الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الجمعة 13/2/ 2009



د. الناصري : في رؤية أخرى لانقلاب شباط 1963

ما يزال العراق يدفع ثمن إغتيال ثورة 14 تموز

حوار أجراه حسين رشيد

تحل علينا ذكرى فاجعة من أكثر الفواجع السياسية / الاجتماعية ألماً في تاريخ العراق المعاصر ومثلت البداية لتأسيس الكوارث على كافة الأصعدة.. كما انها كانت البداية لعملية الترييف الاجتماعي للمدن ةمثلت هجوم الجراد على حقول وبساتين الأمل القادم. وبمناسبة هذه الذكرى كان لنا حوارا مكثفا مع الباحث الاكاديمي د. عقيل الناصري والمعروف بكتاباته عن الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم والثورة الثرية (ثورة 14 تموز) .. ومن المعلوم ان الدكتور الناصري سبق وأن نشر عشرات المواضيع حول ذلك، كما اصدر عدة كتب عن هذا الموضوع وهو لايزال يواصل عطاءه إذ سيصدر له كتاب جديد بعنوان " 14 تموز- الثورة الثرية" عن دار الحصاد في دمشق وهو يمثل الجزء الأول من الكتاب الثاني من ثلاثية : من ماهيات السيرة لعبد الكريم قاسم. إذ سبق وان أصدر الكتاب الأول (عبد الكريم قاسم 1914-1958)؛ والكتاب الثالث ( عبد الكريم قاسم في يومه الأخير) الذي يتحدث عن وقائع هذا الانقلاب الدموي متتبعاً الفكرة الانقلابية منذ ثورة 14ولحين تحقيق الانقلاب ومسيرته وعواقبه الاجتصادية/ السياسية على المجتمع العراقي. عن هذه الموضوعة المركزية كان لنا حديث مع الدكتور الناصري حول بعض تداعيات هذه الانقلاب وعواقبه والقوى التي ساهمت فيه..

* السؤال الأول: لماذا 8 شباط 1963؟
- مثلت ثورة 14 تموز محطة نوعية في مسيرة العراق الحضارية وكانت بمثابة أول مشروع حداثوي في تاريخ العراق المعاصر نظرا لما تضمنته من تغيرات بنيوية في التركيبة الاجتماعية وانماطها الاقتصادية المناظرة. وما تمخضت عنه من توجهات سياسية وانبثاق منظومة مقومات فكرية وتثوير للقوى الاجتماعية وما تماثلها من احزاب سياسية فعَّلت بقوة واقع الحراك السياسي في البلد.. ثم ان السياسة العامة للبلد على صعيدها الخارجي أو/و النفطي كانت علامة مضيئة ومناقضة لما كان سائداً بين دول المنظومة الاقليمية.. ومما عمق هذا المسير هو جملة التغييرات الاجتماعية والثقافية وتلك البرنامجية الطموحة لتغيير هذا الواقع.. هذه الحالة الجديدة بمضامينها واشكالها قد أثارت صراعا طبقيا حادا على المستويين الداخلي والخارجي.. وأدت إلى تكتل القوى المتضررة من هذا التغيير حتى أنها رفعت راية (مقاومة التغيير!!)، تحت ذرائع مختلفة مستنبط اغلبها من معايير القيم البالية أو تلك المستوحاة من طبيعة الحرب الباردة على النطاق العالمي .

في تلك المرحلة النيرة ، اصبح العراق حسب المفهوم الاستعماري.. أخطر بقعة في العالم.. لذا وعلى وفق هذا المعيار المصلحي حشدت القوى المتضررة ، الداخلية والخارجية، كل قواها لاجل الاطاحة بالنظام وتوجهاته..والأسوء من ذلك أن بعض القوى القريبة من الثورة ، كبرنامجية وطموح وانتماء، قد تحالفت مع اعدائها الاستراتيجين، وذلك لقصر نظرها السياسي وأنويتها الطبقية ولمنزعها الاستعجالي في تحقيق ما كانت تصبو إليه.

