الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الأربعاء 11/2/ 2009



الغزو الثقافي وذريعتنا كمتخلفين

د. هاشم عبود الموسوي

في أحدى العواصم العربية، دعاني أحد الأصدقاء الأكاديميين لحضور لقاء ثقافي القى فيه أحد مبدعي تلك البلاد محاضرة أسماها بـ " الأمن الثقافي " .... وبعد جمل الترحيب الجميلة التي نادى المحاضر حضوره الكرام بها ... وحديثه عن الأمة وتطلعاتها لحياة أفضل ... بدأ بعد ذلك بالمطالبة بضرورة وجود تشريعات وقوانين تراقب وتمنع وتحظر الثقافات الدخيلة والفنون الأجنبية الوافدة حفاظا على أصالتنا وهويتنا وحضارتنا من هذه المخاطر التي تستهدف تدميرنا من الداخل، ولم يكن المجال يسمح بمناقشة هذا الموضوع الفكري المطروح بشكل متكرر في الفترة الأخيرة حيث أبديت رغبتي أمام صديقي الأكاديمي بأني أريد أن أناقش المحاضر في محتوى محاضرته ... فقد نصحني بألا أقوم بذلك ... قائلاً بأننا الأثنين ضيوفاً على هذا الجمع المنسجم بشكل كامل مع أفكار المحاضر ولذا كتبت نقداً للمحاضرة، بعد عودتي إلى مكان سكني وبعثت به إلى المحاضر بشكل شخصي طالباً منه أن أتحاور معه ... إلا أنه لم يجيب علي وهذه رسالتي:-
(( سيدي الفاضل .... تحية طيبة.. قرأت لك الكثير وعرفتك مبدعاً في صنوف متنوعة للثقافة ... وحضرت لإستمع محاضرتك وحرصاً مني في ذلك اللقاء الرسمي على المحافظة على بنوده وزمنه المحدد، آليت على نفسي أن أكتب إليك هذه المداخلة، عسى أن تجد فيها ما يغني الموضوع ولتكون مناقشة هادفة، وهادئة .. تقبل الله منا الصدق في المشاعر.
سيدي الفاضل،،
أن تعتبر الأمن الثقافي هو إمتداد لتعبيرات أخرى مشابهة له ظهرت معه أو قبله مثل " الغزو الثقافي والأفكار المستوردة " وهي في تقديري تعبيرات مظللة شاعت وراجت وإنتشرت في وسائل الإعلام ومنذ عدة عقود وما زالت مستمرة حتى اليوم.
وأقول عنها تعابير مضللة لأنها تربط بين مجالات متباعدة عن بعضها وتتنافى مع أبسط قواعد العقل والمنطق وتتهاوى أمام التحليل العلمي الموضوعي.
فعلاقة الثقافة التي هي نشاط ذهني معنوي يستهدف إثراء الوجدان والروح والعقل وتهذيب النفوس مع نشاطات مادية كالأستيراد الذي ينتمى إلى مجال الإقتصاد والتجارة والغزو الذي يحيلنا إلى المجال العسكري والأمني بدلالاته الواسعة، الفردي منها والإجتماعي والوطني والإقليمي والعالمي؟
وهل يمكن في عصر العولمة وثورة الاتصالات والتقنية المعاصرة أن نحمي ثقافتنا وهويتنا وشخصيتنا القومية عبر إقامة سياجات من المنع والحظر والمراقبة؟
إن التيار السلفي الذي شرع منذ مطلع سبعينات القرن الماضي يحقق تنامياً ملحوظا هو الذي أطلق هذه التعبيرات المظللة وروجها. ومنطلق هذا التيار يقوم على فكرة خاطئة تتمثل في الدفاع عن نقاء وصفاء " الحضارة الإسلامية من الشوائب الداخلية على أمتنا نتيجة " الغزو الثقافي" و" الفكر المستورد.
وهذا كلام تدحضه الشواهد التاريخية التي تقول إن أزهى عصور الحضارة الإسلامية هي التي شهدت انفتاح المسلمين على الحضارات الأخرى فاقتبسوا بدون أدنى إحساس بالنقص عن الفرس وترجموا عن اليونانيين وأخذوا عن الثقافات الأجنبية من حولهم أعظم ما فيها ومزجوها وصهروها في بوتقة الحضارة العربية الإسلامية.
ومن خلال هذا التفاعل الحضاري الخلاق برز علماء المسلمين الذين أخذت عنهم أوروبا التي كانت تغرق في سباتها الثقيل الشبيه بهذا السبات الذي تغرق فيه أمتنا اليوم.
سيدي الفاضل،،
إن شعوباً عديدة عانت ولوقت طويل من التأخر والتخلف وتحسم هذه القضية من خلال تبنيها لفكرة التفاعل الثقافي بين الحضارات وتبادل الخبرات بين الشعوب فاليابان والهند والصين وبقية الشعوب الآسيوية حققت قفزات كبيرة على صعيد التقدم، وتطمح إلى منافسة بل والتفوق على الدول المتقدمة وهو أمر محتمل خلال العقود القليلة القادمة كما يقول بعض العلماء الذين يتابعون نهوض المارد الآسيوي.
المفارقة المحزنة أن أمتنا بدأت مشروعها النهضوي الإصلاحي في مرحلة متقاربة مع بوادر النهضة في اليابان خلال القرن التاسع عشر وخاصة في تونس ومصر لكن اليابان استطاعت أن تحقق نهضتها وتقدمها وتعقبها بقية الدول الآسيوية التي لم تبدأ نهضتها سوى منذ عقود قليلة فيما ما يزال المثقفون العرب يناقشون مسألة العلاقة مع الغرب ويتجادلون حول قضايا كان من المفروض أن تكون قد حسمت منذ أواخر القرن التاسع عشر.)).
 

free web counter