| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأربعاء  9 / 10 / 2013



افتتاحية المدى

تحت جدارية جواد سليم (٤)
قانون الانتخابات، تَعميدٌ بحكم الواقع للطائفية

فخري كريم  

(١)
تعكس الدساتير والقوانين، بمبادئها ومفرداتها ودقة ومتانة صياغاتها التعبيرية، مستوى التطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي، في الدولة المُراد تطبيقها على أحوالها. وهي في الوقت ذاته استشرافٌ للمستقبل، يبني على منصات الواقع المتحقق، الممكنات المتوقعة في اغتناء هذا الواقع وتقدّم عناصره، في ضوء التوجهات والبرامج والطاقات البشرية والطبيعية ومعدلات النمو في الدولة بكل جوانبها، لكي تظل محافظة على قدر من الثبات والتجانس بينهما، ولا تتخلف الشرائع عن الواقع وهو في حالة حركة وتطور، ولا تؤدي ارتباطاً بذلك، الى تناقض يُخل بمصالح الأفراد والمجتمع، ويصدع استقرار الدولة.

ويعتبر قانون الانتخابات، احد التجليات المباشرة للعملية الديمقراطية، والوسيلة التي تُبنى عليها الارادة الشعبية ونزعاتها وتوجهاتها المستقبلية. ومع ان العملية الانتخابية بحد ذاتها لا تجسد أو تعبر، في كل الاحوال، عن السيرورة الديمقراطية، فأنها تظل البوصلة المؤشرة لموازين القوى في المجتمع، اذا ما توفرت فيها شروط النزاهة والشفافية، واعتمدت على قانون انتخابي تمثيلي عادل.

(٢)
ومثل كل الاستحقاقات القانونية الأساسية المعطّلة، يظل قانون الانتخابات في ادراج مجلس النواب، ينتظر اللحظات الاخيرة في الوقت الضائع، لتستدرك قيادات الكتل المقَرِرة، انها في عجلة من امرها، لاعادة تفصيل قانون الانتخابات، وكل منها محكومة باعتباراتها الانتخابية، تريده ان يكون على المقاسات التي تحقق لها اغراضها الضيّقة دون اعتبارٍ لمدى مواءمتها مع الدستور وموجباته، وانسجامها مع التطلعات الوطنية المنشودة.

وقد اتجهت النقاشات في البرلمان خلال الايام الماضية، حول قانون الانتخابات المزمع اقراره، لتضع الجميع امام الامر الواقع، فاما القبول بما تريده الحيتان السياسية وقادتها او لا مفر من تأجيل الانتخابات، وقراءة الفاتحة على العملية السياسية، او توديعها بصلاة الغائب.

ومن مجرى النقاشات، والتوجهات التي يجري التأكيد على اعتمادها في القانون، يبدو واضحاً انها تسعى للحفاظ على التمثيل البرلماني الراهن، مع منع اضعاف الكتلة المهيمنة، ان تعذر تحسين تمثيلها، من جانب، ومن جانب آخر الاطاحة بالكتل الصغيرة الممثلة حالياً في البرلمان، واعاقة أي اختراق للبرلمان الجديد من قبل القوائم الصغيرة والمستقلين، خارج الاصطفافات الطائفية المكرسة الحالية.

لقد اعتمدت الانتخابات البرلمانية الأولى عام ٢٠٠٥، على الدائرة الوطنية الواحدة، في ظل استنكاف المناطق الغربية عن المشاركة فيها، واختيار أوساط غير قليلة في المحافظات الأخرى المقاطعة. لكنها في الوقت ذاته شهدت مشاركة واسعة للغاية في المحافظات الشيعية، ومشاركة متفوقة في اقليم كردستان، وانعكس ذلك على التمثيل الضعيف للنواب العرب السنة، وازدياد مقاعد الشيعة والكرد. وجرى تعديل القانون في الانتخابات السابقة ليأخذ بالدوائر المتعددة، على اساس المحافظات ووفقا لنسب السكان فيها، وما تستحقه من عديد النواب. وكان متوقعاً، ومفترضاً، العودة الى الخيار الاول الذي اعتمد في انتخابات ٢٠٠٥، بناء على استقراء سياسي مغلوط مفاده ان العملية السياسية التي تميزت بقدرٍ محدودٍ من الامن والاستقرار، وارست بدايات هشّة للتوافق الوطني، قد تفتح الطريق الى تقدمٍ واسع تشهده الحياة السياسية، تخفف من الاحتقانات الطائفية والسياسية، وترتقي بها الى مستوى الطموح الوطني، وما يتطلبه من قواعد واطر تنتشلها من التراشقات والتشتت والتجاذبات المفرِّقة.

