الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الأحد 10/5/ 2009

 

وداعا قاسم محمد

نعمة السوداني *

اقام اتحاد الجمعيات الديمقراطية العراقية في هولندا (البلاتفورم) يوم 9/5/2009 حفلا تأبينيا بمناسبة اربعينية الفنان قاسم محمد ..وقد حضر العديد من المحبين لهذا الرجل والى فنه الانساني النبيل .

بدأ الحفل التأبيني بعرض جزئية صغيرة من مسرحية - بغداد الازل بين الجد والهزل – وكان الفنان قاسم محمد يلعب دور ابي الشمقمق فيها وهو احد الشعراء الصعاليك المعروفين في اسواق بغداد انذاك وهي باكورة ( اعماله الاخراجية ) في مجالس التراث وتمثل نوعا جديدا يدعو الى بناء مسرح جديد يتكلم بلغة جديدة ويعطي مؤشرا للواقع السياسي والفكري والاجتماعي والاقتصادي وتعتبر المسرحية نقلة نوعية في تاريخ المسرح العراقي تتحدث عن تاريخ بغداد القديم ، فيها ادخل التراث الى المسرح العراقي ولم يكتف بهذا بل راح ابعد من ذلك حين عمل على كيفية تطويع - اللغة العربية - لاستخدامها كلغة شعبية يخاطب فيها الجمهور مستمدة من افكاره من خلال نصوص تتحول الى مادة جديدة وبحلة جديدة تحتوي العرض الشعبي والاحتفالي للمسرحية لذلك يعتبر (اسلوب جديد في الكتابة المسرحية ) في العراق ايضا .

بعد ذلك القيت كلمة اتحاد الجمعيات الديمقراطي في هولندا في هذه المناسبة ثم وقف الحضور دقيقة حداد على روح الفقيد .. ومن ثم قدمت كلمة منظمة الحزب الشيوعي العراقي في هولندا.

و قدمت الفنانه - مي شوقي - بجهدها الواضح وفائها لمعلم وزميل واخ كبير , عرضا تاريخيا عن حياته الفنيه وعن اعماله واسلوبه في الاخراج والتمثيل والتأليف من خلال بروشرات كانت متوفرة قد غطت جزءا لمشاركاته في هذه الاعمال مع زملائه الفنانين الذين عملوا معه سوية لفترة تمتد الى اكثر من خمسين عاما .. في فرقة المسرح الفني الحديث والفرقة القومية .. تحدثت عن مجموعة من الاعمال المهمة ، وتنقلت بين اعماله المتميزة ونذكر منها:

تموز يقرع الناقوس عمل فيها – ممثل - عام  1968 حيث مثل فيها دور تموز قدمت على مسرح بغداد ...
النخلة والجيران كان – مخرجا - لها وكانت اول عمل من اعداده عام 1969 قدمت على مسرح مديرية السينما والمسرح في كرادة مريم .... دام عرض المسرحية ( 36 ) يوم
بغداد الازل بين الجد والهزل - اعداد واخراج - قدمت على مسرح بغداد عام 1974 وقد سجلت اطول مدة عرض مسرحي دام اكثر من اربعة اشهر ...
كان ياماكان - تأليف واخراج - من تقديم الفرقة القومية وكذلك مسرحيات عديدة اخرى مثل : العالم على راحة اليد و اضواء على حياة يومية الى اكثر من مئة عمل على المسرح .

ثم قدم عازف العود الفنان ( لطيف سعد ) مقطوعة خاصة في المناسبة مع عرض خاص لمجموعة من الصور الخاصة للفنان قاسم محمد تستعرض انجازاته الكبيرة على طول حياته الفنية بشريط من الصور المعبرة عن عمق انسانية هذا الفنان الذي يعتبر الهم الانساني فوق كل شئ ، صور متعددة مختلفة ومتنوعة عرضت على (السكرين) عن حياة الفنان الاجتماعية والفنية صورا لاعماله ... لحركته .. لفعله ونشاطه ... وصورا اخيره لسكونه الابدي وجثمانه محمولاً على اكف صفقت له كثيرا ، ودعته بأمان في موكب تشييع كبير .

ثم تكلمت الفنانة - مي شوقي - بحزن والم شديد اثرت بالحضور عن ذكريات قديمة جمعتها به منذ طفولتها ولاول مرة وهي تتعرف على الراحل الفنان قاسم محمد في حفل توديعه لغرض الدراسة خارج العراق لحظات مؤلمة ...

بعد هذا التقديم عن الذكريات قدمت مشاهد صغيرة من مسرحية كان ياماكان...

وتحدث الناقد الاستاذ ياسين النصير - عن خصوصية الفنان قاسم محمد وعن انجازاته الفنية - وهو الذي كان عارفا بالتفاصيل الدقيقة لفرقة المسرح الفني الحديث التي قدمت افضل العروض المسرحية , وعن حضوره الدائم اثناء البروفات واثناء العرض وبعد العرض وعن النقاشات التي كانت تدور في تلك اللقاءات الفنية , كان الناقد الاستاذ النصير ملازما لكل الاعمال الفنية التي قدمتها الفرقة .. كما تحدث ايضا عن الفنان الراحل وتجربته الكبيرة وعن تأثيره بالمسرح العراقي والعربي واثار موضوعة مهمة تتعلق بمفهوم ( العرض المسرحي ) الذي قال عنها : ان اول من تحدث عن العرض المسرحي هو الفنان سامي عبدالحميد في نهاية الخمسينات وان اول من عمل به هو الفنان قاسم محمد , كما اضاف انه يرفض ان يقال عن قاسم محمد ( معرق للنص ) انما هو مؤلف له .. وقال ايضا ان الفنان الراحل كان ينزعج من كلمة المعرق هذه ....

وفي ختام الحفل التأبيني كانت هناك قراءة رائعة قدمها الفنان الكبير الرائد الاستاذ خليل شوقي لاخر اعمال الفنان قاسم محمد التي كان قد بعثها اليه بشكل خاص وهي (قراءة مستلة من رواية المخاض للكاتب العراقي الراحل غائب طعمة فرمان ) وقد كان التأثر واضحا وبليغا على وجه الفنان الرائع الاستاذ خليل شوقي الذي اعاد الى الاذهان تألقه المعهود في اعماله التي لا تنسى والتي حفرت وشما في الذاكرة الجمعية العراقية وهو يقدم بطريقة مذهلة من دون توقف ، من دون كلل اخر ما كتبه المبدع ... يتنقل بنظراته الى الجمهور وكأنه يبحث ويفتش عن وجه بين هذه الوجوه عله يجده مع الحضور ... يبحث عن وجه لرفيق دربه قاسم محمد الفنان والانسان الطيب المبدع والمعلم الجميل ...ليقول له اني وفيت بوعدي نم قرير العين .

قاسم محمد وتجربة التراث :
عرف الفنان قاسم محمد مخرجا من الرعيل الثالث وقد بدأ في مسرحه متأثرا بدراسته في موسكو بعد ذلك طور المسرح المدرسي الى مسرح احتفالي اسطوري ملحمي ثم راح ينبش ويكتشف من الموروث الفكري والحضاري حينما اتجه صوب تجربة التراث وذهب الى السوق والى التعزية الحسينية باحثا في جوانبها المشرقة والجمالية .. وهذا ما جعله ان يقود ادواته في الاخراج من خلال هذه الطريقة لقد اهتم من خلالها بالمناسبات الاجتماعية والاحتفالات العامة التي استلهمت افكاره الاحتفالية ورؤياه . و يعتبر اول مخرج عربي يقدم رؤيا جديدة في الاحتفالية لثقافته المعهودة وموهبته الراقية وفي الجانب الاخر هو افضل من قدم الممثل العراقي .. فلا نجد في المسرح العراقي ممثل وصل الى مراتب متطورة ومتقدمة في آلية عمل الممثل وتقنيات التمثيل الا ونجد المبدع الراحل قاسم محمد هو مهندس ادوات هذا الممثل .. والكثير وبشهادة الممثلين انفسهم نجده صانع ممثل مهم جدا .

ومع هذا فنجده ايضا مؤلفا لعدة نصوص مسرحية مهمة جدا قد اضافت الى رؤياه الاخراجية الخصبة خيال واسع وتوقد اسرع فاشمل بذلك المسرح العراقي والعربي في اسلوبه الاحتفالي الذي قدمه بوضوح.
رؤيا قاسم محمد هي المسرحية الاحتفالية في مجالس التراث... لقد تأثر العديد من المخرجين العرب باعماله بعدما كانوا يقتبسون ويقلدون المسارح الغربية والشرقية بسبب عدم وجود ملامح مسرحية عربية .. وكان له الفضل في اكتشاف مسرح عراقي عربي اصيل .
الفنان قاسم محمد كان سعيه مبكرا في اكتشاف الدرامي في الثقافة والموروث الثقافي واللغة وكان حضوره مميزا في عرضه المسرحي وجعله وحدة متكاملة نصا واخراجا وتمثيلا , وكان اول ما سعى اليه في جدله هذا تقديم مسرحية بغداد الازل بين الجد والهزل والتي رأيتها مرات عديدات -- وقد رأيت ابي الشمقمق الاخر الممثل الفنان المبدع ( عدنان نعمة ) وقد صنعه استاذه قاسم محمد وهو يقوم بنفس الدور ايضا – والتي استلهم فيها حياة الاسواق لبغداد القديمة كمكان للعرض من خلال شتى ضروب المعرفة والحياة من تجارة وبيع وقوى ثورية وقطاعي طرق وفقراء مثل فئة العيارين ...كانت المسرحية قفزة نوعية في مجال الاخراج ولابد من الاشارة الى ان يعطى الحق للمخرج في ان يرى في النص ما لا يراه غيره فيه حتى لو كان المؤلف , بسبب ان الرؤيا الاخراجية تختلف من مخرج الى اخر حسب طبيعة وثقافة وانتماء المخرج وميوله السياسية واهوائه الفنية في احتضانه للفكرة او النص.

