| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

السبت 9/1/ 2010



الناصرية (الله بالخير)
(2)

كمال خريش - هولندا

حايط صادق مكي
الاعلان عن المتوفي في الصحف حالة لم يألفها العراقيون وقد كانت محدوده بين الاثرياء والوجهاء حيث يعلن عن المتوفي في الصحف الرسمية وعلى هذا الاساس يحضر لقراءة الفاتحة كل من يسمع بالخبر وتبطل حجته بعدم سماعه الخبر . كما ان الاعلان في الصحف نوع من الوجاهة بحيث كلما كان اكبر يدل على ان المتوفي صاحب حضوة وجاه .

في الحرب العراقية الايرانية بدأت اولى بوادر الاعلانات عن الشهداء في الحرب وبدايتها كانت باللون الابيض على قطعة سوداء وبعدها تفنن الخطاطون فمنهم من يكتب باللون الاحمر والاصفر والاخضر والوان فسفورية مشعة وهكذا إمتلأت جدران المدينة في فترة قصيرة وبعد فترة يبهت لون القماش بعد ان تشويه الشمس وبذلك تتميز اللافتات القديمة من الجديدة وهكذا يعرف الشهيد القديم من الشهيد الجديد. وكان اكثر الجدران اثارة جدار (صادق مكي) الواقع خلف تمثال الحبوبي بأمتار قليلة الذي اصبح مقياس الناس لمعرفة سير المعارك على الجبهة . فبعد كل هجوم يمتلئ الجدار باللافتات السوداء وينخفض مستواها بعد ايام . وكان الجدار دائما يخالف مايذاع في بيانات القيادة العامة للقوات المسلحة ويكشف زيف ارقامهم .

الحرب استمرت واكتشف مالك الدار اهمية موقعه التجاري لعرض الاعلانات فقد حدد سعر العرض للافتة التجارية اخذا بعين الاعتبار حجم اللافتة وفترة عرضها اما لافتات الشهداء فمجانا وبذلك اختلطت الاعلانات بلافتات الشهداء فتجد لافتة تعلن عن تصوير اعراس وافتتاح محل جديد وبجانبها لافتة لشاب بعمر الزهور سقط في احدى المعارك .

كنت اعود من جبهات القتال واقف اتأمل الاسماء على الجدار وفي كل مرة اشاهد لافتة لصديق او زميل دراسة وهكذا ومرات عديدة كنا نقف انا وصديقي العزيز (سمير هامش) وعندما لا اتذكر احد الشهداء يذكرني به . كان لحسن حظي ان تترافق اجازتي معه . وفي احدى اجازاتي وفي اخر يوم اصبح لزاما ان التحق وطلب مني ان يودعني الى كراج الشطرة وكانت وحدتي في (زرباطيه ) ودعته وبقي واقفاً ينظر الي وبعد ذلك صعد الى السيارة وجلس بقربي فقلت ماذا تريد ؟ قال سأوصلك الى الكوت وضحكنا كثيرا حتى دمعت عيوننا . في الكوت ودعته على امل ان نلتقي في الاجازة القادمة .

بعد شهر عدت الى المدينة وكان سمير مجرد لافتة على (حايط صادق مكي).
امام الجدار وقفت تطاير الدمع من عيني وشعرت بأني سأنفجر . كانت لافتة سمير وحيدة بين لافتات الاعراس والمناسبات فقد قتل اثر سقوط قنبرة هاون ولم يكن هناك هجوم ليلتها لم انم وبقيت ساهما وفي مخيلتي جدار صادق مكي وسمير يهبط منه ويمسك بيدي ويأخذني في شارع عكد الهوى شارع نزهتنا المفضل .

في عام 2008 مررت بالجدار وكعادته كان حزينا هرما وتحته شباب يفترشون الرصيف ويعرضون بضائعهم المستوردة .هكذا شبابنا لافتات على جدار او باعة تحت الجدار.

رحم الله سمير وكل الشهداء


ملاحظة : هذه اللوحة اصبحت غلاف لديوان شعر





 

free web counter

 

أرشيف المقالات