| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأربعاء  8 / 1 / 2014


 

قصة أغتيال علني لصحفي شيوعي – كاوه كرمياني (*)

ابو حازم التورنجي

ليس هنالك بلد في العالم يخلو من الفساد الاداري او المالي ، فحتى اكثر البلدان الديمقراطية المتحضرة المتقدمه في مجال الشفافية والعلنية - كالبلدان الاسكندنافية على سبيل المثال - تبرز فيها بين الحين والاخر فضائح من الفساد المالي او الرشاوي واستغلال المنصب ، ولكن هذه الحالات قليله بشكل عام بسبب من الدور المهم الذي تضطلع به هيئات الرقابة الحيادية لدولة القانون والمؤسسات ، والدور الحيوي والفعال الذي تلعبه الصحافة المستقله في نبش وتعريه تلك التجاوزات والانتهاكات القانونيه ، وكم من كبار السياسيين ممن كانوا مرشحين لقيادات مهمه في الحكومات او الدوله ، سقطوا بمجرد مقالة صغيره لصحفي بسيط ربما يكون مغمورا ، وفي ختام الفضيحة المنشورة والمحاكمة ، يذهب السياسي المفضوح الى بوابة النسيان مجردا من (صلاحياته وانواطه ) ، بينما يستمر الصحفي في عمله بامانه استنادا الى المعلومات الحسيه ومدعوما بقوة القانون ، ولم نسمع هنا عن لغة التهديد او كواتم الصوت ، وللمستوى الثقافي والحضاري دور ملحوظ في هذه العمليه . هذه العمليه التي تركز على اعطاء الصحفي كامل الحق والحرية كسلطة لها قيمتها القانونيه والمعنوية في المجتمع ، من اجل توضيح الحقيقة وفق السياقات المهنيه ، من اجل تشذيب المجتمع من عمليات السطو والاحتيال على حقوق الافراد والمجتمع .... وبلغة بسيطة يبقى السياسي الفاسد هنا هو المستهدف والمطارد دوما من قبل الصحفي .في اطار قانوني وحقوقي نظيف .
ولكن في بلد مشوه البنيه الاجتماعية والسياسية والقانونية ، يغدو الامر معكوسا تماما ، الصحفي هو المستهدف و المطارد من قبل السياسي الفاسد ، والصحفي مطلوب الرأس ان لم يسكت ، ففي هذه الدويلات المتشرذمه ليس ثمة شرف سياسي وليست هنالك مواد قانونيه او تشريعيه تحمي الصحفي من سطوة السياسي المنحرف االمتجبر الغارق في الفساد ، بل من البهتان منحه صفة السياسي وهو لا يعدو كونه مجرد رئيس عصابة مجرمه او زعيم مافيا لا تعبأ بالقانون حتى وان وجد ، فالثقافة العامه في هذه الدويلات هي الثقافة الاقطاعية والتسلسل الهرمي العشائري للاغوات ...

فكم هو عظيم هذا الصحفي الذي يكافح بقلمه وكاميراته وضميره الحي ، جبروت السياسي الفاسد المتجبر الباغي ، وليس في الامر ثمه سذاجة في اختلاف معادلة الصراع بين القلم وكاتم الصوت ، فذاك هو قدر الصحفيين منذ نشوء هذه المهنه المتعبة المزعجه ، في بلدان متخلفة تفتقر لابسط حقوق الانسان ، فأما ان يتخلى الصحفي عن ضميره المهني ، وبها ينتهي ان يكون صحفيا حقيقيا ، بل مجرد كاتب لغو يجيد صياغة التقارير الانشائية والاخبارية السطحية (وحتى المخابراتيه والامنيه) فكم من اشباه الصحفيين وجدناهم مخبرين ، وكم تعج الصحافة في العراق بتلك النماذج الدخيلة او المسيسه باتجاه واحد ، فحتى الكثير ممن يحسبون انفسهم في خانة اليسار (شيوعيين ويساريين وليبراليين) تحولوا بمرور هذا الزمن الخائب الرديء الى مجرد كتبة تقارير متصالحة حتى مع نفسها ، في صياغات فقدت ذلك البريق الثوري الذي كان يستثير الهمم ويستقطب الشباب الوطني المتحمس للانخراط في لجة الصراع من اجل هذه القضية او تلك من قضايا الوطن المبتلى بحكامه الفاسدين الطغاة .

الشهيد الصحفي الشيوعي كاوه كريماني ، يعمل في احدى المجلات التي تصدر اسبوعيا في كردستان العراق ، كتب عن قضية فساد من بين الاف القضايا في دويلة السليمانيه ، والقضية تتعلق بالسيد محمود سنكاري الكادر القيادي في حزب ( الاتحاد الوطني الكردستاني ) الذي يترأسه جلال الطلباني بطل مجزرة بشت اشان .

توقفت طويلا عند الترجمة الحرفيه لما دار من حديث تلفوني شوارعي هابط يفتقر الى ابسط المعايير الادبية والاخلاقية حتى في اجواء العداوات والصراعات المشحونه بالكلمات النابيه .

فالسيد محمود سنكاري استخدم احط الكلمات السوقية في قاموس الشتائم البذيئه التي اربأ ان اذكر واحدة منها ، ليختم شتائمه بالوعيد و بتهديد واضح وصريح بان هذا الكادر الاقطاعي الاغواتي المستبد سينال من حياة الصحفي الشاب كاوه كرمياني ، الذي ظلت اجاباته طيله المكالمة التلفونيه مهذبه وملتزمه وتعكس خلق رفيع مترفع من الانزلاق الى ذلك الدرك السافل الذي انحدرت اليه الفاظ السيد محمد سنكاري ، والتي تنبئ ، تشير وتؤكد جريمه قادمة مرتفبة لا محال واقعة من قبل هذا الاغا المسعور ، وكل الدلائل والمؤشرات كانت تؤكد بما لا يقبل الشك بان الشاب الصحفي الشيوعي هو مشروع شهادة مرتقبه ( فالشيوعيون في كردستان مع شديد الحزن والاسف قد غدو بلا وزن ولا قيمه سياسيه في واقع الحال وفي البرلمان وخصوصا بعد الانتخابات الاخيره مجرد – حايط انصيص – والامام الما يشور يسمونه ابو الخرك - مجرد مقعد واحد في عملية معروفة للجميع ولا داعي لتفاصيلها ) .

انني لم ادن واستنكر فحسب تلك الجريمه البشعة التي اعتبرتها وصمة عار اخرى على جبين قاتليه ، بل وحزنت من كل وجداني لخسارة هذا الشاب ذو القدرة والموهبة الواعدة ، في وقت نحن فيه بامس الحاجة الى هذه القدرات الشابة النظيفة المتحمسه في نضال الشيوعيين ضد قوى الفساد والاقطاع السياسي .

وحزنت اكثر حين عرفت انه كان ينتظر وليده الاول من زوجته الحامل ، طفل ولد يتيما ، فيا لبشاعة ما اقترفت اياديهم .

هنا اتوقف عند القضية التي اردت توضيح موقفي كشيوعي مما قيل بشأن تعليقات سابقة لي أثارت حفيظة البعض الذي لازال يسبح بحمد ولي نعمته ..

ان جوهر تعقيباتي وملاحقاتي للامر ، تتلخص في انني كنت ولازلت احمّل الشيوعيين الكردستانيين مسوؤلية هذا الاخفاق الكبير في خسارة هذا الصحفي الشيوعي (**) فمسوؤليتهم الكبرى بدأت منذ ان وصله التهديد العلني والصريح في ذلك الاتصال التلفوني المسجل ، اذ ما كان لهم الحق ان يتركوه وحيدا بمفرده ليكون لقمه سهلة امام حوت فاسد شرس لا يرعوي ، اذ كان المفروض اخذ كل التدابير والاحتياطات اللازمه لحمايته والحفاظ عليه وحتى اخفاؤه ، فلا اعرف هل غدت حماية الشيوعي هي مسوؤلية شخصية بحته ، ام ان للهيئات والرفاق والمسؤلية الجماعية دورا في ذلك مثلما عهدناه في حياتنا الحزبيه باستثناء حالة الاعتقال في السجون ..

