| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد 9/1/ 2011

 

العودة الى لينين واللينينية في روسيا
(رؤية من موسكو)

عبدالله حبه

ما زال ينتصب في ساحة اكتيابرسكايا بوسط موسكو تمثال ضخم للينين بينما ينتصب امام مسرح البولشوي النصب الجرانيتي لكارل ماركس.ولا يفكر احد في السلطة الحالية بروسيا في ازالة هذين النصبين وغيرهما في العاصمة والكثير من المدن الروسية. ويرى الكثيرون في روسيا ان الدولة التي أقامها لينين في عام 1917 تتسم بأيجابيات لا يمكن نكرانها ولا بد من رد الاعتبار الى لينين وثورة البلاشفة ان عاجلا او آجلا. فان ثورة اكتوبر قد غيرت مسيرة التأريخ في روسيا كما فعلت ذلك ثورة عام 1879 في فرنسا. ولئن يواصل الفرنسيون الاحتفال بثورتهم بعد اعادة النظر في احداثها ونتائجها واصبح نابليون بطلا قوميا ، فيمكن ان يتم الشئ ذاته في روسيا في اعادة النظر في ثورة اكتوبر ونتائجها وتقييم دور فلاديمير لينين واعتباره بطلا قوميا. ويبدو ان العقود القادمة ستشهد اعادة التقييم هذه. ويشير قادة الحزب الشيوعي الروسي بتفاؤل الى ازدياد عدد الشباب الروس الذين ينضمون الى صفوف الحزب في الاعوام الاخيرة.

لقد كان القرن العشرون زمن الصراع بين الايديولوجيات ونشوب الحروب تحت راية هذه الايديولوجية أو تلك ، مثلما كانت الحروب تشن في الازمان الغابرة تحت شعارات دينية. علما ان غالبية هذه الايديولوجيات كانت ذات طابع قومي كالفاشية والنازية والفصل العنصري والنزعة العسكرية في اليابان. بينما تصدت لها الديمقراطية والاشتراكية – الديمقراطية والنزعة الانسانية والشيوعية. وقد يتساءل البعض عن الاسباب التي جعلت ملايين الناس في اقاليم الامبراطورية الروسية السابقة تدعم النظام السوفيتي الوليد وتجلب النصر على قوى الحرس الابيض والقوات الاجنبية التي حاولت اقتصاع بعض اجزاء البلاد. فنزلت القوات الياباية في ميناء فلاديفوستوك في الشرق الاوسط والقوات الامريكية في ميناء ارخانغلسك والقوات الانجلو – فرنسية في اوديسا ونوفوروسييسك والقرم. لكن جميع هذه القوات دحرت وافلح لينين في بناء الدولة الجديدة – الاتحاد السوفيتي. وكان العديد من المؤرخين السوفيت غالبا ما يكررون بأنه لو بقى لينين على قيد الحياة فترة عشرة اعوام أخرى لكان مستقبل الدولة السوفيتية مختلفا تماما عما آلت اليه الامور بعد تولى ستالين زمام السلطة. ان فكرة لينين بشأن بناء دولة من الشعوب المتآخية والمتساوية في الحقوق جذبت غالبية ابناء الامبراطورية الروسية السابقة في الوقت الذي كانت بريطانيا وفرنسا تواصلان استعمار العديد من بلدان آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية. وتحقق خلال فترة الحكم السوفيتي في دول آسيا الوسطى انتقال المجتمعات من النظام القبلي الى نظام دولة عصرية فيها جامعات واكاديميات علوم ومتاحف وبرلمانات ومؤسسات دولة والمساواة بين الرجل والمرأة. علما انها كانت آنذاك بمستوى افغانستان الآن.ولا يمكن مقارنة الوضع الاجتماعي في افغانستان اليوم بالوضع في كازاخستان او اوزبكستان حاليا. وما كان احد يصدق باحتمال وجود مصنع للطائرات في طشقند او مصنع للسيارات في كازاخستان. ولم يكن لدى بعض شعوب آسيا الوسطى حتى حروف الكتابة. ولربما ان هذه الامور وغيرها تجعل الكثير من المحللين يدعون الى عدم الانقياد الى دعاية القوى اللبرالية الموالية للغرب التي استولت على السطلة في روسيا في عام 1991 و شطبت على جميع منجزات الاتجاد السوفيتي السابق. وبنت كما قال يجور جايدار احد القاد اللبراليين في عهد الرئيس يلتسين " اقتصاد اللصوصية" ونظام المافيات.وفيما يخص العالم الثالث يشار الى دور الاتحاد السوفيتي في دعم الثورات التحررية في الصين واندونيسيا والجزائر واليمن الجنوبي وبلدان امريكا اللاتينية وتصفية الانظمة الاستعمارية لبلدان اوروربا الغربية. وما كان بوسع الكثير من الدول المستقلة حديثا النهوض على قدميها بدون دعم الاتحاد السوفيتي واعتمادا على الافكار التي ارساها لينين في دولته الجديدة . وجرت العادة على تسميتها ب" اللينينية". لكن هذه الافكار سرعان ما تحولت في عام 1923 الى الماركسية – اللينينة التي استغلها النظام البيروقراطي في عهد ستالين من اجل احكام قبضته على السلطة وضمان تلاحم مؤسسات الدولة وتنظيمات الحزب وبهذا تمت تصفية جميع اشكال المعارضة وابداء الرأي الآخر .وعلى الصعيد الدولي حاول ستالين فرض افكاره وسلوكياته على الاحزاب الشيوعية العالمية. وكانت كل محاولة من هذه الاحزاب للخروج من تحت السيطرة الستالينية توصف ب" التحريفية والانتهازية" وهلمجرا(تحضرني بهذه المناسبة قيام جريدة "اتحاد الشعب " لسان حال الحزب الشيوعي العراقي في الستينيات بنشر مقالة صادرة عن الحزب الشيوعي الصيني بعنوان " تحيا اللينينية" تضمنت طرحا جديدا لبناء الاشتراكية في دولة منفردة مع مراعاة الظروف الوطنية.وبعد ان نشر الجزءالاول من المقالة توقفت الصحيفة عن نشر الاجزاء الباقية بعد صدور توجيه من موسكو بأنها " مقالة تحريفية"). وبقيت هذه العقيدة طوال فترة حكم ستالين لكنها بدأت بالافول لدى قدوم خروشوف الى السلطة وخطابه الشهير في المؤتمر العشرين للحزب في عام 1956وجاء من بعده بريجنيف حيث سادت "فترة الركود". وحاول الحزب مواصلة النهج السابق ولكن بدون الزعيم – الفرد لكن هذه المحاولة باءت بالفشل وافرزت " بيريسترويكا " جورباشوف الذي أهمل كل الذخيرة الفكرية لمؤسسي الاشتراكية بحجة التحديث. ويقول بعض المحللين ان الماركسية – اللينينة لا علاقة لها بأسس ومبادئ المشروع الشيوعي الذي دعا اليه ماركس ولينين.

واليوم نسيت الماركسية – اللينينية لكن بقيت الماركسية واللينينية على انفراد . وفي اثناء الازمة المالية العالمية لعام 2009 تهافت الناس على شراء كتب ماركس في اوروبا ومؤلفات لينين في روسيا. وكان هدفهم ايجاد الحلول التي طرحها صاحب " البيان الشيوعي" ومؤسس الدولة السوفيتية من اجل تفادي وقوع الازمات الشاملة في الاقتصاد العالمي. وفعلا استخدمت بعض وسائل النظام الاشتراكي مثل تدخل الدولة في العمليات الاقتصادية الشاملة من اجل الخروج من الازمة المالية او التقليل من اضرارها. وفي الحقيقة ان لينين يعتبر من كبار المصلحين في روسيا مثل الماركيز فيته وستوليبين . ويصفه بعض المؤرخين الروس بانه " بطرس الاكبر " الآخر. فقد عمل على بناء دولة عصرية وطرح شعا را راديكاليا هو " ان الشيوعية هي السلطة السوفيتية مع كهربة جميع البلاد". ومن هذا الشعار بدأ تحويل روسيا من دولة زراعية في الاساس الى دولة صناعية متطورة تحولت بعد الحرب العالمية الى احد القطبين الرئيسيين في العالم.

ويورد الكاتب عمانوئيل فاليرستاين الباحث الاجتماعي من جامعة ييل ست سمات مميزة للينينية هي : اولا - النشاط التطبيقي الرامي الى تولي سلطة الدولة والبقاء فيها. فبدون سلطة الدولة لا يمكن تحقيق أي شئ.وثانيا – تقوية جهاز الدولة حال تولي السلطة واقصاء العناصر غير الموالية منها( حقا ان لينين اشرك عناصر من احزاب وقوى يسارية أخرى في اول حكومة شكلها). ثالثا- بناء هرم السلطة بشكل يضمن سيطرة الحزب الحاكم على كافة اجهزة الدولة في المركز والاقاليم. وكان هذا التوجه مرحليا أملته ظروف الحرب الاهلية والثورة المضادة ، وما كان يعني بقاءه حتى بعد زوال تلك الظروف القاهرة.رابعا – ان هدف الاستيلاء على السلطة هو ليس من جل كسب السلطة بل ان المهمة الرئيسية هي بناء اقتصاد قوي وحديث قادر على المنافسة على الصعيد الدولي.ويجب اخضاع جميع عناصر السلطة الى هذا الهدف بالذات.خامسا – تبقى مكافحة الامبريالية ضمن اولويات الحزب والدولة وتشكل احد أسس اللينينية. وسادسا – ان ممارسات الحزب يجب ان تنطلق من المفاهيم البراجماتية اي مراعاة مصالح البلاد لدى التعامل مع الاوضاع المتغيرة داخليا وخارجيا. وعلى سبيل المثال اعلن لينين في فترة الخراب الاقتصادي بعد الحرب الاهلية السياسة الاقتصادية الجديدة " نيب" التي اطلق فيها الحرية للقطاع الخاص الصغير والمتوسط مما ادى الى انتعاش الوضع الاقتصادي خلال فترة قصيرة جدا. اما على الصعيد الخارجي فقد عقد معاهدة بريست مع المانيا من اجل انهاء الحرب معها واقام علاقات مع فرنسا والمانيا وبريطانيا ادت في نهاية المطاف الى اقامة العلاقات الدبلوماسية معها وغيرها من بلدان العالم. وعموما كانت البراجماتية عنصرا هاما من عناصر اللينينية. ان مؤلفات لينين وافكاره حول بناء الدولة تجعله في مصاف كبارالمصلحين سواء اراد خصومه ذلك ام أبوا. وعندما انهار الاتحاد السوفيتي غدت السلطة الجديدة التي لم تكن لديها ايديولوجية محددة في حيرة من أمرها بشأن التعامل مع رجل يجسد الذاكرة التأريخية للشعب. ولم يجرأ يلتسين ومن جاء بعده على أغلاق ضريح لينين في الساحة الحمراء حيث ما زال طابور الراغبين في زيارته يشاهد خلال الساعات المقررة لهذه الزيارة. والمسألة لا تكمن في معارضة الشيوعيين لذلك بل في ان توجه الرأي العام الروسي ما برح يميل الى تمجيد شخصية لينين.هذا بالرغم من ان وسائل الاعلام اللبرالية تطرح بين حين وآخر موضوع دفن جثمان لينين في قبر الى جانب قبر والدته تنفيذا لوصية مزعومة .

ان المسألة حول الموقف من لينين في روسيا اليوم لا تتعلق بإيجابياته وسلبياته بل في ان الاحداث والشخصيات الكبيرة تبقى في ذاكرة التأريخ لدى الشعوب كافة.وربما ان الكتب المدرسية اليوم لا تبرز شخصية لينين كما ينبغي ، لكن ستمر عدة عقود من السنين تتم فيها اعادة كتابة هذه الكتب. وقد احتاج الفرنسيون الى قرنين من الزمان من اجل اعادة تقييم الثورة الفرنسية الكبرى واحداثها الدامية وفترة حكم نابليون. ولن ينسى احد ان لينين حافظ على وحدة اراضي البلاد من الانقسام الذي وقع لاحقا في فترة حكم جورباتشوف ،وطرد الغزاة الاجانب منها في فترة الحرب الاهلية. وسينسى المؤرخون جميع الاحداث المأساوية التي رافقت الثورة البلشفية وسيتذكرون فقط النهضة الصناعية الى ارسى اساسها وبناء جيش قوي والنهضة العلمية والثقافية. وسترتبط بأسم لينين منجزات الثقافة السوفيتية التي افرزت الكتاب شولوخوف وبولغاكوف وماياكوفسكي ويسينين والموسيقيين بروكوفييف وخاتشارتوريان وشوستاكوفيتش وراقصات الباليه جالينا اولانوفا ومايا بليسيتسكايا ومكسيموفا والعشرات غيرهم الذين لم يظهر امثالهم خلال عشرين عاما من زوال الاتحاد السوفيتي . كما نجح لينين في اقامة دولة خلت من الانقسامات الاثنية والعرقية ، ولم تبرز الحركات الانفصالية في ابخازيا والشيشان ومولودفيا والجماعات القومية المتطرفة والدعوة الى اقامة " دولة الخلافة الاسلامية" المتطرفة في آسيا الوسطى الا بعد انهيار الدولة التي أسسها لينين. ناهيك الحديث عن انحسار الحركة الشيوعية والحركات الاشتراكية العالمية التي كانت تؤثر في سياسات بلدان كثيرة، وذلك بسبب فقدان دعم الاتحاد السوفيتي لها.ان اضرابات العمال والعاملين في اليونان وفرنسا وبريطانيا والمانيا وامريكا اليوم للمطالبة بالحقوق الاجتماعية والمعيشية تعيد الى الاذهان ما دعا اليه لينين بشأن تضامن الشغيلة وتشكيل جبهة عالمية للنضال ضد سيطرة اقطاب الراسمال والطغمة الاوليجاركية.
 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات