الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الثلاثاء 12/1/ 2010

 

الدكتور سلام الاعرجي : القراءة فعل وبنية في مواجهة وعي أستقرائي
 

حاوره / الفنان المسرحي والشاعر سعد عزيز دحام

اكتشفت النظرية الاخراجية مناطقها في بنية النص التي اشتغلت عليها آليات فعل التحول , ولكن هل كان ذلك نتيجة لشفافية جوهره الظاهراتي او كما تقول دائما بان النص شيئا اكبر من كونه دالا شفافا , وهل هذا يعني انه مجرد منجز يستهلكه واقعه الولادي ؟ وهل يمكن أن تؤشر أية نظرية نقدية فهمها النهائي والحاسم للنص معنويا ؟
- يمكن ان تكون الاجابة نعم في حالة واحدة اذا فسر النص جهة من انتجه ولكن ما هو دور اللغة التي اودع النص بها , البنية يمكن ان ترصد وتتابع خيوطها في جميع لغاتها ومستوياتها وفضاء الكتابة فضاء ينبغي مسحه لاأختراقه والكتابة ما تنفك تولد المعاني .

واين تكمن خطوة التماس الأولى مع النص ؟
-
خطوة التماس الاولى مع النص تكمن في القراءة / التلقي . ان ازدواجية المعنى في المأساة الاغريقية هي سوء التفاهم الذي ينتج تلك المأساة حيث يقابل ازدواجية المعني احادية الفهم - من قبل الشخصيات - ألا ان ثمة من يدرك هذه الازدواجية ويعيها ( المتلقي ) , ان حوار الثقافات وتعارضها الكلي والجزئي لا يتيح لها فرصة اللقاء عند المؤلف بل عند المتلقي , فالمتلقي على حد تعبير ( رولان بارت ) الفضاء الذي ترتسم فيه كل الاقتباسات التي تتألف منها الكتابة دون ان يضيع أي منها ويلحقه التلف .أن هذا التباعد بين البنيتين في المسرح المعاصر جعله يتصدى للنص بقصد أزاحته من دائرة أنتمائه الجنسية كصنف ادبي الى دائرة نوعية جنسية أخرى هي دائرة الفن المسرحي .

بمعنى آخر ان القراءة تعني دمج وعينا بمجرى النص , فثمة فعل وبنية في مواجهة وعي يسعى جاهدا للأحتواء والأستيعاب وتحقيق فهم ذاتي تدريجي .
-
نعم وان لم يمارس في فعله ألأستقرائي أي نوع من التأويل للوهلة الاولى , أو أن القراءة أعادة بناء وتركيب لتجربتنا وهي عملية تبادلية جدلية تنظم مركبات الوجود المادي الحسي في صيغ اخرى للأثر النصي , اعني , النص كوحدة فنية ذات صفات عامة لاتفسرها تعددية الاجزاء المكونة لها بل هي كل واحد , وثمة قراءة أخرى تتجاوز البقاء في حدود المدرك الحسي والتصور الساذج الى التأمل والفهم نمط قرائي يقرء النص على انه فعل كتابي يقابله فعل مسحي شامل وواعي , ليس استنباطي اواوركولوجي آثاري .

ألا ان قصدية القراءة والتاويل وتعددية المعاني لاتعني هزال في النص ؟
-
لا انها تعتمد على القارىء ذاته . موقفه الايديولوجي ويمكن ان تكون تعددية المعاني محصلة لأنفتاح ألأثر الادبي نفسه وقابليته بطبيعة بنية معاني متعددة , وذلك يعود الى أن ألآثار ألأدبية في جوهرها رمزية لابمعنى أنها تعتمد على الصورة أو الخيال او الاشارة وانما بمعنى قابليتها لتعدد المعاني كما يعتقد ( جاكوب كريك / اللغة في الادب الحديث ) .

وتأسيسا على ما تقدم كيف يمكن ان نقرء , ستان سلافسكي , انتونين آرتو , برشت , كريك ....؟
- اعتقد اننا يجب ان نعيد قراءة ( ستان سلافسكي ) على اساس الماورائية النصية , أي تنظيم مركبات الوجود المادي الحسي في صيغة المادي العياني للأثر النصي لأعادة قراءة المؤلف , أو يمكن قراءة ( انتونين آرتو ) على وفق قصدية القراءة كأسبقية أولى في البحث عن المعنى , أو أن نبحث ( برتولد برشت ) على ان المعنى لايمكن أن يكون ذاته تكوينا كاملا ونهائيا . ان تعددية المعنى النصي مؤشرا ايجابيا لصالح الخطاب الادبي وهو سلطة لايمكن ان تتنحى طالما بقية الحاجة الى النص المكتوب تكمن في تفعيله للسياق المسرحي ويشير في كل مكان الى خضوعه لشروط العرض المادية ولاسيما الى جسد الممثل وقدرته على تجسيد الخطاب داخل فضاء المسرح .

بمعنى آخر ما ان يهتدي المخرج الى النص حتى يترك حواسه تنتج خطابه المزمع أنتاجه بأيحائية اشبه بالسحر , تكمن في حيازة النص فضلا عن توفره على حركية مرنة بحكم رمزية مكتشفة في بنيته منذ القراءة الاولى ؟
- أنك تشير الى ( كولدن كريك ) , وهذا بحد ذاته تعزيز لخصوصية خطاب العرض على حساب النص , من خلال أعلائه شأن النظم العلامية البصرية والسمعية المنجزة لبنية الخطاب - الزمكانية - من خلال جهاز ارسالي حي ومبدع متمثل في الممثل ذاته , ذلك الكائن الذي شكك ( كريك ) في قدراته حيث يجده غير قادر على ان يوحد العمل المسرحي والجمهور بواسطة السحر الايقاعي .

