الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

                                                                                        الأحد 22/5/ 2011

 

حوار مع الكاتب النصير حمودي عبد محسن

فيصل الفؤادي

التقينا قبل ثلاثين عاما في جبال كردستان للمرة الأولى التي جمعت مقاتلين في نضال محدد هو إسقاط الدكتاتورية ، نضال واضح الأهداف ، وكنا نضع أرواحنا رهن الموت في أية لحظة ونحن نضع البندقية على أكتافنا مؤمنين بأن قضيتنا ستنتصر ، وقد انتصرت ... وسقط الصنم الدكتاتور الذي استعبد شعبه وحكمه بالقمع والإرهاب والحروب ، ها نحن نلتقي مرة أخرى في دول اللجوء بعد أعوام النضال المشترك حيث اللقاء بالكاتب الذي رهن حياته للموت سواء في عمليات الأنصار العسكرية أو النضال السري أو المظاهرات أو انتفاضة آذار التي هددت أركان النظام ، هو نفسه حمودي عبد محسن المفعم حبا لوطنه العراق ، المحب لرفاقه الأنصار والخير والعدالة والسلام ، ذلك جسده في النضال الطويل المرير ، هو نفسه الذي التقيت به في كردستان والتي قضى فيها 12 سنة من زهرة شبابه ، نفسه ابن مدينة العلم والمعرفة والاجتهاد التي خرجت مدارسها فطاحل الشعر العربي كالجواهري والحبوبي والصافي النجفي ، ورواد القصة كالخليلي ، حمودي الذي تتلمذ وتعلم في هذه المدينة مفجرة ثورة العشرين ، وقد درس في كلية الفقه ثلاثة سنوات ، وتركها ، وغادرها ليدرس الجيولوجيا في كييف ، ثم رفض أن يواصل دراسته في المعاهد العليا رغم طلب أستاذه الأوكراني منه، لأنه أراد أن يلتحق بركب مسيرة النضال في كردستان ، فالتحق برفاقه رافعي علم الحرية عام 1980 .

اليوم نلتقي في استوكهولم التي أحبها حمودي ، وهو دائما يردد : لي ذكريات جميلة في هذه المدينة الجميلة ، ما هي الذكريات ؟! لا أعرف ، ولم يصرح عنها بشيء سوى أن يخفض رأسه إلى الأرض ، ويبحر بنظرة عميقة كأنه يجتث منها شيئا خفيا . ليس سهلا أن تحاور كاتبا يحمل أفكار وآراء عميقة في الأدب والفلسفة والسياسة خاصة وقد عاش نصف حياته خارج وطنه وبعيدا عن أهله . هذا الكاتب يحمل أيضا تجربة نضالية كبيرة ، وكذلك تجربة حياتية متنوعة ,واخيرا استقر في مدينة صغيرة في السويد ليواصل الإبداع الذي يميزه عن الآخرين بلغته القوية العميقة المتأثرة بلغة القرآن ونهج البلاغة والجاحظ والشعائر الدينية والموروث الشعبي , فعندما تقرأ له نصا تقول هذه لغة حمودي ، وهو دائما يكرر : أن لكل كاتب يجب أن تكون له لغته الخاصة . أجل ، وهذا ما نجده في الروايات الأربعة التي أصدرها : الدفان والغجرية ، حكاية من النجف ، المزمار ، حورية بحيرة البلوط ، وعدة مجموعات قصصية منها : تنبؤات كاسندرا ، فتاة البجع ، وكذلك في الشعر : أفياء وليل طويل ، الإله تموز ، ومذكرات عن الأنصار : عند قمم الجبال ، وأخيرا في النقد الأدبي : خواطر نقدية , فلغة حمودي ليست سهلة وأحيانا يكتب بلغة تتحدث عن أشياء متشابكة متعارضة كأنها تجسد مغامرات فكرية ذات تفاصيل متنوعة إذ أن مفرداتها اللغوية مجازية تتعامل مع رصيده من التراث والفكر والفلسفة .... كان لنا هذا اللقاء مع المبدع حمودي عبد محسن في المدينة التي يحبها :



الأمكنة متنوعة في روايتك ، لقد كتبت رواية الدفان والغجرية ، ورواية حكاية من النجف اللتين حيزهما مدينة النجف ، وكتبت رواية المزمار التي حيزها مدينة عانة القديمة ، وكذلك كتبت رواية حورية بحيرة البلوط التي حيزها مدينة سويدية تعيش فيها الآن ، ما هو تأثير المكان عليك ؟!
- المكان هو حركة شخصيات الرواية وتأثرها به وترابط إحساسها الوجودي فيه ، هذه الشخصيات تتآلف العيش فيما بينها وبين مؤثرات البيئة التي تنشأ ذاتها تاريخيا وثقافيا وسياسيا ، لذلك على الروائي أن تكون له معرفة شاملة في المكان وكيف يستطيع أن يحرك هذه الشخصيات في لوحة المكان لتعكس واقع إحساسها بالوجود ، وبوحدة الحياة ، فهو ليس فقط كأثر وإنما مودة العيش والعاطفة والأخلاق المؤثرة التي تتجلى متوحدة ومتناقضة ومحسوسة أو متنافرة بمستويات مختلفة ، وقد تشكل عوالم متعددة في ذات المكان ، فرواية الدفان والغجرية ورواية حكاية من النجف اللتين مكانهما مدينتي التي تعلقت بأزقتها الضيقة ، وسراديب السن ، ومرقد الإمام علي الذي صحنه يأوي ابتهالات المصلين وعزاءات الشهيد الإمام الحسين ومودعي الجنائز ، وكذلك سجع الحمام وهدهدة الهدهد ، ورفرفة السنون الذي ما ينفك يزور وادي السلام الذي يحتضن رمله القبور ، تلك شواهدها مطرزة بأبيات الشعر ، إذن كل المواضع الممتلئة بشر وطيور دارت فيها الأحداث لتكون مميزة خاصة في هذه المدينة الكامنة بأسرارها في طرازها الخاص الذي لا يشه مدينة أخرى ، لها عاداتها وألغازها وشعائرها وتقاليدها .لقد أجرت المكتبة الدولية في ستوكهولم مطالعة جيدة عن رواية حكاية من النجف ، والشيء الملفت للانتباه إنها وضعتها من الروايات المختارة للقراءة . أما رواية المزمار فعالمها آخر ، تلك الواحة الجميلة ببساتين نخيلها ، وجزرها التي تطرز الفرات ، والتي تحيط بها البرية كانت عندي أشبه بأرض دلمون أثناء بزوغ الفجر وأثناء حمرة الغروب ، حين دق أبوابها المطر ، وحين تهدر نواعيرها بأغاني الصباح والمساء ، هكذا كتبت أيضا رواية بحيرة البلوط التي ترجمت إلى اللغة السويدية لتكون البحيرة والغابة حيزا الأحداث وحركة الشخصيات سواء في الربيع الممطر أو أثاء سقوط الثلوج .

لقد كنت مقاتلا في كردستان جنبا إلى جنب مع رفاقك الأنصار تحاربون الدكتاتورية ، حدثنا عن معاناة المقاتل في تلك الظروف الصعبة خاصا وقد أصدرت نصا بعنوان ـ عند قمم الجبال ـ
- حركة الأنصار هي الحركة الوحيدة التي جمعت كل الانتماءات العراقية سواء كانت دينية أو قومية ، ذات طابع ديمقراطي ، فأهدافها كانت محددة لإسقاط الدكتاتورية وإقامة المجتمع العادل المتحرر من الظلم واستبداد السلطة ، هذه الحركة لها أخلاقها الثورية إذ لا يمكن أن يلغى النضال العنيف إطلاقا في مواجهة دكتاتورية شرسة بالرغم من أن ذلك لا يلغي أشكال النضال الأخرى أيضا ، وهذا ما حدث لاحقا في انتفاضة 1991 ليضيف صحة التحليل من أن الجماهير المنتفظة قامت لتحطم مؤسسات الأجهزة القمعية . أعتقد أن التاريخ أنصف هذه الحركة ، فلم تستطع أية حركة أخرى أن تجمع العراقيين مثلما جمعتهم حركة الأنصار رغم التضحيات ففيها الشهيد العربي ، والكردي المسلم ، والكردي الأيزيدي ، والمسيحي الكلداني والأشوري ، وفيها أيضا الشهيد التركماني المسلم ، والأرمني المسيحي ، والصابئي ، حركة فيها التنوع والاختلاف والتوحد في قضية عادلة وهي محاربة الظلم ، رغم تفوق الدكتاتورية بالعدد والسلاح ، وأنت أيضا تعرف أن أول ما جربت الدكتاتورية سلاحها الكيمياوي كان فوق رؤوس الأنصار ، وهذا لم يفعله دكتاتور آخر في التاريخ أن يقصف أبناء شعبه بقنابل وصواريخ كيمياوية ، وقد جسدت بشكل خاص معاناة المقاتل في المفارز القتالية في نص ـ عند قمم الجبال ـ إضافة إلى التركيز على طبيعة الشخصية الكردية وأدائه للفلكلور والمناسبات ، وجمال الطبيعة بجبالها ووديانها وسهولها .

كتبت عدة مجموعات قصصية ، ما الذي يجذبك في كتابة القصة القصيرة ؟
-
إن الحدث الصغير أو اللقطة أو المشهد التي تؤثر في ذهني والتي تدهشني أو تبهرني تجعلني أتعلق بها بطريقة محسوسة ذكية مما يحدو بي أن أجسدها بصيغة تشبه اللمحة كشاهد عيان فالقصة هي انعكاس لذوق العصر الذي يعيشه القاص ولذلك يقال عن القاص إنه قاص عصره ، وهذا لا يعني أن القاص لا يمكنه أن يصيغ الأشياء خارج عصره ... لا ... لأن إطلاق المخيلة غلى الأزمنة القديمة والتاريخ والأسطورة شيء مهم ، فالقاص يعيد الحدث برؤيا أخرى ، ويبلوره في قصة كما في عشرات القصص التي كتبتها ، ومنها : الثور السماوي ، عنخ توت آمون ، برج بابل ، حمامة نوح ...الخ ، وقد يستطيع القاص أن يوحد بين الماضي وعالمه المعاصر ، ولا ننفي أيضا الغرابة في القصة القصيرة لتدمج بي المنطق والامنطق ، وفيما وراء الطبيعة ، أو الحلم أو الرؤيا ، فالقصة القصيرة جنس أدبي فيه الروعة والانتعاش والعقول والامعقول ، فلا اعتقد أن هناك قواعد للقصة القصيرة ، ولا أعتقد أن القصة القصيرة قد انتهت ، وازدهرت الرواية ، فالقصة القصيرة ما زالت تحمل نوعها الجميل المؤثر في الأدب .

أصدرت ملحمة شعرية ـ الإله تموز ، ثم ديوان شعر ـ أفياء وليل طويل ـ وقد وظفت أسطورة وادي الرافدين ، هل للأسطورة حيز كبير في إبداعك ؟
- إن الخراب الذي يعم بلادنا العراق شيء غير معقول ، إنه يسير بوتيرة سريعة ، ولا أدري كيف سوف يستقبل أبناء شعبنا هذه السنة حر تموز ... لا أريد أن أتحدث عن هذا الخراب ، وعندما أقرأ ـ أرض اليباب ـ أضحك حتى تقطر عيناي الدموع ... أصدرت ـ الإله تموز ـ في عام 2006 فما بالك ونحن الآن نعيش في عام 2011 ، أقصد في ذلك دخول البلاد في مجرى مروع بالمخاطر لتقسيم البلاد سواء كان ذك من اندماج المخطط الأمريكي الإيراني أو بأيدي عراقية حرامية الذين أسميتهم قادة الخراب ، هذا حديث مؤلم قد يتسع ويطول ... استطعت في الملحمة أن أدمج أسطورة وادي الرافدين لتكون متفاعلة مع هذا الزمان ، وأخلق لها أبطالا جدد في تكوين ملحمي إي إعادة التجانس بين ما هو قديم وحاضر كدلالة للواقع ، هذه الجدلية التاريخية بنزاعاتها وتناقضاتها لا تهدم الأسطورة وإنما تتهيكل في الخيال الشعري عبر تقنيات أصيلة لتصنع في قالب ملحمي :

تموز ... تموز ... أتراني ؟!
أنا بغداد هرمة ... متعبة
بائسة
محمولة على عربة في ليل مقمر
يجرها ملاك شيطاني في الشوارع
إذ أتخمتني الدماء
والدموع في انهمار
أتراني : رمادية في وشاح
طيف جارح
تقاسيم ممزقة
لا تشبه شيئا آخر

اللغة سحرية في نصوصك ، وربما ـ صعبة للقارئ في أدبك ، ماذا تعني لك اللغة في إبداعك ؟
-
عندما كنت صغيرا عشقت لغة القرآن الكريم التي نتحدث بها ، وهنا من يقول إنها لغة الجنة ولغة آدم ولغة الخلق الأول ، نعم كنت مغرما بلغة القرآن الكريم ، أنتعش بحلاوتها ونغمتها البلاغية وأتوشح ببديع آياتها وحسن ترديدها ، فكنت أقضي وقتا طويلا في تجويد آيات من القرآن الكريم ، وكذلك عندما دخلت كلية الفقه لم تفارقني ألفية بن مالك ، ولم تفارقني كتب البلاغة والمنطق فكانت الجمل وتفاسير الكلام والإعجاز من محبتي فاللغة تتجلى لي في قوتها التعبيرية ودلالتها الأصيلة الفعالة ، وقد تآلفت معها ألفة حميمة ، أما ما أبتغيه في النص وأنا أتعامل مع لغة التراث والتاريخ أن أخرج نصا جميلا يوحد المضمون والشكل في بنية جمالية حسية تقدم للقارئ ليتجلى في ذوقه الرفيع .

آخر كتاب صدر لك عام 2011 هو ـ خواطر في النقد ـ ماذا تتحدث في هذا الكتاب ، وهل هناك مشروع لنتاجات إبداعية جديدة ؟
-
الكتاب يتناول رؤية نقدية لمؤلفين عراقيين في القصة والرواية والشعر متناولا نصوصهم التي حصلت عليها كإهداء منهم ، ولا يسعني إلا أن أعبر في هذا اللقاء عن شكري لهم راجيا دوام الصحة والعافية لهم ، ومواصلة الإبداع الجميل ، وأيضا يتناول الكتاب نقدا لديوان الشاعرة اللبنانية فيوليت ، وكذلك عبرت في الكتاب عن وجهة نظري حول بعض المفاهيم الإنسانية ، أما ما يخص سؤالك الآخر ، فأقول : نعم ، سأنتهي في هذه السنة من كتابة رواية . شكرا لك على هذا اللقاء .

نشكرك ونتمنى لك مزيدا من الابداع .


22 أيار 2011







 

free web counter