في الوقت نفسه أصبحت الثورة أداة استقطاب لأغلب قوى التحرر في المنطقة وملهم للفئات الطامحة لاجل التغيير .. هذا التوجه كان في طبيعته يمثل حالة من التناقض التناحري مع المراكز الرأسمالية وقوى الماضي التي رسمت حدود حمراء لواقع البلدان المتحررة في المنطقة والتي تمثلت ب:

- عدم السماح باتباع سياسة نفطية وطنية مستقلة خارج الكارتيل العالمي؛
- عدم السماح بتحجيم دور اسرائيل في المنطقة ناهيك عن زوالها؛.
- عدم اقامة انظمة وطنية تحررية ذات طابع جذري وطامحه للتحرر الاقتصادي.

هذه الموضوعات وغيرها من الناحية النظرية وما قامت به حكومة الجمهورية الأولى (تموز1958- شباط1963) من إجراءت عملية تصب في تجاوز هذه الحدود الحمراء الوهمية.. قد غيرت من موقفها من سلطة تموز/قاسم .. إذ يوضح لنا تاريخ العلاقة بين هذين الطرفين ( سلطة تموز والمراكز الراسمالية) بأن الأخيرة ارادت كبح الثورة في ايامها الأولى، ولما تكاتفت جملة ظروف حال دون ذلك.. استبدلت خططها وحاولت أحتواء عملية التغيير الجذري الذي سارت عليه السلطة الوطنية.. ولما فشلت في تحقيق ذلك نظراً للإصرار(الثوري) من قبل قيادة السلطة والقاعدة الاجتماعية لها.. قررت (ذبح) الثورة بأية وسيلة كانت ، وهذا ما تم في هذا الانقلاب الدموي.. الذي نفذ بأيدي عراقية وخططت له العقلية الأجنبية.. وكان نموذجاً متطابقا من حيث الماهيات، مع تلك الانقلابات العسكرية التي تمت في إيران مصدق، واندنوسيا سوكارنو وشيلي أليندي وغيرها من الانقلابات التي قادتها وكالة المخابرات الامريكية في عالم الأطراف. ولو افترضتا أن قاسم والقوى المساندة له قد افشلت الانقلاب.. لتوقعنا انقلابا آخر من قبل قوى قومية أخرى. كان المفترض أن تنفذ انقلابها في عيد الفطر.. وهو الاخر كان بمعونة العربية المتحدة كما يشير الى ذلك جمال باروت في كتابه حركة القوميين العرب.

*السؤال الثاني: اعتراف الحكومة المصرية ورسالة الرئيس عبد الناصر .. التي اذيعت أكثر أكثر من مرة تشي بشيء من التنسيق المتبادل؟
- قبيل الخوض في الاجابة على هذا السؤال لابد لنا من استعراض مكثف للغاية لتلك العلاقة (القلقة) التي نشأت بين سلطتي تموز ومصر الناصرية.. لقد ساهم ناصر بدرجة كبيرة في تأييد الثورة منذ انبثاقها وأخذ على عاتقه دعمها وخاصة على المستوى الدولي.. وكان هذا مستنبط من عدائه لحكومات العهد الملكي وارتباطاتها الغربية من جهة، ومن رؤيته لطبيعة الصراع الدولي في المنطقة العربية من جهة ثانية ومن أنويته القيادية لحل الازمة الاقتصادية المصرية وكرازميته الطامحة لزعامة العربية من جهة ثالثة.. وربما هناك عوامل أخرى ممكن اضافتها.

إن انطلاقية قاسم من أولوية عراقية العراق وسياسته الداخلية تصادمت مع الرؤية (القومية) التي رأت ذاتها في أولوية عروبة العراق وليس عراقيته.. كانت من العوامل التي فجرت التناقضات في الرؤى المستقبلية لكل طرف من الاطراف.. كما ساهمت (القوى الفرعية) سواءً الحزبية منها أو المخابراتية العربية والخارجية في تأجيج هذه الصراعات وتغيير مسارات العلاقة بين الطرفين.. إن اشتداد النزعة ومن ثم التنافس غير المبرر بين التيارين العراقوي والعروبوي ( من الناحية التفضيلة وليس التصغير) قد ساهم بدوره في بلورة توجه الصراع وتعمق التناقض بينهما ، الذي كان في الكثير من المفاصل تناقض مصطنع ذاتوي أكثر مما هو تناقض موضوعي.

