الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الأحد 6/9/ 2009

 

أمبرتو ايكو : المعنى توالد متتالية أشارية غير ثابتة البنية
(1)

سلام الاعرجي *

يرى (امبرتو ايكو) ان الخطاب الفني والادبي نتاج تبادلية علائقية بين الفردي والكوني , الذاتي والموضوعي , والخطابان كلية منغلقة على انعكاس الكوني في الفردي جراء محاكاة الثاني للاول فكلاهما ينتج العالم عبر المحاكاة في شكله الفردي بوصفه عام .

ان الخطابين بنى تنتظم على وفق دلالات تشكلها الواقعة او الحادثة مضافا لها التجربة الفردية او الذاتية للمؤلف لتكون مؤسسا لتلك البنى وتشكل في ذات الوقت دلالاتها المعنياتية التي تتمثل فيها , اي تتجسد فيها , فكلا الخطابين لايمكنهما الانغلاق على احادية معنياتية قط , بل ان هوية واصالة الخطاب لايمكن ان تتاثر حتى قدر توفرها على الحركية والانفتاح, الا ان( ايكو) لايرى ما يراه بارت في انفتاح الخطاب من الغموض وتعدد امكانيات الشكل عبر شفراته المتحركة معنويا او ثمة حرية مطلقة في التاوييل من قبل القاريء الستقبل / المؤول . فالانفتاح بمفهوم (امبرتو ايكو) يبنى على المشاركة النظرية والعقلية للقارىء الذي يجب ان يؤول بشكل حر عملا فنيا .

ان التأويل يحقق المتعة واللذة الجمالية من خلال المقايسة التجريبية , فثمة تجربة فاعلة - المستقبل - وتجربة مفعول بها - النص - , الاولى تمارس فعلها مستندة الى مرجعياتها في التعامل مع ما يمكن ان تثيره النظم العلامية او البنى الدلالية - المفعول بها - فيه من آثار فالتاويل هنا دلاليا اي مشروط بان يمارس على الكلية , ان القيمة التعبيرية للنص لايمكن ادراكها الا من خلال أندماج كلي وعام لأداتين تعبيريتين , الاولى يتوفر عليها النص ويقع عليها الفعل القسري التاويلي والثانية يتوفر عليها المؤول ويقع بها الفعل فيساهم النص عبر اداته التعبيرية في اعادة برمجة ذاكراتية تشتغل عليها المقاربات الادائية التعبيرية لدى القارىء او المتلقي او المؤول وعلى هذا الاساس ستساهم الحواس المتلقية في اعادة بناء انساق ونظم الخطاب الدلالية لينزاح النص عند ذاك شكلا ومحتوى من والى محفز او مثير خارجي جمالي وليكون ايضا مهىء للخروج من شكله البنائي الجديد تاركا للادراك الحسي الممارس لفعل القراءة القدرة على منحه شكلا جديدا الا ان ذلك الادراك لايتوقف عند تسجيل (جشتالت)- ونعني بها الصورة الخارجية من جهة والبناء الباطني والتنظيم الداخلي من جهة اخرى - متوفر سلفا كتمثيل مستقل للواقع بل هو نتيجة تبادلية تؤشر اندماج الفردي بالكلي وبالعكس لتصبح التجربة الكلية , تجربة اللحظة الجمالية بوصفها لحظة مفتوحة للمعرفة وقابلة لتفسير سيكولوجي .

وفي الوقت الذي تشكل فيه بنى الخطاب الايحائي لا قصدية معنياتية من خلال حيازتها على اسباب التطابق التام بين عالم الخطاب والعالم الداخلي للمتلقي فهو يرى في الرمزية انعتاق من ذلك الانحطاط الاستهلاكي وهي تتوفر على انفتاح الادراك الجمالي . ان البنية النصية الأيحائية تنفتح على بنى نصية مجاورة على وفق علاقة قسرية مفرطة في القصد والمعنى لا يصبو لها الخطاب أصلا فينغلق بدواله على حين ان العوالم الرمزية انفتاح غير مستنفذ بل تحل محل العوالم المنظمة ووفق قوانينها , عوالم تزيحها من مركز توهجها وتخضعها لأعادات معنياتية من خلال اللاثبات في اعرافها وقوانينها .

ان خطاب الفن او الادب من وجهة نظر ايكو حركة بلغة نهايتها الا انها , لانهائية مدرجة في نهائية , ذلك لأن أدراك المعنى يعني احلاله في تراتبية بنيته اي في سلسلة انتماءاته على اساس الظاهراتية والجوهر بل اللا نهائي في ذات النهائي طالما ان التجربة التأويلية مؤسسة على غنى اصيلي , حيث يكون بمقدورها مباشرة الانتقاء كما يعتقد تودوروف في مؤلفه أصول الخطاب النقدي .

ان المعنى بنية غير ثابتة فهو يعتمد العلائق التبادلية بين وحدات التعبير ووحدات المحتوى المفسرة في وحدة جديدة ستشكل هي الاخرى علاقة تبادلية مع وحدة محتوى جديدة وهكذا , مستندا بذلك الى لهجة الخطاب وهي بنية تجريدية معززة لرسائله اللغوية ويطلق على تلك اللهجة الخاصة (الشفرة) ويعني ايكو بالعلائق التبادلية ( وظيفة الاشارة ) وذلك ما يؤكده ( وليم راي في كتابه المعنى الادبي ) , كما يعتقد ايكو ان الاشارات بنى طارئة على الشفرات معتمدة على قوانينها الترابطية فتولد متتالية اشارية غير ثابتة البنية الا انها تخدم تعددية المعنى , فالقارىء يواجه بنية الاشارة ووظيفتها ليتحقق فعل دمج الشفرات برسالات لغة الخطاب في فكرة وان تعقدة , اي انها كفيلة بتحقيق انفصال فكرة القصد عن فكرة الشفرات المشتركة التي يحفزها القصد ذاته , اي ممارسة عملية تعطيل المقاربات المرجعية التي تثيرها الشفرات القصدية لدى التلقي وعلى هذا الاساس ستبدو جميع المعاني متكيفة في اللغة اللتي بها , وبهذا ينزع الخطاب من مفهوم الثابت او الحقيقة التاريخية لمشابهته اللغة .

ان المعنى من وجهة نظر امبرتو ايكو عملية مستمرة لاعادة تنظيم الشفرة ليس لها غلق اوشيء في العالم الخارجي تتحدد به . ان فعل القراءة والتاويل يقع على نظام الاشارة عند قراءة الخطاب وهو حسب( ايكو) بنية محاددة ملتقي , بذلك مع( بيير جيرو) - من علماء السيميولوجيا , فرنسي , عمل على الاتجاهات القديمة والحديثة للسيمياء وحاول وضعها في اطار نظرية سيميولوجية موحدة - في فهمه للاشارة على انها علامة القصد في ايصال المعنى حيث يشكل الدال فيها معنوية تاويل يشهده الدال الاشاري اي يقود الى تغيير في دلالاته فهو حين يصفها - الاشارة - يشير الى تمفصلها المركزي المفترض تفكيكه او تاويله الذي سيقود الى زحزحة واحلال معنى عام على اعتبار ان البنية , الحالة التي تنتظم فيها عناصر اي شيء بوصفه كلا وهو بذلك يتفق مع (بام فراتشتيك )في دراسته البنيوية في المسرح , بمعنى آخر سيبدو مفهوم البنية , الصلة المتبادلة المتداخلة لعناصر المواجهة الامامية واللاحقة , وعلى هذا الاساس جعل ايكو نظام الاشارة على (عشرة مربعات) او مستويات بنائية تسعى لتنظيم بنية شكلية هرمية غير مستقرة وغير منتظمة الا ان كل مستوى - مربع - في مخططه يجسد في ذات الوقت مكونا بنيويا من مكونات النص كما ينجزه المتلقي وفاعليته التي يحفزها ويثيرها جماليا الخطاب بذاته , الا ان تلك المستويات او البنى ذات صلات تبادلية مع بعضها وتشكل وحدات المحتوى ووحدات المعنى , الشكل / الاسلوب معا , في الجزء الثاني من المقال سنتناول المستويات البنائية للاشارة في الخطاب حسب امبرتو ايكو .
 


 * أستاذ مساعد دكتور .
أستاذ فلسفة الفن في كلية الاداب جامعة الكوفة
أستاذ الاخراج المسرحي في الفنون الجميلة جامعة بابل
سكرتير رابطة بابل للفنانين والكتاب /هولندا

 



 

free web counter