| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

                                                             السبت 9/2/ 2013

 

رسم صورة للزعيم

عبد القادر البصري

لا أدري لم عكفت تلك الليلة على الرسم ، وبالذات رسم صورة للزعيم عبد الكريم قاسم فبعد عدة محاولات فاشلة ، تصورت بأن الذي كان هو الزعيم ولكنه في الحقيقة كان شخصٌ قريب الملامح من الزعيم ... تلك الليلة كانت ليلة  الثامن من شباط 1963 .. وكنت صغيرا في المدرسة الإبتدائية وكنا في عطلة نصف السنة . .

بعد أن أنهيت الرسم علقت الصورة على الحائط عند صندوق خشبي  وهو بالمناسبة من صناديق الفاكهة تلك الأيام .. حورته ليكون بمثابة (مكتبة) لكتبي المدرسيه ..

علقت الرسم وكنت فرحا  بعد هذا الإنجاز الكبير بالنسبة لطفل صغير، ثم نمت على أمل أن أصبح على الزعيم ولم أكن أعلم بان الصورة ستزال من على الجدار اليوم التالي .. يوم الثامن من شباط الأسود حيث وقع الإنقلاب البعثي الفاشي ولم تجد صورة الزعيم التي أصبحت مصدر خطر على العائلة مكانا لها الإ في قلبي الصغير وقلوب كثير من الناس الذين وجدوا في حب الزعيم شيئا مهما لهم .

الساعة الثامنة من صباح الجمعة 8 .2. 1963 قطع البث التلفزيوني وبثت أناشيد الإنقلابيين وبالاخص نشيد .. الله وأكبر ..

خرج الناس إلى الشوارع لمعرفة ما يجري قال أحدهم بأن الزعيم سوف يخطب في التلفزيون وفعلا كانت صورة الزعيم للحظات قليلة تعرض في التلفزيون ثم انقطع البث ليعلن بعدها الإنقلابيون سيطرتهم على السلطة ..

الجماهير التي خرجت إلى الشوارع كانت في حالة من الغليان والحيرة وهي تهتف بحياة الزعيم والموت للإنقلابيين ، رأيت شخصا يخطب في حشد من الناس ، وقد حمله البعض على أكتافهم ، لم أكن أعرف من هم هؤلاء ولكن قيل بأنهم الشيوعيون ..   

كان الشخص يخطب بحماس والناس ترفع القبضات  والأنظار والأسماع كانت مركزة على حركات جسده وقسمات وجهه وتعبيراته وكان صوته الجهوري يدعو إلى الإنتباه بشدة .. تعالى الهتاف والتصفيق  وطلب التسلح لمقاومة الإنقلاب.. وكنت حينها لا افهم سوى ان هؤلاء سيسحقون الإنقلابيين ويدافعون عن الزعيم . .

كانت الجماهير الغفيرة تقف على جانبي شارع الكفاح (غازي سابقا) حيث جاءت الدبابات وقد الصقت عليها صورا للزعيم عبد الكريم قاسم .. صفقت الجماهير للدبابات ظنا منها أن هذه ستقوم بالدفاع عن الزعيم ، ولكن تلك الصور الملصقة على الدبابات لم تكن سوى خدعة قام بها الإنقلابيون لتجنب  غضب الجماهير وانتقامها أو على الاقل تحاشي عرقلة الوصول إلى باب المعظم حيث وزارة الدفاع مقر الزعيم .

كانت الأحداث في ذلك اليوم تتوالى مسرعة والناس في ترقب وقلق هائلين  .. الإنقلابيون بدأوا بالسيطرة شيئا فشيئا .. كانت هناك طائرتان  حربيتان تقصفان وزارة الدفاع وبدأت أصوات الطلقات ورشاقات الرشاشات ودوي القنابل تمزق السكون .

كان الإنقلابيون قد سيطروا تماما على محطة الإذاعة وبدأوا ببث الأناشيد المصريه وبالأخص نشيد الله وأكبر .. الذي ترك أثرا سيئا جدا في النفس وحتى هذا اليوم ، وبين الفينة والفينة كان صوت المذيع الكريه يخرج علينا بالتحذير والوعيد وبشحذ همم الإنقلابيين.

كانت أمي قلقة وخائفة جدا علينا وبالأخص أخي الأكبر العسكري الشيوعي ، وهي مثل كثير من الناس تحب الزعيم ولا تريد له أن يُقتل أو يصاب بمكروه ، لان قاسم كان بنظر غالبية الناس زعيما وأبا ونصيرا للمعدمين والفقراء .

كان صوت الطلقات المنطلقة من الدبابات وهي تقصف منطقة حي الأكراد ومناطق أخرى في شارع الكفاح .. كما أن إعلان منع التجوال لم يمنع المقاومين من الخروج وتنظيم أنفسهم من أجل التصدي للإنقلاب .. ولكن الكفة كانت تميل للإنقلابيين حيث  لديهم السلاح والعتاد والآليات ، أضف الى ذلك إنحياز بعض الضباط الذين وجدوا مصلحتهم مع الإنقلاب .. وتصفية كبار الضباط المخلصين لثورة تموز ومنهم الشهيد جلال الأوقاتي قائد القوة الجوية .

مر الوقت ثقيلا ذلك اليوم وقد خيم الرعب والخوف والترقب على أحياء كثيرة في بغداد وكانت أزقة محلة أبو سيفين حيث نسكن قد  بدت خالية ومخيفة .. ولكن رشقات الرصاص ودوي القصف كان لا يزال يُسمع من  حين إلى أخر.. جاء المساء كئيبا معتما ، وتبعه ليل لم يستطع أغلب الناس النوم فيه حتى اليوم التالي التاسع من شباط الأسود.. حيث عرض الإنقلابيون القتلة شريطا لأعدام الزعيم الشهيد ورفاقه الشهداء  فاضل عباس المهداوي وطه الشيخ احمد وكنعان خليل حداد في مقر الإذاعة ..

والذي آلمنا كثيرا وحز في نفوسنا قيام أحد السفلة المنحطين بالامساك بخصلة رأس الزعيم والبصاق عليه.. الموقف الذي لا ينسى أبدا . هذا مرور سريع على ذلك الحدث المشؤوم ، واليوم وبعد خمسين عاما على انقلاب البعث الفاشي في شباط الأسود الذي كان البداية لتراجع مشروع النهضة في العراق وأسس لأغلب ما نمر به اليوم من مآسي ودمار .. نقول المجد والخلود للشهداء الابرار والخزي والعار للقتلة الفاشيست.....

 

8.2.2013

 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات