الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

السبت 15/10/ 2010

 


تداخلات ما بعد الحداثة

أمير الخطيب

الكثير من الظواهر الفنيه تولد في جو من الحريه والبحث من اجل تطوير ما بدأه اناس جادون في تثبيت وترسيخ تقاليد السلم والجمال، لا لشئ انما لاثبات معادلة قديمة جدا، لكنها تتجدد باستمرار الا وهي ترسيخ انسانية الانسان اي رجوعه الواعي واللاواعي ابدا الى الخير والمحبة والتعايش السلمي .

كثيرة هي الظواهر الفنية التي تموت بعد ولادتها بفترة قصيرة، وكثيرة هي الافكار التي تؤرشف وتنظّر لتلك "الظواهر" فيموت التنظير وتموت الافكار لانها ببساطة غير صالحة للبقاء والاستمرار.

المنحوتات السومريه والاغريقيه والفرعونية وغيرها من ارث البشر لا تزال شاخصه الى يومنا هذا وما جاء به المحدثون فيما بعد في عصر النهضة بقي لحد الان، فاعمال ميكل انجلو، ديلاكروا، ريمبرانت، روبنس وغيرهم الكثير لا تزال ارثا لكل البشر ولا تزال تدل على انسانية الانسان على الرغم من كل المحاولات الرأسماليه لتحويل هذا الارث المعنوي الي ارث مادي، اعني ذ وقيمة ماديه، وسوق الفن شاهد على ما اقول، لكنها في ذات الوقت تؤشر الي ان المرحلة هي التي فرضت هذا الفن اسلوبا وتقنية وافكارا.

بالتأكيد انا هنا لا استثني ما جاءت به الشيوعية العالمية في مرحلتها التي بدأت وانتهت في القرن العشرين، فالواقعية الاشتراكيه برهنت بالدليل على ان الانسان لا يمكن ان يحيا دون ارشفة او تعبير، دون تاريخ، فما بالنا في اتجاهات مابعد الحداثه؟

اتجاهات ما بعد الحداثه
ان اغلب الانتاجات الفنية في هذه المرحله التي بدأت ستينيات القرن الماضي ولم تنتهي لحد الان، اعني اتجاهات ما بعد الحداثه تذهب الي المزابل، وكلنا قرأ وعرف عن المظاهرات او الاحتجاجات التي قام بها بعض من ابناء مدينة لندن على عمل انستليشن عرض في متحف التيت مودرن، والذي كلف اكثر من مئه وعشرين الف جنيه استرليني، هذا العمل عرض لمدة شهرين وبعدها جاء المنظفون ليكنسوه ويلقون به في حاويات المزابل.
لكن مقابل هذا هناك اناس كثيرون خصوصا في الغرب، متناغمون مع الانتاج الفكري لمرحلة ما بعد الحداثة حتى وان لم يفهموا، لان الانسان الاوربي يعيش الحاله او المتغير بعمق وليس بقسر كما يحدث في بلداننا العربيه، الحياة ارادة، الحياة بالنسبة للانسان هنا متعه ودراية الى حد كبير.

التجريد مثلا، حين حل في الفكر والفن استقبله الانسان الاوربي بكل عمق وصار الفن التجريدي جزء من حياة الناس، لان حياتهم اصبحت مجردة بكل ما تحمل الكلمة من معاني اعني ان الانسان العادي يعيش التجريد فكان الفن التجريدي معبر ومتناغم مع حياة الانسان.
ويبقي السؤال، هل عبر نتاج ما بعد الحداثة بشكل صادق عن حياة الفرد الانسان في الغرب على اقل تقدير؟ فاشكال فن ما بعد الحداثه تهادنت كثيرا مع حاجات بعض الناس اعني نخب من الناس وهم السياسيون والتجار فحاجة السوق وكذلك حاجة السياسه اصبحت من القواسم المشتركة في اي متحف فني معاصر.

فالعلاقات الشخصية والسمسرة وغسل الاموال دخلت بشكل علني وواضح في صناعة "نجوم الفن التشكيلي" اذا صحت العبارة ومن ثم صناعة الصورة النهائيه للتشكيل كنتاج بشري ونشاط انساني، وبهذا تهمش الكثير من الباحثين الجادّين ممن لا يتقنون التعامل مع السوق وحاجاته ومتطلباته الانيه، نعم صحيح ان هذه السمه من احد اهم سمات حياة ما بعد الحداثه ولكنها افقدت الانسان المرجعية والمصداقيه والجدّية ايضا.

الفن نتاج بشري يثبت انسانية الانسان، الانسان التواق ابدا الى الجمال والسلم، هذا الانتاج بالضرورة يعبر عن تفكير الانسان واحساساته في مرحلة يعيشها فيؤرخ احساسه ويكون شاهدا صادقا نقيا عن حياته وعن مرحلته، اتجاه الفن ففي العصر الفكتوري مثلا كان الفنان ميّال الي التزويق والفخامه وكان هذا الميل تعبيرا عن حاجة الانسان الى التزويق والفخامه، كذلك فأن اتجاه الفن في عصر من العصور الى اسلوب من الاساليب في التعبير هو حاجة وليس ترهل، ولكن هل انتجت مرحلة ما بعد الحداثة اسلوبا واحدا ميّز المرحلة وتميز في التعبير عن المرحلة باسرها؟ ربما اتفق من حيث المضمون بالجواب نعم، ولكن من حيث الشكل لا اتفق ابدا الفنان الامريكي جييف كونز مثال ساطع على ما اقول، جييف غزيز الانتاج لكن اعماله لا تشبه بعضها وليس بينها ما يدل على انها تنتمي الى فنان واحد بل يستغرب اي متتبع لهذا الفنان في كل انتاج جديد له.

شخصيا التقيته وناقشته حول هذا الموضوع وكتبت بعدها متهما اياه بانعدام الاسلوبيه او البصمة الفنيه كما نسميها وها انا اتراجع في هذه السطور عن اتهامي واعترف باني لم اكن على معرفه جيدة بحركات مابعد الحداثه، لكن هل اعتمدت اتجاهات ما بعد الحداثه على الاسلوب كمكوّن للعمل الفني،، في اعتقادي الشخصي جييف كونز كان وما زال معبرا عن حالة كبيرة في اتجاهات ما بعد الحداثه، فثالوث " الاسلوب/ التقنيه/ الفكرة " تغير ولم يأخذ شكلا جامدا او واحدا كما علمونا.

النحت واحد من الفنون التشكيليه كما نسميها في اللغة العربيه، هذا الفن تعرض الى تحويل اشكاله في عصر ما بعد الحداثه، او ربما من الافضل ان نسميه اعني هذا العصر الذي نعيش، ربما افضل ان نسميه عصر التعددية الثقافية والفكريه لاني ارى ان هذه التسميه اقرب الى الفهم من تسمية مابعد الحداثة خصوصا في لغتنا العربيه لاننا نفتقد الى مقدمات مثل " مابعد" وغيرها من الكلمات التي تدخل على الكلمه وتغير مفهومها، (سأعود فيما بعد لهذا الموضوع) فالنحت تعرض الى تغيير في اشكال تنفيذه، فنسمع وكذلك نردد كلمة النحت الصوتي، النحت الضوئي وما الى اخره، هذه الاشكال او لنقل تعددية الاشكال سمة مهمة من سمات فكر ما بعد الحداثة، فالنحت كما هو معروف تعامل مع مادة معينه لخلق شكل معين، ولكن في حالاتنا المعاصرة نرى ان النحت اصبح افتراضي لا يرتكز على مادة ولا يتعاطي تقنيه معينه وليس بالضرورة ان يكون معبرا عن فكرة محددة.

مجتمع متعدد الاعراق
رجعا الى تسميه عصر ما بعد الحداثة بعصر التعدديه بكل ما تعنيه الكلمة من معاني وتعقيدات، ارى ان تسمية عصر التعددية انجع واصلح لهذا العصر الذي نعيشه فماذا نقصد يالتعددية الثقافية مثلا ؟ هل نقصد الاعلان السياسي الذي تتبناه الحكومات الغربيه بمصطلح "مجتمع متعدد الاعراق والثقافات" لا بالتأكيد فانسان اليوم هو انسان متعدد المشارب والثقافات بالضرورة لان العولمة انتجت وافرزت هذه التعدديه ونحن بشر هذه الكرة الارضيه لا حول لنا ولا قوة في قبول او رفض هذه الافرازات ، وكل فرد منا هو متعدد الثقافات وكذلك اصبح موافقا او متفقا على تعدد الاعراق وقبول الافكار الاخرى وهذا ما يكوّن وجداننا المستقبلي وكذلك ما سيلعب دورا مهما في بناء جيل بل اجيال المستقبل، فلم نعد نستطيع وليس بايدينا الحفاظ على ما نتصور انه افضل الينا، العجلة سائرة وليس من قوة تستطيع ايقافها لانها بشكل بسيط هي ارادة الاكثريه.

فالفرد في الصين او في فرنسا او في اي مكان يشاهد ذات الصورة، يتأثر بذات التأثيرات، الصورة التي يكونها الاعلام، السوق، السياسه، العهر الثقافي وكل الاشياء هي صورة العالم عالمنا الذي نعيش فيه، يسمع ايقاعات متراتبه في كل مكان يهز جسده بحركة متفق عليها في كل مكان ، فالرقص المحلي او الوطني او قل ما تشاء اصبح من الفلكور الذي يتندر به الانسان اما الرقص العربي فاصبح على الطريقه الامريكيه برفع اليدين بخفة وسرعه وحتى اوربا ترقص على انغام امريكا منذ زمان بعيد.

الانترنيت شارك بشكل كبير في الغاء الثقافة المحليه لكل رقعه جغرافية من العالم ولم نعد كما كنا قرى متباعدة وجزر منفصله عن بعضها، الانترنيت اصبح عاملا مهما للثورات والمتغيرات السياسيه والاقتصادية وغيرها.

الفن المعاصر متداخل المشارب، متعدد الاشكال والمضامين والاساليب والافكار فاذا كانت مرجعية في الماضي لشئ فان المرجعية غابت الان ولا يمكن ارجاع الوحدة الاساسيه المكونه للصورة او العمل الفني الى مصادرها الاصليه، العمل الفني المعاصر يرجع الى كل ما نشاهده وما نخزنه في يومنا من صور، غضب، صدق، كذب، معاناة، ركض، وكل ما نتعرض اليه في حياتنا اليوميه، انا لا ارى ان هناك اشكاليه او ضعف او قوة ابدا بل هذه هي مرحلتنا هذا هو وقتنا وهذه هي حياتنا اليوميه.
 

free web counter