| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأربعاء  8 / 1 / 2014


 

6 كانون في لواء العمارة

عبدالحسين الساعدي

مشاركة الأخ د. قحطان قنبر أغا في الفيسبوك بمناسبة عيد الجيش العراقي استفزت قريحتي في الكتابة حول هذا اليوم الأغر في تاريخ وطننا وشعبنا على حد سواء .

اعتدنا ونحن صغار في لواء العمارة (محافظة ميسان) على انتظار يوم 6 كانون من كل عام ، بلهفة وشوق كبيرين لا يضاهيهما سوى الطعم الشهي المذاق الذي ما برح أفواهنا حتى هذه اللحظة ، هذا اليوم الذي يحتفي به الجيش العراقي الباسل بيوم تأسيسه لنشاركه مع أبناء شعبنا فرحه الذي يتميز بطعم خاص ، فقد كنا نصيخ السمع وبترقب يكاد يقطع الأنفاس الى إطلاقات المدفع الذي يعلن بدء الاحتفال مفتتحاً منهاج العيد ، وعند سماعنا صوت الإطلاقات ، حتى نصيح بأعلى أصواتنا ( ثار الطوب يمسيعيدة ) وكأننا نريد بذلك إبلاغ أقضية اللواء ونواحيه ببدء احتفالنا السعيد .

عند الساعة الثامنة من يوم 6 كانون نقف أمام مضيف جدنا سماحة آية الله الشيخ كاظم الساعدي (ذي الرئاستين) المفتوح على مدار اليوم والسنة في محلة المحمودية وسط لواء العمارة ،وتتوقف سيارة جيب عسكرية فيترجل منها رجل عسكري برتبة رئيس عرفاء (عرفتها فيما بعد) وهو يحمل قِدراً كبيراً فيه حلاوة مصنوعة من النشا أو الطحين وفيها حبات اللوز تفوح منها رائحة ماء الورد والهيل ، فيما كانت رائحة دهن الحر تفوح منها وهي حارة حارة حارة جداً ، فقد كانت الحامية (موقع العمارة العسكري) وهو موقع الجيش الذي لا يبعد سوى خمسة دقائق بالكثير عن بيتنا (فقط عبرة الجسر) ، وما إن تصل هذه الحلاوة حتى تنتهك حرمتها أصابعنا التي احترفت (لطع المحروگ اصبعه) فلا تبقي منها شيئاً ولا تذر .

عند الساعة العاشرة أو تزيد قليلاً يزور جدنا رحمه الله ضابط (آمر موقع العمارة) بزي عسكري مهيب جداً وهو متحزم بحزام عريض له عارضة جانبية يتدلى منها مسدس ، لا أعرف رتبته ولا اسمه)، وكان حليق اللحية ذا شارب كثيف ، و تفوح منه رائحة (الكولونيا) التي سحرتني جداً فكنت أتقرب منه من دون أن يشعر أحد حتى أشمها بشكل جيد وربما تمتد يدي خلسة الى تحسس حزامه الجلدي ، وعادة ما ينهرني جدي جراء تصرفي هذا ، فكان يبتسم ويمسح على شعري ويدس خلسةً في يدي (چكليتة) ليشغلني بها حتى يتفرغ للحديث مع جدي ، وبعد مضي الوقت يرافق هذا الضابط ذو الرتبة الذهبية التي تزين كتفيه جدي الى جامع النجارين ليصلي خلفه .

عند الساعة الثانية عشرة ظهرا تعود سيارة الجيب العسكرية وهي تحمل لنا قدراً كبيراً وفيه كمية من اللحم المسلوق والمطبوخ مع البصل بالدهن الحر ، عرفت فيما بعد أنها كانت تسمى حسب مسميات الجيش (القاورما) وربما هي تسمية تركية ، وما إن يدخل هذا القدر الى فناء الدار (الحوش) حتى يتبخر بين أيدينا نحن الصبية أحفاد الشيخ كاظم الساعدي المتمردين على أكل اللحوم في باقي الأيام ، ولكن لهذه اللحوم مذاق ووقع خاص.

اليوم لا أدري هل ثمة من يطبخ الحلوى والقاورما ويستذكر بها أعيان وفقراء الشعب على حد سواء ، هل سيتذكر ضباط الجيش وهم يدخلون الفلوجة وبعض قصبات الرمادي أن يحملوا الحلاوة والقاورما الى أعيان وأبناء تلك المدن التي انتهك صفوها وأمانها الداعشيون ، وهل سيصلون خلف أئمة المساجد صلاة الشكر لله على نعمة وحدة الجيش مع الشعب .


 

free web counter

 

أرشيف المقالات