ضمن هذه الظروف ساهمت مصر الناصرية التدخل الفض ليس في الشأن الداخلي العراقي فحسب بل في الكثير من البلاد العربية الأخرى وقد أصبحت أحدى السنن التي ميزت التجربة الناصرية في كبوتها. وبالنسبة للجمهورية الأولى في العراق فقد تدخلت أجهزة العربية المتحدة ، بصورة مكشوفة في دعم كل الحركات التي كانت متضررة من ثورة تموز، بغض النظر عن مدى تطابق برنامجيتها مع جوهر الحركة الناصرية التحررية.. كما ساهم ناصر في الدعم المادي والمعنوي للقوى القومية التي حاولت التأثير على السياسة العراقية بما يتلائم والتوجه الناصري تمثل بالاساس بالدعم الكبير للحركات الانقلابية التي قادتها القوى القومية المختلفة.. لقد نشرت هذه القوى بعد اغتيال قاسم والثورة، الكثير من المعطيات عن هذا الدعم ، سواءً لحزب البعث العراقي او بقية الحركات القومية والعشائرية.. لا بل تعاونت حتى مع قوى غربية وتحديدا ال سي آي أي، في هذا المجال كما يشير جيمس ادوارد سميث في كتابه حرب جورج بوش، حتى اصبح هاجس ناصر هو نظام الحكم العراقي مشخصن في قاسم دون غيره.. وهذا ما كشف عنه عبد اللطيف البغدادي في مذكراته وكذلك أمين هويدي في كتابه(كنت سفيرا في العراق).

وتوضح هذا التشفي وأسفر عن وجهه حينما خرجت علينا صحيفة الأهرام في يوم 9 شباط بمانشيت كبير وبالخط الآحمر ( الحمد لله.. قتل الطاغية). وقد جاء اعتراف مصر الناصرية بحكومة الانقلاب في ساعة متأخرة من ليلة 8 شباط، حيث مثل هذا الاعتراف دعم معنوي كبير لقوى الانقلاب، لا نجد له مبرر سوى رغبة في القصاص من قاسم ومن قاعدة حكمه الاجتماعية ذات الرؤية العراقوية. في وقتٍ كانت سياسة هذا الأخير هي القرب الى سياسة ناصر من حيث الماهيات الجوهرية والمضامين الاجتماعية على الصعيدين الاجتماعي والعربي من القوى القومية التي ساندها والتي رفعت درجة العداء معه إلى حالة غير مسبوقة مقارنة بما كان مع قاسم حتى بلغت درجة تهشيم وتهميش للفكرة القومية والوحدة العربية التي هي حاجة موضوعية، اكثر من كونها وسيلة سياسية للصراع كما اوضحتها تجارب الحكم القومي في العراق.

وفي اعتقادي أن مساهمة عبد الناصر في دعم الحركات الانقلابية المناهضة لقاسم/تموز مثلت نقطة رمادية إن لم تكن سوداء في سياسته بصورة عامة وقد ندم كثيرا على هذه الحالة .. لكن بعد فوات الآوان.. إذ لو تنازل ناصر عن انويته وكرازميته وتفهم واقع العراق وتركيبته الاجتماعية ودعم سياسة قاسم الوطنية في توجهاتها العامة وتماشى مع مطلبية القوى العراقية التي عبر عنها كامل الجادرجي في نهاية عام 1958لكان واقع الامة العربية على غير ما هي عليه الآن.. ولكان الوعي الاجتماعي وتجلياته وتبلورها والواقع المادي لمستقبل العرب افضل بكثير مما نحن عليه. هذه المساهمة اللا حميدة لناصرفي حرث تربة الانقلابية في العراق قد أثرت بعمق في تشتت القوى التحررية واصابة العراق كما اصابة عمق المشروع الناصري وعموم حركة التحرر العربية مما مهدت الطريق لقوى الردة والمحافظة في عموم العالم العربي. وهنا لابد من الإشارة الى ما لعبته أجهزة العربية المتحدة (الأمنية والدبلوماسية) من دور غير حميد في تخريب العلاقة بين عراق قاسم ومصر ناصر.. وهذا ما أشار إليه الراحل محمد حديد في مذكراته وغيره من السياسيين حتى من ذات التيار الناصري .. لكن بعد فوات الآوان.

* السؤال الثالث:ما هي طبيعة تحرك القوى المشاركة في الانقلاب وكيف كانت مسيرته في اليوم الأول؟
- السؤال ذا شقين الأول يتعلق بطبيعة القوى التي ساهمت في الانقلاب ، والشق الثاني متعلق بسير حركة الانقلاب. لقد سبق وان عالجت هذا الموضوع بنوع من الاسهاب في كتابي : عبد الكريم قاسم في يومه الأخير- الانقلاب التاسع والثلاثون . ويمكن ان أجيب على الشق الأول بصورة مكثفة بالتالي:

لقد تظافرت وتفاعلت العديد من العوامل والظروف الداخلية والخارجية على خلق مناخ زمني تكاثرت فيه وتكالبت الصراعات السياسية وتعددت المحاولات الانقلابية حتى اصبح العنف المادي المتبادل سيد الموقف بين اغلب القوى السياسية . وقد انشطرت عموديا ساحة الصراع إلى قطبين متضادين، هما:

الأول: لقد تمحور في هذا القطب القوى المتضررة من ثورة 14 تموز أو/و من مسيرتها اللاحقة وقد ضم مجاميع سياسية متباينة من حيث التوجهات الفكرية والتصورات المستقبلية للعراق، حيث كان من بينها العديد من أحزاب التيار القومي وكانت نواته الاستقطابية المركزية- حزب البعث العراقي؛ كما ضم بعض من تيارات القوى الدينية (بغض النظر عن مذهبيتها)؛ بقايا الاقطاع ونخب الحكم الملكي كذلك الضباط المغامرين. ونشير ايضاً الى مساهمة قيادة الحركة الكردية التي تحالفت مع هذه القوى، مما دلل على عدم تبصر قيادتها بل وتخبطها وخضوعها للمنزع الاستعجالي لنيل حقوقها القومية المشروعة. من الناحية الطبقية مثل هذا الشق القوى الطبقية من اقطاعية وبرجوازية كمبرادورية والفئات العليا من البرجوازية الوطنية كذلك من فئة كبار ضباط المؤسسة العسكرية المغامرين منهم.

أما القطب الثاني فقد تمركزت فيه قوى الثورة المنظمة وغير المنظمة والتي شملت أغلب القوى التي كانت تنادي بأولوية عراقية العراق، التي مثلها التيار الوطني المستقل الأوسع كما، والتيار الديمقراطي المتمثل بالحزب الوطني الديمقراطي. واليساري الأكثر تنظيماً وتأثيرا. وكان مركز هذا القطب يتمحور حول عبد الكريم قاسم والحزب الشيوعي بالأساس. ومن الناحية الطبقية فقد مثلت هذه القوى القاعدة الاجتماعية لنظام الحكم متمثلتاً بالطبقة الوسطى وفئاتها المتوسطة والدنيا ومن العمال والفلاحين والطبقات الكادحة الفقيرة في المدينة والريف ومن قاعدة المؤسسة العسكرية والضباط الصغار.

لقد تميز وآل الوضع آنذاك إلى تحالفات سياسية متحركة غير ثابتة ، وتميز بعضها بكونه لم يكن منطقياً وبعيداً عن الموضوعية في تصورتها، إذ فقدت بوصلتها الحقيقة المتطابقة مع المرحلة وضرورتها وتناقضت مضامينها مع الرغائب التي كانت تصبو إليها هذه القوى السياسية. إذ يصعب على المرء تصور إلتقاء العلماني الجمهوري في التيار القومي مع القوى السلفية؛ بين التيار اللبرالي مع شيوخ العشائر والقوى التقليدية؛ بين التيار القومي الكردي والقوى الشوفينية العربية...الخ

اما الشق الثاني من السؤال والمتعلق بسير حركة الانقلاب.. ففي البدء اقول كان هنالك عامل نفسي وقناعة ذاتية تقف وراء اندفاع القادة المحوريين في تنفيذ الانقلاب بهذا العدد الصغير من الاتباع وآليات قليلة العدد، مفاده : لنقم بالعمل فإن نجحنا فيه فهذه المنى، وإذا فشلنا فإن روحية الزعيم قاسم الكارهة للعنف واحترامه الكبير للنفس البشرية سوف لا يعاقبنا بإعدام الحياة.. بل سيسجننا لفترة زمنية معينة ومن ثم يعفو عنا بعدها ، كما عفا مرارا عن الذين حاولوا قتله واولئك المتورطين في المحاولات الانقلابية الثامنة والثلاثون السابقة.

وعلى خلفية هذه الابعاد وما رسمه المخططون الامريكان بقيادة وليم ليكلاند رسم التحرك الذي يمكن تلخيصه ب:

- ضرورة تواجد المكلفين بالتنفيذ في الساعة 7 صباحاً في منطقتين هما : ساحة النسور ؛ وساحة عنتر في الأعظمية؛

- يبدأ الإستيلاء على محطة الإرسال في ابو غريب. ويعتبر هذا الفعل أخطر حلقة في الانقلاب باعتباره وسيلة التبليغ الأرأسية في ذلك الصباح وبمثابة بدء ساعة الصفر لكل القوى الانقلابية بالتحرك الفعلي؛

- يبدأ البث الإذاعي بإذاعة البيان الأول الذي هو إشارة للطيارين لبدء الحركة وتنفيذ الهجوم على وزارة الدفاع والقاعدة الجوية في معسكر الرشيد؛

- يتحرك الضباط المؤيدين للانقلاب والموالون من مختلف فصائل التيار القومي للسيطرة على وحداتهم بعد سماع البيان الأول؛

- يتواجد الضباط المتقاعدون وبملابسهم العسكرية في منطقة ابو غريب ويكونون مهيئين للتحرك والاستيلاء على وحدات الدروع؛

- تبدأ الدبابات والمشاة بالتحرك من ابو غريب نحو أهدافها المرسومة.

- لقد اوصى خبراء الانقلابات العسكرية الأمريكان ، الانقلابيين بضرورة لصق صورة عبد الكريم قاسم على الآليات والدبابات أثناء توجهها الى اهدافها؛

- انطلق الانقلاب عمليا من نقطتين مركزيتين هما: القوة الأرضية ومركزها كتيبة الدبابات الرابعة في معسكر ابو غريب؛ والقوة الجوية في الحبانية.

- أما هجوم الدبابات فقد توزع كالتالي:

* دبابتان تحتل المرسلات في ابي غريب بقيادة عبد الستار عبد اللطيف
* دبابتان تحتل معسكر ابي غريب بقيادة فاضل عساف
* ثلاثة دبابات لاحتلال الإذاعة بقيادة ذياب العلكاوي
* ثلاثة دبابات لاحتلال معسكر الرشيد بقيادة طاهر يحيى ورشيد مصلح وانور الحديثي؛
* سبع دبابات ( وقيل خمسة) الى وزارة الدفاع بقيادة عبد الكريم مصطفى نصرت؛

- أما القوى المدنية التي كان اسمها حرس الانذار ومن ثم ( الحرس القومي) فقد أنحصر تواجدها في البدء في الأعظمية، المسبح، الجعيفر والمأمون فقط. وبلغ عدد أعضائها كما تقول بعض المصادر الحزبية البعثية في حدود 800 عضو( وهذا الرقم مبالغ فيه لأن عدد اعضاء الحزب كان أقل من ذلك) .. وكان من مهامها كما يقول القيادي البعثي هاني الفكيكي: اغتيال قاسم ووصفي طاهر وجلال الاوقاتي وعبد الكريم الجدة وطه الشيخ أحمد وفاضل عباس المهداوي وسعيد مطر وغيرهم من الضباط. وكان مسؤولها بهاء شبيب.

* السؤال الرابع: كيف تفسر أن حزباً صغيرا عدد أفراده لا يتجاوز 850 عضوا وعدد قليل من الدبابات كما ذكرت استطاعت السيطرة واسقاط النظام؟
- في الواقع استطيع القول أن حزباً صغيراً ومجموعة من الضباط المغامرين وبهذا الكم من الأليات لا يمكنها اسقاط نظام يملك قاعدة اجتماعية كبيرة .. بل كبيرة جدا تمثل طيفا واسعا من القوى الاجتماعية الحية التي لها حضورا سياسيا وقوة تأثيرية بالغة .. ولذا فإن العامل الدولي والإقليمي قد لعبا دورا اراسيا في نجاح الانقلاب .. وهنا لابد من الاشارة الى ان مرحلة الجمهورية النيرة قد كشفت عن توافد كم هائل من خبراء الانقلابات العسكرية في العالم الثالث واسقاط الانظمة اليسارية والاشتراكية الى العراق بصفة عاملين في السفارة الامريكية أو مراسلين صحفيين ، وقد عملوا بدأب على دراسة الواقع العراقي بكل ابعاده سواءً بصدد القاعدة الاجتماعية لقاسم وكيفية تفكيكها، وموقف الحزب الشيوعي وكيفية تخدير انضباطيته وحذره ،وكيفية تحرك قوى الانقلاب واستثمار ردود الفعل، الاعلام وكيفية استخدامه، التحالفات وتأثيراتها....الخ من تلك الوقائع المؤثرة على سير الانقلاب. هذه المسارات اكبر من عقلية حزب صغير غير مؤثر قد انغمر في الفعل التآمري.. وتبنى فعل الاغتيال السياسي كوسيلة للوثوب ، على السلطة.وهي اوسع من فكر ضباط مغمورين من حيث المهنوية العسكرية.

اني اعتقد جازما بقوة الموضوعية والعلمية.. أن قوى الانقلاب لا يمكنها اسقاط سلطة لها قاعدة اجتماعية واسعة دون وجود خطط عملية بنيت على ضوء الواقع العراقي.. وهي من افكار متخصصين ولديهم باع طويل في مثل ظروف العراق.. وكان منهم كما قلت وليم ليكلاند.. الذي كان في مصر الناصرية وكان ذو صلة بواقع مصر وانتقل الى العراق في مطلع عام 1959 ليشرف على هذه العملية وقد نسج علاقات مع صالح مهدي عماش وغيره من الضباط ذوي التوجه القومي كما كشف عنها الدكتور الراحل علي كريم سعيد وغيره.. وقبلهم عبد الناصر أثناء محادثات الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق عام 1963.

في الوقت نفسه لابد من الاشارة الى تنافر القاعدة الاجتماعية لنظام قاسم وتصارعها والى مسؤولية قاسم ذاته في هذا المجال وانعدام الرؤية الواقعية لديه، الى الصراع الاجتماعي الناجم عن فعل التغيير الذي قاده.. كما اني اشير الى الخطل الفكري الذي كسى عقلية قيادة الحركة الكردية التي تحالفت مع اعدائها الاستراتيجيين.. ثم مسؤولية الحزب الشيوعي في عدم قراءته الواقعية لماهية الصراع حيث اعطى لموضوعة السلم في كردستان، رغم اهميتها، وتناسى فعل التآمر الانقلابي الخارجي حيث كان هو المستهدف بالاساس وحاولوا اجتثاثه وكبح تأثيراته ليس في العراق فحسب بل في عموم المنطقة.

