| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأربعاء 9/2/ 2011

     

يقظة الشعوب لا ترحم الطغاة

عبد الجبار الجبوري
abduljabar1932@gmail.com

بو عزيزي شاب بسيط من الطبقة المسحوقة في تونس لديه عربة من الخشب يستعملها لبيع الخضار والعيش منها بشرف دون مستوى خط الفقر غير انه غني بكرامته واعتزازه بنفسه. ولكن النظام الديكتاتوري التونسي لم يتسع لهذا الشاب المطوي في زوايا النسيان ولا لعربته الخشبية البسيطة فضايقه وطارده وحاربه في رزقه البسيط وحين احتج وجه له احد جلاوزة النظام صفعة على وجهه. فثارت لديه كوامن تراكمات الظلم وخطوط الكرامة الحمراء التي وضعها لشخصيته البسيطة وأراد أن ينتقم لكرامته وعزته ولكنه لم يتمكن من غريمه لأنه يمثل النظام بكل جبروته وطغيانه الذي قد ينتقم من عائلته بعد تصفيته فقرر الانتقام لنفسه من نفسه فأحرقها ودفع حياته ثمناً لكرامته.

وحينئذٍ دخل بو عزيزي التاريخ من أوسع أبوابه بعد مماته وهو الذي ما كان يفقه في حياته دخول التاريخ لا من أوسع أبوابه ولا من أضيق أبوابه ولا حتى من الشباك. ولكن الصفعة التي وجهت له وأدت الى استشهاده ألهبت حماس الجماهير وأدلعت نيران الثورة في تونس وأدت الى هرب رأس النظام وسقوط نظامه الذي كان متداعياً وابتدأ تثبيت أسس الديمقراطية الصحيحة في تونس. وتعدى استشهاد بو عزيزي حدود تونس وأيقظ الشعوب العربية من سباتها وهز عروش الديكتاتوريات المعشقة والتي احتقرت شعوبها وتمكنت من ترويعها ووضعها في بوتقة مظلمة. وانتشرت رياح التغيير انتشار النار في الهشيم فمصر تنطلق بما يشبه الثورة والجزائر ومراكش واليمن والسودان وموريتانيا وغيرها تغلي شعوبها غليان الماء في المرجل قبل الانفجار.

والطغاة الذين رقدوا على صدور شعوبهم عقوداً من الزمن مصادرين حرياتهم ناهبين خيرات بلدانهم مكرسين الفساد المالي والإداري لحساب طبقات مترفة غاية الترف على حساب شعوب مسحوقة تتضور جوعاً استيقظوا على حدوث تيار جارف يشبه الطوفان يكاد يكتسحهم بأمواج فوق ما كانوا يتصورون. فانطلقوا يرقعون أنظمتهم المهلهلة ويطلقون التصريحات المتملقة لشعوبهم والوعود الكاذبة بالتغيير نحو الديمقراطية ومكافحة الفساد أو عدم التشبث بالسلطة والإصلاحات السياسية والتداول السلمي للسلطة لامتصاص نقمة الشعوب وتقليل سرعة التيار الجارف قبل أن يجرفهم وأصبح شبح بو عزيزي طوطماً يقض مضاجعهم في اليقظة والمنام.
هذه حال الحكام العرب التي وصلوا إليها بعد عقود من الالتصاق بكراسي الحكم بشتى الأساليب والاحتماء وراء الكثير من السواتر كالدين والقومية والاشتراكية والديمقراطية المزيفة.

وفي العراق الجديد على رموز حكومته الفتية أن يعوا الدرس ويتحاشوا رياح التغيير لا أن يبتدئوا من حيث انتهى الآخرون. ففي المجال السياسي جرى تحجيم واستبعاد القوائم الصغيرة بالاستحواذ على أصواتها واقتسامها بين القوى المسيطرة على المشهد السياسي والاحتماء وراء مفاهيم مذهبية أو قومية وتأليف حكومة الشراكة بعيداً عن حكومة الوحدة الوطنية وشتان بين الحكومتين فالشراكة تعني اقتسام الغنائم بين شركاء محددين بينما حكومة الوحدة الوطنية تعني اشتراك جميع أطراف الطبق السياسي فيها. ويجري تكريس الفكر المسيطر بصورة شبه قسرية على جميع طوائف المجتمع العراقي. وفي المجال الاقتصادي تقنن الفوارق التي لا يتصورها العقل بين الرواتب العليا والدنيا اضافة للفروق غير المعقولة بين الرواتب التقاعدية مع إسقاط شرط مدة الخدمة والمكاسب الأخرى تحت أبواب شتى، اضافة الى الهجمة الشرسة التي يشنها الفساد المالي والإداري بإسناد من بعض القوى المتنفذة وتحت خيمتها وحمايتها مما خلق طبقة مترفة غاية الترف بزمن قياسي بجانب طبقات مسحوقة وانعدام الخدمات مقابل تخصيصات خيالية للنهوض بها.

هذه كلها تمثل منخفضات جوية لاستقبال أعاصير التغيير فعلى ذوي الشأن اتقائها قبل فوات الأوان.
 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات