| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأربعاء 9/1/ 2013



افتتاحية المدى

دولة الملاذات الآمنة والفصل الطائفي: الحواشي الرخوة.. وإحداثيات التآمر على العراق

فخري كريم 

انقلب الربيع العربي على الأكثرية الصامتة التي نهضت من سباتها التاريخي واكتسحت دولاً شمولية - دكتاتورية ، فتمخضّ التغيير عن أنظمة "إخوانية - سلفية" تنذر بويلات استبدادية قد تتفوق على الحكام الذين رحلوا والأنظمة التي سقطت "شكلاً" وكيّفَت نفسها لتكون في خدمة الحكام الجدد. والتكيّف هذه المرة لا يتطلب "تدوير" اللسان ليلهج بالمديح المنافق، بل يحتاج إلى "مكياج" بسيط لا يتعدى إطالة اللِحى أو إطلاقها لمن لم يكن قد احتاط سلفاً لمثل هذا اليوم، فنفشها قليلاً، بالإضافة إلى "بصلتين" حاميتين لتظهير "ختم التعبد" المُرائي.
والغريب أن يأتي هذا الختم متطابقاً من حيث المواصفات "حتى الآن" على الأقل، بين الطائفتين الشيعية والسنية، وكذلك بين الإخوان والسلفيين والجماعات الإسلامية الأخرى بمختلف مشاربهم وأهوائهم ومراجعهم الماورائية. وبهذا المعنى فإن المسلمين من جميع الطوائف يمكنهم " تأكيد وحدتهم" ولو من خلال "ختم التعبد" هذا لوحده، باعتباره جامع شملهم، والرد به على المتخرصين الذين يعيّرونهم بالفرقة والانقسام، والتوزع بين طوائف ومذاهب.
ورغم قصر الفترة الزمنية التي مضت على وصول فرق الإسلام السياسي، الإخواني في مصر ، والخليط في تونس، و"اللاهوية له" بعد في بلدان أخرى، فان خارطة حركة تيار الإسلام السياسي للتوسع والتمدد باتت مكشوفة إلى حد كبير. والخطورة لا تكمن في " قوة اندفاع " هذه الفصائل ذاتياً، بل في ديناميكية الدعم العربي والاقليمي لها، المالي واللوجستي والإعلامي الفعال. وطبيعة هذه " الخارطة " ومنطلقاتها وأهدافها ، في الظرف الراهن الملموس ، من حيث القوى والهوية ، انما هي "سياطائفية " بامتياز.
وقد اظهرت الخلايا الاخوانية المصرية "النائمة" في الإمارات التي كشفتها المخابرات الاماراتية - السعودية، ان الخطط المرسومة للتمدد لا تستهدف الأهداف المباشرة فقط، بل تعمل على ايجاد حاضنات تشكل نقاط وثوب مؤثرة ، تصلح لإبعاد شبهة المضامين الطائفية لها، مع انها في الجوهر تتعامل " ككاشفات " وخطوط هجومٍ امامية لما ترى فيه مقاربات مع الهدف الاساسي. وبهذه الحركة الالتفافية سياسياً تحقق لنفسها بيئة لوجستية أكثر نفاذاً وفعالية. إن محاولة تغيير الانظمة الخليجية يراد منها تحقيق هدفين مترابطين، الاستقواء السياسي بالتمدد، وذلك بإنهاء ما يسمى بالوسطية الإسلامية في السياسة وفي إدارة الحكم وهي السائدة في بلدان الخليج باستثناء السعودية، وتصفية بؤر المرجعيات الدينية الوسطية، كما الجاري الآن في التعاطي مع مرجعية الأزهر، والسعي لاضعافها والتمهيد لإنهاء دورها، لتكريس دور المرجعيات الإخوانية والسلفية، الطائفية المغرقة في التطرف والغلو.
