الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الأربعاء 18/11/ 2009

 

مملكة الكرستال ومسرح سلام الصكر الفقير

صلاح خضير - لوند

في زمن تراجعت فيه مؤسسات المسرح وتدني الأعمال المسرحية إلا ما ندر من إبداعات، ومبدعين متناثرين في بلدان المنافي ، وصراع غير متكافئ بين من يحمل هموم الإنسان وتطلعاته نحو مستقبل أفضل ومن يريد أن يجعل من المسرح سلعة تجارية سيئة الجودة للثراء. يتأبط سلام الصكر مسرحه الفقير ويهيم في مدن العراق وبين صخور جبال كردستان ووديانها و مدن عربية وبلدان غريبة عنه، ليعلن انه لن يخرج من مسرحه مهما تكن ألإغراءات،ويصر على مسرحه الفقير ويسخر من شحت الدعم فيخضع أعماله المسرحية إلى الممكن..

فمسرح سلام الصكر الفقير بأدواته التكنيكية غني بالقيم الفنية والفكرية ،فهو لم يحرك فينا في جميع أعماله الغرائز ولا يفاخر بنجوم أو يعمد إلى الديكورات الضخمة والملابس المزركشة ..ولا يلفق المواضيع التي يطرحها ...ولم يعدنا يوما بضحك متواصل ،ويريد دائما أن يحيا مع مسرحه وحياته الإنسانية على بساطتها . منذ بداية السبعينيات وسلام الصكر يفجر الجديد بعد تألق جواكان موريتا ومصرعه ... يطلق نداءاته الإنسانية يهمس فينا بالحب والتواصل بين الناس في أرجاء المعمورة . عودنا بأعماله على اللا مألوف خصوصا قدرته على إحضار الموتى كما فعل في مسرحية ( تذكروا إنهم يلعبون ) حينما احضر أطفال قتلى لحرب عبثية يلعبون بعد أن يخرجهم من قبورهم . كما قدم للنواب وسعدي يوسف والكثير من الأعمال ... وها هو عمله الجديد مملكة الكرستال يحضر الباحثة عن الثقافة من برادات الطب العدلي والمصور من حاوية النفايات اللذان قتلا بطريقتين مختلفتين فهي اثر انفجار في شارع المتنبي وهو تقتله المليشيات الظلامية . لقد امسك الصكر في مسرحيته هذه بالعلاقة الإنسانية الملتبسة بواقع العنف والموت والغربة والاغتراب واضعا بصماته الفنية وفكره الإنساني وبقي محتفظا بالصراع يواجه كل ما هو قبيح وشرير في هذا الكون الواسع ليهمس لنا أن سعادة الإنسان لا بديل عنها والمستقبل للحب .

فيرى المتتبع أن الشخصيات التي استحضرها من برادات الطب العدلي وحاوية النفايات والتي اتخذ معد المسرحية حيدر أبو حيدر من قصيدة عبدائيل للشاعر موفق محمد وسيلة لعرض نماذج إنسانية في جو واقعي ليس فيه توتر المسرح أو الاختبارات الصارمة للمسرح وحواراته النموذجية ، وإنما تنطلق من الشخصيات بعفوية وأحيانا بما هو غريب عن الموقف ...ولا اشك بان المعد حيدر أبو حيدر قصد ذلك عن عمد لينفذ ما يدور في نفوس شخصياته من خلال أعمالهم وحياتهم العادية .وقد أرى انه قد نجح في ذلك إلى حد كبير وجاءت الشخصيات معبره عن موقف الإنسان من الإرهاب والقتل والدمار ، وما تحن إليه البشرية من حياة كريمة سعيدة أمنه.

لقد انسجم سلام الصكر وحيدر أبو حيدر في جعل الحوارات على شكل ومضات تحتاج إلى متلقي سريع البديهة حاضر الذهن في المسرحية فأبعدوا المسرحية من الحشو الحواري الذي يرهل العمل ويبطئ من إيقاعه واستعاض المخرج عنه بقدرات المبدعين الفنانين نضال عبد الكريم وحيدر أبو حيدر بأدوات الممثل المتمكن من مرونة الحركة والصوت و الإبداع الفني .واللذان أعطيا إيقاعا موسيقيا جميلا للعمل .

لا اعتقد أن الظروف التي تحيط بالفنانين المسرحيين العراقيين تجعل تجاربهم ناجحة بشكل كامل كما لو نريد أن يعطونا بالتمام ، ولا اعتقد أن واحدا منهم سيقول أنني قد أنجزت عملا متكاملا ...لكن المهم في أعمالهم هو الاستمرار والإصرار في جعل المسرح غذاء فكري متميزا بطرحه للمواضيع ومسرح كهذا تثريه جمهرة التواقين للحياة والسلام .

ففرقة بابل المسرحية التي قدمت هذا العمل لا تريد الركون إلى الأجواء الدافئة والإيرادات المحسوبة والأضواء كما شاهدنا ..بل تريد تقديم الجديد في الفن والفكر والإبداع .

تحية حب وتقدير لمبدعين مسرحيين يتحركون في زمن ركود المسرح مبتعدا عن هموم الناس.
تحية حب وتقدير للجنود المجهولين ممن أعطونا ومضة أمل لمستقبل تزدهر به الحياة ويعم السلام .



* الملاحظات لعرض يوم 17-11-2009 لوند





 

free web counter