ان قصة اغتيال الصحفي الشيوعي كاوه كرمياني هي نسخة عراقية من رواية الكاتب الشهير غاربيل غارسيا في (قصة موت معلن) .

لا اعتقد ان الشهيد كاوه كان مستسلما لقدره وينتظر اغتياله ، ولم يشم رائحة الخطر خصوصا وانه قد سطر في مقالاته الاخيرة تهم خطيره من العيار الثقيل لحيتان السلطة المستبدة . ، استلم اثرها تهديدا مباشرا وثقيلا وخطير يستهدف حياته بالتحديد وليس شيء اخر كالفصل من العمل والابعاد او تلفيق التهم له ، اي انه اصبح في وجه المدفع .. فما العمل ؟ هل من الحصافة والحكمة ، الاستكانة والركون للتطمينات البائسه دون سند قانوني او سياسي ، امر غير معقول وغير مقبول على الاطلاق ، فالكلوسة لا يمكن ان يركن لها في مثل هذه التعقيدات الكبيرة  ، بل أن جل ما ترشح عن تلك الكلوسه ، أنه قد حصل على تطمينات شفهية تقلل من شأن التهديد فان كان ذلك قد حصل فتلك مصيبة، من حيث الاستخفاف بحياة الرفاق  ..
ثم يبرز سؤالي الكبير امام الشيوعيين الكرستانيين :
ماذا فعلتم منذ لحظة استشهاد الصحفي الشيوعي كاوه كرمياني وحتى يومنا هذا على الصعيد القانوني والسياسي والجماهيري ؟
هل نظمتم تظاهرة احتجاج الى البرلمان او مقر الحكومة او نقابة الصحفيين ؟
هل طالبتم بفتح تحقيق علني ؟؟؟؟ وهل وهل وهل ؟؟؟ وغيرها من الاسئلة الكثيرة
فالشهيد كاوه ليس هو الاول وبالتأكيد لن يكون الاخير في دويلة الاقطاع والحيتان.
واكرر ما قلته سابقا لكم ايها الشيوعيين الكردستانيين ( اذا حلقت لحية جارك فاسكب الماء على لحيتك )
واقولها مخلصا لشيوعيتي ، عودوا لحزبكم ، عودوا لجماهيركم ولا تخسروا حزبكم وجماهيركم وانتم تغرقون في دوامة البحت عن المناصب والامتيازات الانيه اللماعة، فكلما غدا حزبكم قويا يتكلم بلسان الناس المسحوقة ويقف الى جانب معاناتهم وهمومهم ويناضل من اجل مصالح كادحيهم ، عندها ستلتف الناس حولكم وسيكون لكم وزن وقيمة سياسية في المجتمع والبرلمان متأتية من الناس وليس من المناورات السياسية التي تكبلكم بقيود تاريخيه لا تغتفر، ولتكن مواقفكم متميزة مستقلة بما ينسجم مع مصالح فئات الشعب الكادحة . وكفاكم هذا الصمت والسكوت على ما يجري من موبقات ، وكفاكم هذا التزلف لاحزاب السلطة المنخورة .

وعليه فانتم مطالبون باعادة النظر في كل برامجكم وتوجهاتكم واساليب عملكم على كافة الاصعدة ، واعرف ان المهمة شاقة وصعبة لكنها ليست مستحيله اطلاقا ، ومسيرة الالف ميل تبدأ بخطوة واحدة ، خصوصا وانه لازال هنالك بينكم من مشى مخلصا معنا تلك المسيرات الشاقة الطويله في جبال كردستان الشماء ووديانه  .

واسمى مشاعر التقدير لكل من تأمل وفكر واعتبر وناضل من اجل نجاحات الشيوعيين في كردستان والعراق
وللشهيد الصحفي الشيوعي كاوه كرمياني كل المجد والخلود ونحني اجلالا امام بطولته



7-1-2014

(*) الاقتباس من رواية غاربيل غارسيا (قصة موت معلن )
(**) جريدة طريق الشعب تختزل الامر الى مجرد اغتيال صحفي
 

free web counter

 

أرشيف المقالات