وكما خططت لجنة حكماء الأطلسي، فان الادوار في احتواء التحركات والانتفاضات التي تندلع في بلدان الشرق الاوسط، تقع على عاتق الدولة العضو الأقرب الى الحدث، لكن هذا العامل المطلوب بات ثانوياً في المرحلة الأولى، بعد ان أصبح العراق بطبيعته التكوينية وبالنهج السياسي والسلوكيات الفردية المغامرة المنفلتة لسلطته السياسية، "بيئة رخوة" ملائمة للنفاذ إليها وتحويلها الى ساحة مفتوحة للصراع والمواجهة على الهوية السياطائفية. ونجاح هذا الهدف ليس مرتبطاً بما يجري تسويقه من تآمر خارجي، بل بالبيئة السياسية التي يجري خلقها بحماقة وقلة دراية وعمى بصيرة، والتي من شأنها تشجيع النزعات التي ترى فيما يجري داخل الحدود العراقية من تداعيات، استدعاءً لها للتدخل ومد يد العون لامتداداتها "شبه النائمة". وينبغي ان تثير المظاهر المباشرة لهذا "الاستدعاء السياسي" الهادف لخلط الأوراق، قلقاً بالغاً بين جميع مكونات العملية السياسية والحاكمين منهم بالدرجة الخاصة، على ان يجري الحذر من معالجة الاحتقان الداخلي والحراك الشعبي المتفاقم ، خارج ظروفه وبمعزلٍ عن الأسباب والعوامل المحركة له، وهي عوامل وأسباب تتعلق بما آلت إليه الأوضاع المتردية في البلاد والاستهتار بالمصالح الوطنية العليا، والسلوكيات المتحكمة بالقرار السياسي التي دفعت باتجاه فك الروابط السياسية التي شكلت قاعدة للعملية السياسية الديمقراطية. ان رخاوة الوضع السياسي وتآكل الحياة السياسية يشجع كل القوى الطامعة للإجهاز على التجربة العراقية الهشة. لكن مثل هذه القوى، كما تؤكد التجربة، هي اضعف من تحقيق هدفها، دون تامين المناخ الداخلي المناسب . وليس انسب من ذلك ما يجري من احتقان وتأجيج طائفي مقيت وتعديات على الحريات وانفراد بالقرار وخرق دون حدود للدستور، وغياب لأدنى حدود ما يتطلع إليه المواطن من أسباب العيش والحياة.
ويبدو واضحاً اليوم أن الاصطفافات التي تتبلور، تندفع نحو تكريس "كانتونات وملاذات طائفية وفئوية آمنة" إذا لم تعالج بحكمة وتعقل الأسباب التي كانت وراء ذلك، واذا لم تجتمع إرادة الكتل والقوى الوطنية كلها وتفرض تصحيح الأوضاع المنحرفة والتراجع عن نهج الانفراد والتهميش وخرق الدستور والخطاب المتعجرف والتنكيل بالخصوم "واللغة الطائفية" المتعالية.
ان التغيرات المتوقعة في الحدود المتاخمة للبلاد، ليست موضوعاً "للاستخارة"، وإنما هي ريح عاصفة قادمة لا ريب فيها مهما تعامى عنها ساسة الصدفة والحظ العاثر للعراقيين. ومواجهة العاصفة تتم عبر معافاة الحياة السياسية الداخلية، بالعودة الى تطبيق توافقٍ وشراكةٍ ونزوع ديمقراطي يستند إلى الاتفاقيات والمواثيق والتعهدات والدستور.
وخلافاً لذلك، فان العراق سيظل ميدانا مفتوحا على مصراعيه لكل من هب ودب، وهشاشة الأوضاع فيه تغري الرضيع في السياسة على استهدافه. وظروف الحراك الدائر في المناطق الغربية في البلاد، لا تشكل سبباً للإغراء، بل نتيجة من النتائج الكارثية للسياسة السائدة، ومعالجة النتيجة ضمانة لحماية البلاد، وإحقاقاً لحقوق المحتجين ودرءاً لمطامع الطامعين فيهم وفي احتجاجاتهم.


المدى
العدد (2695)  9/1/2013


 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات