| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد 9/5/ 2010

 

الآثار القانونية والسياسية لقاعدة الكتلة النيابية الاكثر عددا في الدستور العراقي

د.عبد المنعم عنوز *

من اوليات النظم الدستورية التي ترمي الى بناء دولة ديمقراطية هو اعتماد مبدأ الفصل التام بين السلطات . ولكن عند الاطلاع على احكام الدستور العراقي الجديد، نجد ان فقه المشرع العراقي اخذ بمبدأ التداخل النسبي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في القواعد التي تحكم النظام البرلماني للدولة العراقية في ظل الدستور الجديد.

ولاشك ان هذا الاتجاه يفترق كثيرا عن النظام الرئاسي الذي تتمتع فيه كل من السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية بالاستقلالية التامة في اداء كل منهما لسلطاتها التي حددها الدستور .

لقد اعتمدت قواعد  النظام البرلماني العراقي في نص الفقرة اولا من المادة 73 مفهوم الكتلة النيابية الاكثر عددا. وبهذا المبدأ فانه منحها سلطة التحكم في تقرير مضمون فلسفة الدولة في اطار التشريع وممارسة الرقابة وتحديد مراجع تطبيقها. اضف الى ذلك هوحق الكتلة الاكبر عددا ان تقرر تحديد معالم اركان السلطة التنفيذية واختيار رئيس واعضاء الحكومة لها وكذلك تحديد آليات تنفيذ برنامج عملها بشكل مباشر او غير مباشر.

اذا كان الامر كذلك، فلابد من معرفة ما يترتب على هذه القاعدة من نتائج وآثار قانونية في ادارة وبناء مؤسسات الدولة بكافة انواعها؟

ولكن عندما تحاول الكتلة النيابية الاكثر عددا انفرادها في اتخاذ القرارات البرلمانية، كيف يمكن تحقيق التوازن السياسي في ادارة الدولة وضمان استقرارها، وخاصة بوجود تعدد الكتل النيابية الاخرى وتنوع الواقع الاديولوجي لكل منها؟ لابد اذاً في البحث عن تفسير موضوعي وحل ملائم يدعم بناء الدولة العراقية بامن وسلام دون ان تتعرض الى ازمات تؤثر سلبيا على العملية السياسية.

ان مضمون الفقرة اولا من المادة 73 من الدستور يقضي بان يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الاكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء، وعلى رئيس هذا المجلس، كما جاء في نص الفقرة ثانيا من المادة ذاتها، عليه تسمية اعضاء وزارته ،..... . وهذا يعني من حيث صراحة النص بان الكتلة التي لا تتمتع بالاغلبية في البرلمان لا تلزم رئيس الجمهورية تكليفها بتشكيل مجلس الوزراء. وكما تقول القاعدة الفقهية بانه لا اجتهاد في معرض النص. والسؤال هو لماذا اعتمد المشرع مثل هذه القاعدة الدستورية؟

اذا دققنا في مضمون هذا المبدأ ، نجد ان  المشرع العراقي اراد تحقيق الضمانات اللازمة في تهيئة السلطة التنفيذية وتشكيلها دون تأخير او معوقات يفرضها احيانا واقع تعدد الكتل في النظام السياسي الحديث للدولة العراقية. وقد يكون تطبيق هذا المبدأ اكثر وضوحا عند قراءتنا للفقرة رابعا من المادة 73 والتي تنص بان ( يعرض رئيس مجلس الوزراء المكلف ، اسماء اعضاء وزارته والمنهاج الوزاري على مجلس النواب ، ويعد حائزا ثقتها عند الموافقة على الوزراء منفردين، والمنهاج الوزاري ، بالاغلبية المطلقة ). وهذا يعني ان مجلس الوزراء لن يتشكل الا بعد ضمان تحقيق الاغلبية البرلمانية التي تمنحه ثقتها. وفي المفهوم المقابل فانه لا جدوى من تكليف الكتلة التي تفتقر الى العدد الذي حدده الدستور بتحقق الاغلبية لغرض تشكيل الحكومة، ولا ينفع ان حققت كتلة ما اكثر الاصوات عددا في التصويت النيابي العام لانها لا تتمكن بالنتيجة من تأمين الاغلبية عند اجراء التصويت من قبل الكتل السياسية الاخرى ان هي في تضاد معها.

ان هذا الحكم لا يتعلق فقط في ضوابط تشكيل الحكومة ، وانما يسري ايضا عند التدقيق في مبدأ ممارسة صلاحيات مجلس الوزراء. انها تفترض في جانب مهم منها ، موافقة البرلمان وبالاغلبية دائما. فهنالك ما جاء في نص الفقرة ثانيا من المادة 77 بان لمجلس الوزراء صلاحية اقتراع مشروعات القوانين ، وكذلك ما جاء في نص الفقرة سادسا من هذه المادة التي تجيز لمجلس الوزراء التفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وهي بالتالي لا يمكن انجازها واعتمادها دون ان تكتسب موافقة الاغلبية البرلمانية لحاجة البرلمان التصويت عليها، للموافقة على الالتزام بها ونفاذها تجاه مؤسسات الدولة .

 ان تخلف هذه الاخيرة يعيق عمل الدولة، اوامكانية تنفيذ سياساتها الداخلية او الدولية . وهذا الحال يتعارض مع المنطق العام لروح الدستور الذي يفترض في تقنينه ان يوفر الآليات المناسبة والمقبولة موضوعيا عند التطبيق مع الزامية النفاذ دون معوقات برلمانية بسبب عدم توفرالاغلبية اللازمة.

ومن ناحية اخرى، كيف يمكن ان يمارس مجلس النواب سلطاته التشريعية والرقابية دون ان تتوفر لديه الكتلة النيابية الاكثر عددا لاتخاذ القرارات أوالموافقة على مشروعات القوانين التي تعدها اللجان البرلمانية المختصة أو من هي خارج البرلمان ان طلب ذلك ؟  وكما نصت عليه الفقرة اولا من المادة 57 بان ( تتخذ القرارات في جلسات مجلس النواب بالاغلبية البسيطة بعد تحقق النصاب – بحضور الاغلبية المطلقة - ، مالم يتم على خلاف ذلك. وغرض ذلك هو ان لا تبقى اعمال البرلمان تدور  في حلقة من النقاشات والتصويت المتكرر يصعب معها انجاز مهامه الاساسية التي اقرها الدستور.

ولمجلس البرلمان صلاحيات واسعة اخرى تستلزم تحقق الاغلبية  في انجازها، ومن اهمها ما جاء في الفقرة ثامنا من نص المادة 58 حيث لمجلس النواب صلاحية سحب الثقة من احد الوزراء ، وله ايضا سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء.فمن غير الجائز غياب الكتلة النيابية الاكثر عددا لضمان ممارسة صلاحياته التي قررها الدستور وتطبيق سيطرته الرقابية التي قد ينتج عنها طلب اقالة  اي عضو في الحكومة  تثبت الادلة عدم كفاءته او نزاهته في ممارسة سلطاته.

تبقى اذن قاعدة الكتلة النيابية الاكثر عددا ملزمة لغرض سير اعمال السلطة التشريعية، ولكن كيف يمكن من خلال هذه القاعدة تحقيق التوازن السياسي في مجمل العملية السياسية وتامين تفاعل كافة اطرافها الاساسيين؟

نعلم ان موضوع التوازن السياسي في البرلمانات الديمقراطية يجد مقوماته الاولية في حضور كتلتين كبيرتين يمكن لاي منهما ان تشكل الكتلة النيابية الاكثر عددا في البرلمان، بعد ان تندمج معها الكتل الصغيرة. والملاحظ ان الكتلة الكبيرة تتسابق في كسب تأييد وثقة الناخبين من خلال مضمون المنهج السياسي والحكومي للمرحلة القادمة. وهذا هو واقع الحال في فرنسا حيث تجد كثير من الناخبين يتنقلون في تأييدهم بين الكتلتين الكبيرتين طبقا لقناعاتهم الذاتية المستقلة التي سيفرز عنها هوية الكتلة الفائزة. وطبيعة الاختيار لدى الناخبين هنا لن تكون متأثرة الا بمضمون البرنامج الذي تتقدم به الكتلة او القائمة، لانها تعتبران ذلك المنهج يمثل مشروع وطني ملائم للفترة الراهنة ، ولا يمثل مصلحة خاصة بالحزب سواء من اليمين أو اليسار.

ان خلاف هذا الواقع يؤدي بالنتيجة الى عدم ضمان الاستمرار لاي كتلة منهما في الفوز الدائم، لان ما يقرر ديمومته هو فاعلية المنهاج الحكومي المعلن عنه وما يتحقق في التطبيق وقياس ذلك عند نهاية الدورة الانتخابية. ومن مزايا هذا الواقع البرلماني ايضا هو ان يتمتع البرلمان بكتلة معارضة قوية تحد كثيرا من  مساوئ ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية من قبل كتلة الاغلبية.

السؤال هو الى اي مدى يقترب واقع الكتل السياسية العراقية  وناخبيها من هذه المدرسة البرلمانية ؟

من حيث الشكل، فرزت الدورة الانتخابية الحالية من حيث العدد اربع كتل رئيسية متنافسة في النتائج التي حققتها رغم وجود التباين النسبي في عدد المقاعد المتحققة لكل واحدة منهما. الا ان اي كتلة منفردة لا يمكن ان تقود البرلمان أو الحكومة لعدم تحقق الاغلبية الاكثر عددا في مقاعدها البرلمانية للاسباب التي تم ذكرها سابقا.

عند ذلك يكون مبدأ الاندماج بين اكثر من كتلة ضرورة تفرض عليهم شروطها ونوع القواعد التي ستحكم  سلوكها مجتمعة. ولكن ماهو معيار الاندماج بين هذه الكتل ، وكيف يفرض اثره في انجاز التوازن لمجمل العملية السياسية؟

ان اهم ما يجمع الكتل للتحالف هو ان تتفق على برنامج عمل ينسجم مع مستلزمات العملية السياسية بشروطها الجديدة التي يحكمها الدستور. على كتلة الاغلبية اذن ان تبتعد نهائيا عن كافة واقع نشأتها الخاص بها، وان تكون عناصر منهاجها لادارة الدولة  يتناول مشروع وطني مضمونه لا يقف عند حدود شريحة اجتماعية معينه ، انما يعبر عن مرحلة متقدمة من الضوابط والمشاريع الانسانية والاقتصادية اللازمة لبناء المواطن والدولة العراقية للمرحلة المقبلة.

ان ما يؤكد فاعلية وجدوى المنهاج الجديد للكتلة المكلفة بقيادة مؤسسة الدولة هو نوع ومستوى آليات التنفيذ البشرية والمادية. ومن خلال ذلك يمكن ان يتحقق التوازن السياسي عندما يتحقق الشرطين التاليين:

الشرط الاول، هو انتقاء اصحاب الخبرة والاختصاص لادارة مؤسسات الدولة بعيدا عن معيار الانتماء الى تلك الكتلة او غيرها. فعندما نتحدث عن مشروع وطني فانه يعبر عن حاجته لكل من هوقادر ومؤهل لهذا الواجب ويتحمل المسئولية بامانة . وينطبق ذلك على جميع اطراف الكتل السياسية او الكفاءات المستقلة. وعندها تنتفي الحاجة لاطلاق مفهوم الشراكة المعلنة سياسيا في ادارة الدولة.

الشرط الثاني، هو ان تخضع آليات الاختيار لاعضاء الحكومة طليقة غير مقيدة لتقدير رئيسها . وهذا الشرط يفيد باعطاء الحجة القانونية للرقابة والمحاسبة من قبل البرلمان عند التقصير او الاهمال في تنفيذ برنامج الحكومة.

انه المعيار الوحيد الذي بموجبه يتم تقدير كفاءة رئيس الحكومة عند منحه صلاحية تعديل وزارته بشكل مستقل دون تدخل من قبل الكتل، مهما كان موقعها وحجمها في الدورة الانتخابية. وبهذا الشرط نضع حدا لواقع المحاصصة  الذي طغى على الفترة الانتخابية الماضية.

ان كل ما تقدم يمكن ان ينتج بعض مستلزمات التوازن السياسي بين كافة اطراف العملية السياسية، والذي نرى بالاضافة اليه، هوان جانب من الكتل البرلمانية عليها مهمات وطنية يجب ممارستها حينما تعبر عن قوة معارضة فاعلة وترتقي الى مستوى الرقابة الموضوعية لاداء مؤسسات الدولة كافة . وهذا الفعل سيمنحها القدرة والاهلية لتقدير المراقبين لها ......

 

 6 مارس 2010


*
دكتوراه في القانون
 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات