الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

السبت 14/11/ 2009

 

الثوابت والعلمانية

د. عبدالرحمن جميل

(العلمانية) مفهوم مظلوم.. ظلمه المتعلمون قبل الاميين.. والمقصود بالمتعلم هو من يحسن القراءة والكتابة وليس بالضرورة ان يكون مثقفا.. فالثقافة هي امتلاك القدرة الذهنية والموهبة على الاستيعاب والتحليل والاستنتاج فيما الامي هو المصر بعناد على رفض التعلم وحتى تكفير الاخرين لاختلافهم معه في الرأي والمنهج والاسلوب.
فالمتعلمون يكتبون في صحف معروفة ومغمورة وعلى صفحات شبكة الانترنيت مقالات تتميز بانتقاء ذكي للعبارات وأحيانا يتحدثون - ولو بصوت عال - في استوديوهات الفضائيات العربية مروجين بأن العلمانية (مشروع) أجنبي يستهدف تقويض حضارتهم والغاء خصوصياتهم ( التي لم يفلح احد منهم في تشخيصها لحد الان) وتشويه معتقداتهم وتقاليدهم الاجتماعية الموروثة و التي لم تشهد تغييرا ملحوظا لقرون من الزمن.
أما الاميون فيحذرون اتباعهم ومريديهم من خطر العلمانية على وجودهم ويقولون انها ستطمس هويتهم وتدنس مقدساتهم وتمسخ افكارهم وثوابتهم..

والثوابت كما نراها هي الحقائق الملموسة التي هي ليست من صنع البشر ولا يمكن تغييرها – في زمننا على الاقل – فحبة الباقلاء لا تنتج تمرا ولا تلد القطة جرذا ولا تتسلق تلقائيا مياه النبع تلا! أما الاراء والافكار والمعتقدات فهي كامنة في عقول البشر وليس في أيديهم .. أي انها غير ملموسة ولا يمكن قياس أبعادها.. ويمكن للعقل لو أراد تغييرها او تجاوزها وربما حتى التخلي عنها بحسب تغير النوايا والظروف والعواطف.
ونعود الى العلمانية التي تفسرها الموسوعة البريطانية بأنها مظهر من مظاهر الاهتمام المتزايد بالانجازات الحضارية التي يحققها الانسان خلال مراحل تطوره.. والفصل بين المعتقدات والثوابت للاستفادة من الثوابت كوسيلة لتعزيز المعتقدات.. أي انها لا تتدخل في معتقدات الانسان ولكنها لا تريد هذه المعتقدات ان تتدخل في حياة الانسان حيث انها – أي المعتقدات – مختلفة ومتشعبة وشخصية.. ومن الصعب بل المستحيل وضعها في اطار متجانس .. إذ لا يمكن ارغام البشر جميعهم على الاقتناع بضرورة النظر للثوابت من حولهم بمنظار واحد وبنفس الالوان اعتمادا على ذات الاراء والمعايير.

العلمانية لا تمس المعتقدات ولا تلغيها وانما تتجنبها.. اذ يستحيل على العلماني او السلطة العلمانية التسلل الى داخل عقول الافراد او الجماعات لمحو ذاكرتهم او لأيقاف عملية التفكير وحركة العقل للانطلاق في عالم الخيال.. كما ان حامل الرأي والمعتقد - اذا كان مقتنعا تماما بما في ذهنه وقلبه – يزداد تمسكا بأفكاره وآرائه اذا ما أحس بيد تضغط على جبينه لأنتزاع او تشويه ما بداخل رأسه.

ومن هنا نرى ان في الدولة العلمانية تضيق تماما فرص التصادم والتنازع بين الاراء والمعتقدات المختلفة باختلاف البشر.. فيما تزداد احتمالات انتشار ورواج هذه المعتقدات كمحفز لآستثارة الحماس البشري من اجل تحقيق انجازات أكثر روعة وشمولية.. وهذا ما حصل في مجتمعات اتفق أفرادها على ابقاء المعتقدات كمصفاة عقلية للنوازع والنوايا عند التنافس لايجاد افضل الظروف لأنماء القدرات والمهارات البشرية التي توفر مزيدا من مقومات الرخاء والازدهار.

وخلاصة القول انه لا مبرر منطقيا للريبة والخشية من قيام دولة علمانية في مجتمعات تخضع لمجموعة من المعتقدات الموروثة, حيث ان المناهضين لفكرة الدولة العلمانية ينتمون لجماعتين.. الاولى جاهلة تماما بمعنى العلمانية وتردد ما يصلها من معلومات مبتورة عنها من المجموعة الثانية وهي التي يخشى اتباعها فقدان هيمنتهم ونفوذهم الاجتماعي والمالي في تلك المجتمعات كما حصل في اوروبا ابان عصر النهضة وابان النزاع بين سلطة الكنيسة والحكم المدني ..رغم انهم يدركون ان تلك المعتقدات الموروثة ستبقى راسخة ومصانة بصورتها المتكاملة في عقول معتنقيها في ظل الدولة العلمانية.. حتى لو انحسرت اوغابت تماما سلطة المتنفذين وهيمنتهم المشكوك في شرعيتها.
والمثير للانتباه في هذا الصدد, ان دعاة اللاعلمانية في مجتمعات منطقتنا يركزون في هجومهم على العلمانية على مسألة لا علاقة لها تماما بنظام الحكم والدولة او واجباتها واسلوب تأسيسها وأدوار الافراد فيها.. وهي قضية المرأة.

فكلما تحدثوا عن العلمانية كانت المرأة محور الحديث.. وكأن المرأة – والتي يحتفل العالم بيومها سنوياً – هي العنصر الوحيد الذي تبلورت تلك المعتقدات من أجله.. ويقولون ان الدولة العلمانية تستهدف تقويض معتقداتهم لأنها تمنح المرأة منزلتها الطبيعية وحقوقها الانسانية اسوة ببقية المجتمعات المتحضرة!

نأمل من كل الذين يرفضون العلمانية دون فهم صائب لمعناها.. ان يوضحوا للملأ أي بيئة سياسية ونظام اجتماعي يتمنون لكي تنمو وتزدهر وتتفاعل فيهما بحرية كل المعتقدات والافكار دون آلام او معاناة او مآسي..و دون تسلط او تكفير او الغاء للغير؟ أي نظام اقتصادي يحبذون لكي تتحقق في البلاد ملامح تنمية حقيقية تنحسر فيها معدلات الفقر والعوز والبطالة و يتمتع الجميع بدون تمييز او استثناء بفرص متكافئة في حياة حرة كريمة؟ اي مؤسسات ومناهج تعليمية يريدون بحيث يكون بوسع الجميع ايضا الارتقاء بمستوياتهم العلمية والادبية والثقافية والفنية واطلاق العنان لأبداعاتهم ومشاركة البشرية منافع ما يحققون من انجازات؟

نعتقد ان الاجابة عن هذه التساؤلات هي أهم كثيرا من الجدل والتصارع الى حد الاقتتال حول فيما اذا يحق للمرأة ان تفعل هذا ولا يحق لها ان تفعل ذاك.


 

free web counter