يعتقد كريك ان قدرات الممثل لايمكن ان ترتقي الى هذا المستوى من الانجاز لأنه لن يكون شريك المخرج في مخيلته وتشخيصه وتحديد الوحدات النوعية متعددة المستويات في خطاب كريك المسرحي .
- هذا مايعتقده كريك في مؤلفه ( في الفن المسرحي ) . ان خطاب المسرح تعددية ارسالية تزامنية تتمفصل في تركيب جمالي ووظيفي يستطيع المتلقي أستيعابه كأنساق أو أرساليات تزامنية ويفسرها على انها خطاب موحد كان للنظم العلامية في النص دور في انجازه فهو تداخل بنائي , اما ما يتعلق ب(كريك ) فأن عمل اية مقاربة بين الوحدات النوعية المتعددة والمؤسسة لبنية خطاب العرض الزمكانية لديه ومقابلاتها لدى (تاديوس كاوزن) ستسهل علينا عمليا فهم ( كريك ) وعلى الوفق الاتي : ثمة تعادلية او تكافىء موضوعي بين الوحدات النوعية لديهما والمقترحة كانساق بنائية - اللغة / ميمياء الوجه / الحركة / الماكياج / تسريحة الشعر / الازياء والملابس / الديكور / الاضاءة / الموسيقى / والمؤثرات الصوتية - كما ستؤكد تلك المقاربة ارتباط مدلولات اللغة والكلام اي انها تبقى مترابطة دلاليا بالاسلوب المؤسس او النسق العام المؤسس لبنية خطاب العرض من جهة ومرتبطة في نموه الزمني من جهة اخرى وكلا الحالتين منجز تمثيلي , أن متصلات العرض -زمكانية , حركية - ونتيجة لتداخلها وغياب حدودها الدلالية أصبح لزاما ان يكون ثمة بؤرة يناط بها فعل فك التداخل في متصلات العرض وانجاز مدلولاتها فتمثلت تلك البؤرة في جسد الممثل الذي يعد انتاجه لخطاب الشخصية تعزيزا لذلك التبؤر المحقق لفعل الاتصال . ان اشكالية كريك مع النص لم تعد رهن تقاليدية النص او تقاليده ولاحتى عجزه اللغوي ولا ما يتوفر عليه المستويات المؤسسة للنص وأثره من معنى , بل ثمة أشكالية مزدوجة تكمن في أيحائية النص كفعل أتصالي معرفي , وقدرة التنفيذ الفعلية وكلاهما يقعان على خط واحد يمثل متتالية انجازية لمتصلات خطاب العرض أي انها تبدأ في أستقراء واع للنص , ثم التامل والترقيم خلاصة القول ان بنية خطاب العرض نظريا كما يعتقدها كريك نظم وانساق علاماتية تغيب حدودها الفاصلة وتتداخل دلالاتها في متصلات الخطاب لتشكل أثرا دلاليا جليا في الرؤية الاخراجية ألا أنها وظيفيا أشبه بالمعزوفة الموسيقية لايدرك حدودها الابداعية حتى منفذها .
الا انك اشرت في مكان ما الى ان النص ينزاح من دائرة انتمائه الكيفية أستجابة لأشتغال آليات خطاب العرض وعبر ما يسمى ( الكيان الحي للممثل ) , وان خطاب الادب منجز مؤمم ومستثمر سلفا ؟
- المسرح فضاء والفضاء فراغ يشغل بالانساق والنظم العلامية والاشارية الداخلية المتحكمة , فضاء تتجسد فيه الاحداث الخاوية وتكتسب حيويتها وروحها عبر تجسيد الممثل للشخصية . د. سلام الاعرجي : انت تلمح الى ( ادولف آبيا ) , نعم يعد ( آبيا ) الشخصية علامة مصاحبة اوحاملة للحدث الدرامي فهي تعددية مدلولاتية لنفس الدال ويرى ( أدولف آبيا ) ان الشخصية وأن كانت نظام علاماتي لايتحقق الا بواسطة أداء الممثل , ألا أنه يجدها قبل ذلك لا كيان لها , حتى لاشكل لها والممثل هو من يجسد من ذاته هذه الشخصية .

ولكن هل يعني ( ادولف آبيا ) بمفهوم الانجاز الذاتي , ألا قسرية في ألأداء وهل هذا يجعله و(برشت) على خط فعل واحد في مجال عمل الممثل على الشخصية .
- نعم وان كان برشت الاوفر والاغنى والاثرى نظريا وعمليا , فكلاهما يرى ان الممثل كيان مبدع واع او يفترضا ذلك فيه , وقرائته للنص لابد ان تكون خاضعة لقصدية معنوية وهي حتما لاتسعى الى المطابقة والتماهي والتبني للشخصية المشتغل عليها , وليس بالضرورة ان يقف منها موقف المشاكسة والمخالفة بل لابد من موقف من الشخصية يتشكل عبر أرتداد الوعي الذاتي - بالنسبة لآبيا - والبحث في المرجعيات الذاتية للممثل ومما لاشك فيه أن الشخصية ذاتها ستؤدي دورا مهما في تلك ألأحالات المرجعية عند الممثل , فهي أصلا المحفز الخارجي لوعي الممثل المستجيب , ينتج فهما جديدا لها , يحيلها الى نسق علامي أي شبكة صورية لها بنيتها التفاضلية - الايماءة , ميمياء الوجه , الحركة - تزيح النسق العلامي المقترح تأليفا ويرى ان المسرح بحاجة الى أنساق بصرية علامية اكثر منها سمعية او كما يقول آبيا يجب تأسيس الصورة المسرحية على الوجود الحي للممثل
.

نهاية الجزء الاول

 

free web counter