الفنان قاسم محمد مساهم فعال في رفد كل ماهو جديد للمسرح العراقي والعربي لما يملكه من ملكات ابداعية جمالية حسية فقد افاض في معالجاته للقضايا المطروحة على خشبة المسرح وتداخلت عنده الرؤى الاخراجية مع رؤى التأليف وقد تغيرت بل تحولت لديه الكثير من مفاهيمه المدرسية الى افق اجتهادي وتنظيري جاء مع بعض من مسرحياته بتصورات نظرية وكما اوضحت بمثال مسرحية بغداد الازل بين الجد والهزل والتي اشتغل فيها على حياة الاسواق لبغداد القديمة واستلهم منه مكان عرض جعل فيه العديد من جوانب المعرفة والحياة والحركة كما لاحظت ذلك في تلك السوق المكتضة بالتجار و بالتجارة من جانب ومن جانب اخر القوى الثورية التي مثلتهم تلك الفئة المسحوقة فئة العيارين الفقراء عن روايات لحكايا قصص قديمة... لقد كانت اسواق ثقافية تحمل معها ثقافة المكان وجنسه .

وفي التمثيل :
وفي عرض اخر كنت قد شاهدته في منتصف سبعينيات القرن المنصرم على قاعة السينما والمسرح في كرادة مريم هو ( مسرحية البيك والسايق - بونتيلا وتابعه ماتي ) لكاتب ايرلندي واخراج الاستاذ المرحوم ابراهيم جلال... تتكلم المسرحية عن اقطاعي يعيش على الاستغلال والظلم وجمع الثروة باي شكل من الاشكال على حساب العمال ومن يشتغل معه يعاني من القسوة والظلم والجور ... ولكونه لا يستطيع ان يتحرك من دون عامل او سائق فهو ايضا يحتاج الاخرين .. والاقطاعية او الرأسمالية هنا ابتكرت نوعا من نظام ( الاقساط تخفيفا ) عن تضخم الديون التي بدأت تلحق به فبدأ يحتال على العمال لعدم دفعه رواتب لهم ... كان يسكر وهنا - بيت القصيد - في حالة السكر الشديد يتحول الى انسان طيب يستخدم كلمات طيبة فيها من الغزل والود والانسانية ... كلمات معسولة ....يوهم المتفرج بانه يؤمن بالعدالة والاشتراكية ...
وحينما يبدأ في شرب القهوة ثلاث مرات اي - ثلاث رشفات - يبدأ بالصحو من حالة السكر يرجع الى اصله الحقيقي الى كونه اقطاعي ظالم .... هنا يقع الجمهور بمشكلة ... فحينما لا يتابع الجمهور بشكل متيقظ يقع في مطبات بونتيلا الظالم ..واثناء احدى خطابات بونتيلا المفبركه يسقط احد المتفرجين في الفخ في خطأ التصفيق العنيف ظنا منه انه ينادي بالتسامي والعدالة الاجتماعية والاشتراكية .... هنا ... يتصرف الفنان قاسم محمد (السائق) (ماتي) بإيقاف العرض وان تفتح الاضاءة ويطلب من المتفرج ان ينهض لمناقشتة عن سبب هذا التصفيق لهذا (الجلاد) الظالم ... وبعد نقاش مثمر اعطى فيه الافادة للمتفرج و للجميع اوعز باستمرار العرض علما كان ممثلا في هذه المسرحية ... هذا هو الفنان قاسم محمد ... انه اب روحي للمسرح العراقي .

ستبقى روحك الجميلة فينا ... انك شمس المسرح العراقي التي لا تغيب ...



* مسرحي هولندا



 

Counters