| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الثلاثاء 8 / 10 / 2013



افتتاحية المدى

تحت جدارية جواد سليم (٣)
إقناع العراقيين بالقدرة على التغيير يتطلّب الوضوح

فخري كريم  

(١)

يقول صديق، تعقيباً على افتتاحية الامس، ان المواطنين فقدوا الثقة بالأحزاب الوطنية، ولم يعد ممكناً إقناعهم بالمشاركة في العمل السياسي أو المطلبي، ما لم نستطع نحن المبادرين لتنظيم الحركة الاحتجاجية، وما لم يستطع حراكنا، تحقيق نجاح حتى وإن كان جزئياً، وقد وجدنا ان حملة الغاء الرواتب التقاعدية للنواب وأصحاب الدرجات الخاصة وامتيازاتهم، لها جاذبية بين المواطنين.

لا اعتراض على الحملة من حيث الأساس، ولا تحفظ أيضاً على المطالبة بإلغاء الامتيازات، التي يمكن ان يضاف اليها، استغلال النفوذ في الموقع والسطو على الملايين من الدنانير، كبدل سفر وعلاج برفقة "حريم" ومرافقين وحرس وشغّالات. والملاحظة الاعتراضية تتعلق بجزئيتين مؤثرتين في الإقناع وفي "استدرار التعاطف" من بعض المتنفذين في الدولة، بالاضافة الى ما هو اهم من ذلك في الاتجاه العام.

الجزئية الاولى، خاصة بتوسيع المطلب الإلغائي، ليشمل اكثر من شريحة في الدولة، الى جانب النواب. فكما ذكرت في مقالة امس، يستحق النواب تقاعداً على قدر خدمتهم في الدولة، وفقاً لقانون التقاعد المدني، مضافاً اليها احتساب السنوات النيابية "مضاعفة" كما هو الحال بالنسبة للخدمة العسكرية. ومن لا وظيفة سابقة له، فإما هو من رجال الأعمال والشركات، وهذا لا يحتاج للراتب التقاعدي، او من أئمة المساجد والتدريسيين في الحوزات والمدارس الدينية، وهؤلاء امرهم موكول الى الوقفين الشيعي والسني. ويستحق النائب خلال فترة خدمته، مخصص "مهمة ووجاهة اجتماعية" يتدبر بها علاقاته واتصالاته وغير ذلك من المهام النيابية، وهذا معمول به في الدول الديمقراطية. وتسري هذه القاعدة على الوزراء ومجالس المحافظات وكل الهيئات المنتخبة.

والجزئية الثانية، ترتبط برواتب وتقاعد الدرجات الخاصة، وامتيازاتهم، وبدلات الخطورة وغيرها. فعلى هذا الصعيد لا بد من الأخذ بالاعتبار أيضاً، صنفين من الموظفين، الاول الموظفون المتدرجون وظيفياً، والمطلب بالنسبة لهم، ينبغي ان يتحدد بإعادة النظر بالرواتب والحقوق التقاعدية، وفقاً لسلم الخدمة العامة، على ان تجري ازالة التفاوت الشاذ والاستثنائي من القانون.

اما الصنف الثاني، فيتعلق بالدرجات الخاصة "الحرام" الوجاهية، التي مُنحت دون وجه حق او دالة على الدولة وخلق الله من العراقيين. وهؤلاء يشكلون النسبة الأعلى من الدرجات الخاصة في الدولة، وكلهم دون استثناء، ابناء وبنات واصهار وذوو قربى، للمسؤولين الكبار وقادة الدولة والعملية السياسية، وشُذّاذ الآفاق من "مساحي الجوخ" والمنقلبين على ماضيهم السياسي والحزبي. وهؤلاء يجب أن يُجَرّدوا من درجاتهم، وتُحفظ لهم كرامات ذويهم بإبقائهم في وظائف وفقاً لاستحقاقهم لا غير. على ألاّ ينسى المحتجون، المطالبة دون شفاعة، وقبل كل المطالب، بكشف حملة الشهادات المزوّرة، وترقين قيدهم الوظيفي، كأولوية، مع التغاضي عن مساءلتهم قانونياً. والمزورون هم من الصنف الثاني، ومن المنتمين، دون "وشاية" إلى الأحزاب الحاكمة والكتل الكبيرة المتنفذة.

(٢)

يبقى التحفّظ العام على قيادة الحركة الاحتجاجية وتوجّهاتها، والمبررات التي ساقها الصديق، في تجاوز ما هو أساسي، واعتماد المطالبة بإلغاء رواتب تقاعد النواب وامتيازات الدرجات الخاصة، المغري للناس، بما هو خارج دائرة الحراك السياسي، المرتبط بالأحزاب والكتل التي باتت معدومة الثقة من قبل جمهرة المواطنين.

وفي هذا السياق، أشاطر الصديق ما يذهب اليه، من فقدان الثقة بالأحزاب الحاكمة، والقيادة السياسية، والدولة ومؤسساتها وأجهزتها، التي أصبحت جزءاً من سياسة الجور والتعدي على الشعب، او صارت موضع شبهة ومساءلة على السلوك والممارسة.

وادرك ايضاً ان صبر الناس قد نفد، وهم ينتقلون من وعد للمسؤول الاول في الدولة وحاشيته، الى وعد آخر، دون ان يجري اي تغيير على احوالهم واسباب عيشهم وامنهم. وادري ايضاً ان الثقة بأّيٍ من هؤلاء، او محاولة اغرائهم بالصبر عليهم، والحفاظ على قدر محدود من الثقة بوعودهم، انما لا يفسر الا بوصفه مشاركة بخديعتهم والالتفاف عليهم. واذ يستبطن المحتجون هذه الملامة في عيون من يتوجهون اليهم للانخراط في الحراك والانضمام الى النشاط العملي الهادف لإيجاد مخرج لما يحيطنا من خراب، فإنهم يجدون الأسهل من المطالب، اكثر جدوىً في التعبئة وأيسر سبيلاً للإقناع.

ان قيادة الحركة الاحتجاجية هي اقدر على تحديد المهام والسبل الكفيلة بتحقيق أهدافها المرسومة، وهي اقرب إلى جس نبض الناس المعنيين بأهداف الحراك والمطالب. ويكفي لهؤلاء النشطاء ثواب المبادرة والاقتحام، المبرأ من الانتفاع والمنزّه عن الغرض الشخصي. وهم يعرفون دون شك، ان الاحوال العامة متردّية على نحو شامل، وان أساس فسادها يكمن في طبيعة النظام السياسي، وفي هيمنة وتجبّر فرد وحاشية وفريق فاسد على مقدرات البلاد. ولأنهم يعرفون كل ذلك، فإنهم يبذلون المستطاع في التصدي لأوجه الفساد والخراب، والتركيز على ما يرونه قابلاً لتحريك المشاعر والدفع في اتجاه توسيع دائرة المستعدين للمشاركة بعزل الأوساط الأكثر فساداً في الدولة.

(٣)

إذا كان ذلك صحيحاً فيما يرتبط بادراك قيادات الحركة الاحتجاجية لاتجاهات نشاطهم وتحديد مطالبهم "الآنية" القابلة للتداول في المجتمع، والممكنة للاستخدام كأدوات ضغط على الطبقة السياسية الفاسدة، فان تحويلها كحاملٍ فعّالٍ لحركة شعبية واسعة تستهدف إجراء تغييرٍ جذري في الحياة السياسية القائمة، والإطاحة بالنظام الطائفي، "الموَلّد الحيوي" للفساد والتدهور ووضع العراق امام خيار الانهيار، يتطلب الانتقال الى مستوىً من التحرك يستند الى مرتكزين قويين. الاول، التحول من تعدد مراكز النشاط، الى تنسيقٍ وطني، لا يلغي التعدد، ولا يُخلّ بالخصوصية المحلية والمناطقية. والثاني، الانطلاق مما هو مطلبي آني، الى جوهره السياسي، ارتباطاً ببرنامج وخطة عملية متدرجة، تنطلق من الممكن، ومن العمل على الارتقاء بمستوى استعداد الناس. ولا ينبغي ان يُفهم من هذا، تأطير كل النشاطات المطلبية بالخطوط والشعارات السياسية.

ان احدى اهم النتائج التي يمكن ان تترتب على "التنسيق" بين مراكز الحراك الاحتجاجي والمطلبي، المحلي والمناطقي، تتجسد في كسر الحواجز الطائفية والعشائرية، واعادة اللحمة الوطنية، بتكريس الإرادة المشتركة. وسيكون في وسع هذا التوجّه، فضح الطبقة الفاسدة في كل منطقة وعزلها عن محيطها ودوائر نفوذها. ومثل هذا النشاط، اذا ما أُريد له ان يحقق الاهداف الوطنية البعيدة، يصبح من اولى مهامه التعبئة ابتداء من هذه اللحظة، لتحويل الانتخابات التشريعية في النصف الاول من العام القادم، الى عدٍ تنازلي لهيمنة الطبقة السياسية الفاسدة، ومحاصصتها ووصايتها باسم "الطوائف" وباغتصاب إرادتها في صندوق للاقتراع، بلا شروط اعتماده وسيلة للتعبير عن الإرادة.

ان وضوح الرؤية وتبسيط المهام وتحديد الاهداف النهائية، قد يعقد من امكانيات التعبئة الشعبية، كما يرى الناشطون، ويفشل احياناً في استدراج قوى حيّة للانخراط في النشاط، وهي في كل الاحوال، تحتاج الى "صبر ايوب"، وتضحيات الرواد الاوائل في اكتشاف او سبر اغوار كل جديد، لكنها مثل كل النشاطات "الانعطافية" تستحق الصبر، وتستحق التضحية..!


المدى
العدد (2912) 8/10/2013


 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات