدها عبر القرون .
المجتمع العربي ثقافته شفاهية , والشعر لعب دورا فعالا في الحياة العربية ولم يدخل المسرح إلا في وقت متأخر واعني هنا مسرح العلبة الذي هو على شاكلة المسرح الغربي فقد يقول قائل إن لدينا مظاهر مسرحية وهذا ليس مجال البحث الآن .
المشكلة لا تكمن لا في المسرح ولا في المتلقي وإنما في الآلية التي نسج عليها مجتمعنا العربي , وما هي الروافد التي استقى منها ثقافته الاجتماعية والسياسية .

تحتل قضايا المرأة مساحة واسعة ومهمة من حيث تعدد أساليب الطرح والمقاربة في كل الانتاجات المسرحية.المخرج والناقد والمؤلف قاسم مطرود كيف يتعامل مع المرأة ؟
- إذا كان السؤال يعني المرأة بمنظورها العام , فهي الرحم الذي قذفنا إلى هذا العالم والدفء الذي يحتضننا ويوقظ فينا أجمل الصباحات .
أما دورها في المسرح فالأمر مختلف هنا إذ أنها في غالب الأحيان تكون الوعاء الأكبر لتحمل وخزن المأساة , هي التي يقع عليها انتظار الغائب وفجيعة فراق الأحبة وفقدان الذاكرة والسكن إلى جوار القبور عسى أن ينهض الموتى ثانية وتعاد الحياة , هي التي تلوك الخبز طعم الحزن وقسوة الحياة , المرأة في المسرح أو بمعنى آخر في النصوص التي كتبتها قد جار عليها الدهر .

كيف جاءتك فكرة انشاء موقع الكتروني يلتقي من خلاله المسرحيون العرب ؟
- منذ أكثر من عشرين عاما وأنا احلم بجمع النصوص المسرحية على وجه الخصوص , وقد كتب الكثير عن أزمة النص أو اختفاء الدراسات التي تناولت هموم المسرح , كما قيل الكثير عن أزمة النقد المسرحي .
لذا أرى وفي هذه المرحلة بالخصوص أن نجمع اغلب ما كتب أو ما سيكتب في مكان واحد , لكي يتسنى للدارسين والمعنيين الوقوف على الدور الذي لعبه المسرح في بيان الوعي السياسي والثقافي وما هي المراحل التي مر بها ، إلا أن الكلمة في المسرح تستطيع وبكل الأزمنة أن تجعل الشمس إضاءة تنير الوجه الآخر للمعنى .

 

 

free web counter