* السؤال الخامس : صورة عبد الكريم قاسم وهو يخرج ببدلته العسكرية متقدما صوب أعداءه.. وصورة أعداءه في 9/4/2003 حيث سلموا العراق إلى الأمريكان..... كيف تقرأ هذه الصورة؟؟
- إن هذا السؤال يحمل في طياته ذلك التوجس الذي غشى الفكر السياسي العراقي المعارض طيلة القرن العشرين .. كما انه يحاول سبر غور افكار قادته على مختلف مراحل الزمن ويتعقب مشاريعهم الفكرية والفلسفية لواقع العراق. كما أن هذا التساؤل يريد منا ان نقارن بين زعامتين ! إحداهما تنطلق من ذاتها لتنغمس في الفعل العراقي لتنتشل متبقياته من زمن العصور الغابرة ولترسم ابعاده .. كوحدة وهوية وطنية وسوق موحدة لتدخل الزمن الجديد وحداثته.. وتلك التي نظرت للعراق كمزرعة تمتلك حق التصرف في رسم آمالها المستقبلية واخضاع مدنيتها لقيم الريف ومعايره.. وتتحكم في مسارات نموها على وفق الرغائب الذاتوية وليس على وفق الواقع الموضوعي للعراق وتركيبته الاجتماعية المتنوعة.

كان قاسم ينطلق من وحدة المصير للقوى الاجتماعية الفقيرة لتكن قاسما مشتركا لكل الفئات الاجتماعية ضمن هوية واحدة .. هي العراق وقد أسس الأبعاد المادية لهذا التصور من خلال توحيد التشريع ووحدة السوق وبناء الوحدة الوطنيةوالخروج من حلقة التخلف ومحاولة إلغاء الفوارق بين الريف والمدينة وارساء حجر الزاوية للعادلة الاجتماعية النسبية وحقوق المرأة والاعتناء بالطبقات الفقيرة وتثوير الفعل الثقافي وحل المسألة القومية وإلغاء الطائفية السياسية وغيرها من المهام الملحة.

كان قاسم مؤمنا بذاته وتوجهه وبمشروعه وابعاده وبطبقته وآمالها وبالشعب العراقي وضرورة اسعاده.. ومن هذا المنطلق حاول تسخير كل الامكانيات الطبيعية لواقع العراق. وكان طوباويا في رؤيته لكنه يؤمن بقدرة هذا الشعب وبقواه المتعددة. ومن الوقائع التي تسجل له .. انه قبيل اعدامه الحياة قال مخاطبا قاتليه:

ان لدي اسرار تهم هذا الوطن ادعوكم لسماعها حتى نخدم شعبنا!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

ما كان من اولئك سوى السخرية منه !! متناسين انهم يسخرون من ذاتهم ومن مشاريعهم العقيمة؟ ولكونهم مدينون لحاضنة مصالحهم من خارج الوطن.. ولكونهم نتاج لهذه المصالح الضيقة ولكون قاسم نتاج للصيرورة الاجتماعية العراقية.

لذا علقت صورة قاسم في ذهن المواطن العراقي كشخصية لها مقوماتها التي انطلقت ليس من ذاتها قدر كونها تعبر عن مصالح جمهرة واسعة من المجتمع العراقي .. وهذا المعيار الجوهري مقارنة بالآخرين الذين حاولوا تكييف المجتمع لرغائبهم واختزال الواقع الى معادلات رئاسية يتحكم في مكنوناتها شخص واحد وصوت واحد ورؤية واحدة تناقض ما يحمل المجتمع من تعددية.

كان قاسم ضد كل تدخل خارجي .... وكانوا نتاج للتدخل الخارجي
كان قاسم ينطلق من العراق .... وكانوا ينطلقون من المصالح الذاتوية الضيقة
كان قاسم امينا لذاته والعراق .... وكانوا سماسرة لبيع العراق في النخاسة الدولية
كان قاسم مؤمنأ بنا.. ابناء العراق ككل .... وكانوا يومنون بولاءاتهم الدنيا
كان قاسم يمثل الكل .... وهم يمثلون الجزء
فكان قاسم بناءً .... وهم هدامون

وهذا ما حصل للعراق من كوارث على ايديهم ومشاريعهم العقيمة وكانوا سببا أراسيا فيما وصلنا إليه وأوصلنا قطارهم الأمريكي الذي جاءوا به كما يقول القيادي المتقدم فيهم علي صالح السعدي.


نشر في طريق الشعب بتاريخ 8 شباط 2009



 

free web counter