الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الجمعة 20/1/ 2012

 

من أشعل الحرائق في حروفها الصامتة؟ الشاعرة وفاء الربيعي قد تكشف عنه!

وجدان عبدالعزيز

الحلــم ذلك العالم الذي نرقص في أجوائه سعادة ، ونجد ضالتنا في الالتذاذ في الحب وعسل المذاق، لذا نحترق بينما حروفنا شبه لنا إنها صامتة ، و هي تترجم إرهاصاتنا وتحاول أن تكشف عن خفايــا أنفسنا ، الا أنها تلوذ بحياء مشاعرنا وهي تحاول البوح في الساعات التي تهدأ بها الأصوات وتكتمل فيها دورة القلب كحلقة للرقص والعذوبة ، ويكون رذاذ الشعر وهو يتساقط على خصلات الشعر المتوسلة والتي تمازح الجبهة والخدود ، ينزل هذا الرذاذ ساكنا هادئـا على صمت الحروف فيعطيها دفق الحياة ، حتى إذا كشف عن أستار الألم وفتح نوافذ اللوعة بدأ الاحتراق يمازح بانفعال دوائر الحرائق الأخرى ، من هنا تنسل الشاعرة وفاء الربيعي وهي تحمل بريق العينين والعشق المضيء كطريق للحب ، تتحلق حول الهم المتوهج الذي ينفتح عند همتها في طريق تلتقي فيه كلكامش باحثا عن عشبة الخلود ، وهي تخاطبه كصدى معطر بالأسحار ، مضطجعا على سرير النجوم متصلا بالبراءة حيث تقول :

( يوقظني صوت كلكامش
وهو يسأل الطرقات
عن عشبته
أنظم إليه
لأبحث عنه
)

من هذا الذي تبحث عنه وهو يسكن في عشبة الخلود ؟ إذن هو الحب الذي أشعل الحرائق في حروفها الصامتة وجعلها إنسانة تبحث عن الجمال ينتابه التوتـر في بحثها هذا ! فهل أن الجمال يكمن في الحب والنقاء أم في العلاقات الملونة بسنوات العمــر فـ ( على راح أمس / تتساقط الألوان / أوراق عمري ) ثم أنها تقول :

( حاورته
حاورني
ما زال الشتاء
ما زال الخريف
أطير وحدي
على هــواء شرقي
)

اذن هي في حوار دائم ، ورغم هذا بقيت وحيدة مستمرة في بحثها عن الجمال وضجيج الحياة ، لأنها تخاف الصمت ، تخاف الموت ، لذا تقول ( طلع الصباح ) ثم تتلاقفها التوترات وحالة الإحباط خاصة بعدما تتعمق في قصيدة (طلع الصباح) حيث تقول :

( نبدأ من جديد
نرفض ما يطبخ لنا
نرفض بكل اللغات
أن تجــر حقوقنا
بحبال طائفية
)

وهذه صرخة تطلقها الشاعرة الربيعـي في محيطها العراقي الذي يتطلع دوما لبناء دولته المدنية بعيدا عن قاذورات الأنفس المريضة ، لأن ( للفرح صوتا ) في رؤيتها الجمالية للدولة العراقية الحديثة فالعاشق الذي

( يحط
على ساحل الصباح
يعزف على أنفاسي
تتدفق البحار في لهفة الروح
لظى شوق وصدق بوح
يتفتح بها الوجدان
ويحلق ، يحلق ، يحلق بنا
على فضاء لا يعرف المستقــر
)

وبهذا خلطت بين الهم الذاتي والهـم الموضوعي بين وحدتها كامرأة مغتربة تتلهف للألفة والدفء وبين الوطن الذي يعني لها الحبيب ، كي يعوضها سنين الوحدة والجدب وأيضا تتمزق بين العشق الصوفي لهذا العراق وامني ان يكون بلدا حرا مثلما كان سابقا وهو سيعطي معنى الخلود للإنسانية ويهبها لغة حوار الآخر بين كلكامش وانكيدو وان تكون جزءا منه وبين ان تكون في سفن هائجة أي انها تركب موجة الرحيل .. تقول :

هناك أرى سفينة وحيدة
في بحــر تعوم
تلاقي الريح
لعلها ترسو على بـر
يأتي بالخلاص
لعيون الأطفال
أمل كان في انتظار

وهنا يتوضح قلقها جليا كسفينة في لجة بحر متلاطم ثم تنتظر حتى تنجلي لها ( لوحة لم تكتمل ) ( هامت بها قصائد عاشق / يتلظى شوقا / بجسد عار تنبض مسافته / يشتهيه نهر يعوم فيه / مرفأ ترسو سفنه فيه / لوحة كادت معالمها تكتمل لو أن المارد لم يعبث ) وتستمر الشاعرة في ( مؤشر مهم خلاصته أن الشعر كينونة لغوية مهما حاولنا استلاب لغويتها بتحويلها إلى كينونة مرئية فهو لن يستقر أو يكتفي بهذه الكينونة الجديدة ، في حين انه يمكن أن يكتفي بكينونته الأم ، فيكون نصا مسموعا ) ، فهي تارة ترسم بألوان فاتحة وتعني التفاؤل وأخرى بألوان معتمة وتعني الحزن تقول في قصيدة رسالة :

( مرة ايقظني نقر
على خلوتي ...
رسالة مستعجلة
تدعوني لمساء
بالفرح يستضيء
وبرائحة القهوة المهيلة
يتعطــر
)

ثم تربطه ( أين أنتم أيها الغائبون ) وهذا التساؤل يظهر الحيرة وهي في حلم ما تسمع فيه سوى صوتها التائه (يطرق نوافذا /ستائرها معتمة) وهنا لم تجد بد في مخاطبة كلماتها بـ(حروف صامتة) ، لانها هنا وكما أسلفنا نهب لثنائيات متوترة ، فمثلا ابتدءا من عنونة الديوان نزولا عند المتون تقول :

(أيتها الكلمات
بحروفك
اسكني بقاع القلب
وابحثي
عن لفظ محاصر
في قاموسك
اين اسكنوه؟
تُرى
)

فهي ذات رؤية منشطرة بين تمجيد الصمت وبين تحميل حروفها طاقة من الاصوات ، كون حروفها وكلماتها هي الملاذ لها ولقلبها الامان ، لان (بين الكلمات والحروف الضوء والشعر) الذي يعطيها قوة رمزت لها بحروف مبعثرة (ح ، ص ، ا ، ن) ثم (تغمض عينيها / بعطر مكان .. / فاح في الذاكرة) فصوتها القلق وكلماتها بحروف صامتة يعبران عن انين الغربة وفراق الديار وايضا وحشة الوحدة وغياب الحبيب لذا فالحروف تحترق و(بين هنا وهناك) (عاشق يبحث / في كتاب الحب) وهنا تتوضح رؤى الشاعرة الربيعي وتنفتح على كتاب الحب كي تخاطب الآخر:

(يا للهاثك متى يهدأ ؟
دعيني أخيط لك
أرجوحة للسكينة
يا امرأة تختزل البوح
بنظرة من عينيها
احملي الغربة نعشا وعودي
)

فتكاد ان تكون قصائدها لوحات تشكيلية وسريالية تنأى عن الواقع بتجرد ، لولا ان حمولات المعاني عكست واقعية الشاعرة ، هذا حينما نركز قراءاتنا ونكرر محاولاتنا مع نصوصها ، فبين نون النسوة وشوشة الشعر تحاول تأصيل تجربتها في تحريك صمت الحروف ، ليصبح هذا الصمت ثورة تحرق كل ما هو قبيح ....

 

- كتاب (تداخل الفنون في القصيدة العراقية الحديثة) د. كريم شغيدل / دار الشؤون الثقافية العامة ط1 2007م ص18ـ19
- ديوان (حرائق لحروفي الصامتة) للشاعرة وفاء الربيعي ط1 2011م دار الشجرة للنشر والتوزيع


 

free web counter