(٣)
إن التحول السياسي الذي جرى، وعكسه انضمام العرب السنة الى العملية السياسية، ومشاركتهم في الانتخابات الماضية بعد مقاطعة الانتخابات الأولى، لا يعود الفضل فيه الى التحسن النسبي الذي طرأ على الاوضاع الامنية، ودور القوى السياسية من المكون السني في رفض خيار المقاطعة، بل يرتبط بشكل جوهري بعاملين متلازمين آخرين، وهما تطور المسيرة الديمقراطية، ولو بـأقل معدلاتها ومظاهرها، والشعور العميق لدى اكثرية المواطنين في المناطق المقاطِعَة بخسارة استحقاقاتها التنموية المحدودة، وتغييب صوتها وارادتها التمثيلية في الدفاع عن المصالح الحيوية لمناطقها، وحرمانها من "القسمة الضيزى"!

وكان هذا التطور في المشهد السياسي الذي عكس إمكانية ارتقاءٍ ملموسٍ بالعلاقات بين المكونات الرئيسية والكتل الممثلة لها، مظهراً ايجابياً واعداً، توهم البعض أنه قد يمهد لإرساء أسسٍ أولية تفضي في نهاية المطاف الى عملية تفكيكٍ تدريجي لمنظومة التوافق الطائفي ونهج المحاصصة، وتخلق بيئة عبور للنظام الطائفي. ولم يتولد الوهم المذكور من الفراغ او مجرد التمني، بل ارتبط بحملة إعلامية وسياسية شاركت فيها الكتل الطائفية الكبرى السنية والشيعية، "تُبَشِع" الطائفية وتندد بمن يروج لها، وتستنكر أي تبشير بها او تحبيذ لمضامينها. واقترنت حملة التبشيع التي تزامنت مع التحضير للانتخابات التشريعية، بإعلان كل الكتل تغيير اسماء ائتلافاتها، واطلاق أسماء "لا دينية عليها" ، وكذا فعلت بعض الأحزاب. وذهب البعض منها الى ابعد من ذلك، حين اختار اسماء "مدنية" او "علمانية" لقوائمها الانتخابية، باستثناء الحزب الإسلامي الذي تمسك باسمه وتمثيله.

وهكذا انبثقت "دولة القانون" من صولة رئيسها، الذي صار "مختاراً" في مرحلة غابت فيها دكاكين المخاتير، ودخلت كتلة "المواطن" لتمثل الوجه الحداثي المدني للمجلس الاعلى الاسلامي، بعد ان افاض زعيمها الشاب في لقاءاته الأسبوعية، بالتأكيد على ضرورة التجديد والتمدين السياسي. وأصبحت "العراقية" مظلة تلملم أغلبية سنية، الى جانب الوفاق والعناصر الليبرالية من الشيعة وغيرهم، وقفز الى الواجهة ابرز رمز طائفي متوتر، خارج اسراب الطائفية، ليؤسس قائمة "تجديد"! وبذلك اكتمل "العرس الوطني" واصبح العراق قاب قوسين او ادنى، من النظام الديمقراطي المتطور، العابر والمستنكر للطائفية وآبائها وأمرائها الشرعيين.
لكن حسابات الحقل لا تتطابق دائماً وحسابات البيدر.

(٤)
لكن ما استجدّ خلال الولاية الثانية للسيد المالكي انقلاب حاد في الوضع على كل المستويات، تراجعت بسببه الحالة الامنية، حيث شهدت البلاد موجة من العمليات الإرهابية، بمعدلاتها وموقعها وتزامنها، تكاد تشبه ما كان يحصل في الاعوام 2005، و2006 و2007 لكنها هذه المرة تهدّد كما تبين مؤشرات دولية موثوقة بانهيار العراق. وعلى صعيد العلاقة بين المكونات وكتلها، انهارت العلاقات وتفرقت القوى، وكادت تدفع احياناً الى شفا المواجهة بالسلاح، كما حصل اثناء التوتر مع اقليم كردستان. وفي مضامير التنمية والاعمار والخدمات، ازدادت الاوضاع سوءاً، وتضاعفت معاناة المواطنين الى اقصى حدودها. وفي ظل الانفراد والتعنت والاستقواء باجهزة الدولة واموالها، بدأت بوادر ومظاهر خطيرة لفرض دكتاتورية مستظلة "زوراً" بالطائفة وتمثيلها والدفاع عن سلطتها. وهي في واقع الحال اصبحت محمية ومسيجة بشبكة الفساد المالي والاداري والمصالح المتبادلة، وتوسيع البيئة المحيطة والحامية لها.

وفي ظل التراجع الأمني الخطير، وامتداد وتعزز الملاذات الآمنة للارهاب في بغداد والمدن الكبرى، استقوت القوات المسلحة بعديد أفرادها وتجهيزاتها، لتشدد قبضتها على المواطنين وحرياتهم، فيما تعجز عن مواجهة الإرهابيين والتصدي لعملياتهم التي تحصد الآلاف شهرياً وتدمر ممتلكات المواطنين، وتبعث الفوضى والقلق الدائمين المصحوبين بترويعهم ودفع الكثرة منهم الى البحث عن ملاذات خارج البلاد.

لقد استطاع المالكي وفريقه خلال فترة قياسية الإجهاز على كل ما امكن إنجازه، على تواضع ما انجز ومحدوديته، وجعل البلاد ومستقبلها في مرمى كل الاحتمالات المفتوحة على الخراب.

وهذا التدهور والانحدار جعلا كثيرين يعتقدون بان الانتخابات القادمة ستشهد نسبة مقاطعة في كل المحافظات، باستثناء كردستان، ومشاركة متدنية بوتائر لم يسبق لها مثيل.

(٥)
وبناءً على التقدير المحتمل بالاعتماد على العزلة المتزايدة للطبقة الحاكمة، والاستبيانات الاولية لاتجاهات العراقيين في الضفتين السنية والشيعية، فان المقاطعة "الجماهيرية" القادمة ستشكل هزيمة فادحة للكتل الحاكمة، اذا ما أُخذ بالدائرة الوطنية الواحدة، ولهذا سوف لن تسمح بامرار القانون اذا تضمنها او ما يقترب منها.

وفي مثل هذا التوازن الذي تهيمن عليه الكتل المستفيدة والمقررة لاتجاهاتها، فان المناورة والتسويات الممكنة، لن تذهب بعيداً عن تطمين قلقها ومخاوفها من اي تعديلٍ يُضعف حظوظها ومقاعدها النيابية. وهي لا تكتفي بذلك بل تروج لإدخال تعديلات تساومية، تُعطّل باعتمادها فوز القوائم الصغيرة والشخصيات المستقلة.

ومن يستطيع التصدي لهذه الارادة المتسلطة الغاشمة، في غياب اصطفاف وطني "نصف طائفي"، او "وطني عالريحة"!؟

(٦)
ليس امام قوى الحراك الشعبي سوى ان ترفع من وتيرة نشاطها في الفترة الممتدة حتى موعد الانتخابات القادمة، لالحاق اكبر قدرٍ من الهزيمة المعنوية والسياسية بالكتل السياسية المراهنة على مواصلة كسر الارادة الشعبية، وفضح فسادها وسرقاتها وتجاوزاتها على الدستور واستهتارها بمصالح المواطنين وامن العراق وسيادته المهددة من الداخل والخارج وتبديد ثروته. ولا بد ان ينال تكتل المالكي وفريقه النصيب الاكبر من الاستهداف، على ان يكون الهدف الحاق اكبر خسارة انتخابية به واظهاره عارياً من اي ادعاء بتمثيل شيعة العراق، ناهيك عن سنته.

وجدير بالمتابعة المناورة الجديدة التي يتوسل المالكي لتوظيفها في التحضير للانتخابات، وذلك باعتماد قوائم صغيرة اخرى خارج دولة القانون طمعاً بالاستفادة منها في ترجيح كفته حتى على مواليه في الدعوة ودولة القانون. واللافت انه يوظف لها الغرض الاقرباء من الاصهار والانسباء وابناء العمومة والخؤولة، ونموذجها ما حصل في انتخابات المحافظات في كربلاء، وبلدات اخرى.

(٧)
ان خياراً متاحاً لإجراء تغييرٍ، قد يكون جزئياً ومحدوداً، مرهونٌ بحكمة وبعد نظر التحالف الكردستاني وقيادته. وهو خيارٌ لا يضعف التحالف ولا يقلل من عدد مقاعده، بل العكس تماماً، اذ يمكن ان يزيد الفرص امام قوى نامية وأحزاب محاصرة بلوثة النزوع الطائفي المؤقت.

هذا الخيار المطلوب تبنّيه من قبل التحالف الكردستاني، هو اطلاق مشروع وطني عراقي، يؤسس لقائمة انتخابية خارج الإقليم تضم مرشحي التحالف الكردستاني في بغداد ومختلف المدن الاخرى، كما تضم كل الكيانات الصغيرة، والشخصيات الديمقراطية، والقومية العربية والليبرالية، ويتقاسم معها الرصيد المبدد في ظل التوازنات المختلة والقانون الانتخابي المزمع امراره والذي يمكن ان يضم الى البرلمان القادم بضعة اصوات وطنية تغرد خارج السرب الطائفي المقيت.

فهل يبادر الكرد الى اطلاق هذا المشروع الوطني، المتواضع بنتائجه، المفتوح على امل مرتجى للعراقيين..؟

انا اتطلع، واحلم، وأتوسم في القيادة الكردية قدراً اكبر من الحكمة، يتجاوز بها الوطنيون خارج الطوائف، الغصة وخيبة الامل والشعور بالخذلان والعزل.


المدى
العدد (2913) 9/10/2013


 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات