| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

السبت 8/5/ 2010

 

صراع الدين مع الدولة

خضير الأندلسي

دور الدين
أشرنا في وقت سابق إن للدين تأثير كبير على الحياة العامة للأفراد , ولما كان هؤلاء الأفراد يشكلون مجتمع تحكمه منظمة اسمها - دولة - فمن البديهي ظهور مشاكل عدة بينها وأهمها مشكلة الدين .

ان الدين هو الفلسفة الوحيدة التي يستطيع من خلالها الحاكم السيطرة فيها على جماهيره من أبناء العامة وبمقدوره ان يحاكم او يقاضي احدهم بمجرد نعته انه معارض للدين او معاد له ,بينما يفقد الحاكم هذه العصا السحرية بمجرد استغناءه عنه , يقول ميكافيلي ,على الحاكم ان يحمي الدين وان كان لا يؤمن به لأنه يعاونه على تثبيت سلطانه ويسهل عملية حكمه للجماهير ,وهذا ما نجده جليا في مجتمعاتنا المقيدة بسلاسل الدين لتسهيل عميلة الحكم ,اما في الدول ذات النظام القانوني المدني فنجد ان حكامها لا يستمروا كثيرا في حكمهم لان برامجهم الانتخابية محددة وخططهم المستقبلية واضحة فان أنهواها ,يجيء من بعدهم أناس لديهم أفكار مختلفة وبرامج جديدة وبهذا يفشل هؤلاء وتنتقل لغيرهم السلطة بشكل سلمي! وليس للسلطة الدينية اي تأثير.

لتسليط الضوء أكثر على ما ذُكر أعلاه , نعطي مثالا من حياتنا اليومية , شاع في الوقت الأخير استخدام الاركيلة في المقاهي العربية على نطاق واسع ,وأصدرت الحكومة السورية بيانا قبل أيام يغرم فيه المدخن في الأماكن العامة مبلغ قدره ( حوالي 50 دولار) للحيلولة دون انتشار الإمراض السرطانية ولادخار المبالغ الطائلة التي تنفق على التبغ, الا إننا سنشهد مخالفات لا محالة ,بل يصل الأمر إلى ان كثيرين منهم يفضل دفع غرامة على ترك التدخين. وهكذا الحال عندما تفشى مرض أنفلونزا الطيور ففي العراق منعت الحكومة تناول لحم الطيور وأوقفت البائعين ,لكنها لم تنجح وللأسف!! بل ازداد الإقبال على شراءه لانخفاض أسعاره, بفعل الرهبة التي احتلت نفوس الزبائن , لو نقف هنا لمقارنة المسائل هذه مع أخرى دينية فسنجد الأمر مختلف تماما .لنأخذ الدين الإسلامي مثالا بتحريمه لحم الخنزير فان جميع المسلمين لا يتناولوه لأنه محرم ,طبقا لما ورد ذكره في آي الذكر الحكيم.

الفرق بين حالة التدخين والامتناع عن الخنزير هو ان الأولى خاضعة للتفكير الحر الطليق ,فهي فكرة ليست مقيدة ,اذ يستطيع الفرد ان يجربها او يكف عنها طبقا لقناعات شخصية ,وليس بمقدور الحاكم ان يمنعه عن هذا التبغ ,بينما في الحالة الثانية الأمر مختلف تماما , فما أن يسمع الفرد عن شيء حُرم دينيا, الا وامتنع عنه دون الرجوع لمصدر علمي يخبره عن طبيعة هذا التحريم , وبهذا نستنتج ان حاكم مجتمع ديني ان أراد منع التدخين على سبيل المثال فالأسهل له الاستعانة برجل دين ,يُدخل التبغ في قائمة المحرمات مستندا على أحاديث مقدسة و أقوال دينية ,وحينها ستتمخض نتائج أكثر نجاحا مقارنة بغيرها .

ان أفراد مجتمعات اليوم وبفعل زمن العولمة وطرق الاتصال الحديث ,بدأت تنقسم بين مؤيد ومعارض ,وهكذا فلم تعد تؤثر فيها الفتاوى والنصائح الدينية على الغالبية العظمى كما في الماضي القريب بل نجد البعض يحلل المسائل ويحاول إيجاد تبرير يراه منطقيا , بعيدا عن تأثيرات رجالات الدين . وجديرة بالذكر هنا شهادة احد مشايخ المسلمين حين يقول (الملحد المستند بإلحاده إلى بحوث ودراسات أفضل من المسلم المقلد التابع الذي لا يفقه شيئا) .

محاولة الأديان مواكبة التطور - الكنيسة الليبرالية مثالا-
في تطور لافت للنظر ,طورت إحدى الكنائس الانكليزية التابعة للمملكة المتحدة أفكارها وغيرت إستراتيجيتها في وقت ليس بالبعيد, لتتخذ من الفكر الليبرالي منهجا لها ,يقول الراهب روان ويلامز في معرض الرد على رأيه بالداروينية (نظرية داروين جديرة بالتصديق في آلية عملها لأنها موثوقة جدا فيما يتعلق بالتاريخ البيولوجي , ونحن نعتقد صارمين ان الله هو الذكاء والقوة الذي شكل هذه العملية كلها عن طريق تدخله ,أي الخالق, بمسيرة التطور التي أوصلت الكائنات الحية الى ما وصلت اليه اليوم).
ان تضاربا فكريا واضحا طفى على مسرح الرؤى ,ولا نود هنا ان نتعمق في التحليل ,ولكن نشير الى بروز ازدواجية واضحة ناتجة عن خلط مفاهيم علمية بأخرى دينية ,فكيف للمؤمن بمعجزات ربانية وضعها في حقل واحد مع الداروينية ؟ وكيف لمن يؤمن بعمر الأرض البالغ 8000 سنة الاتفاق مع آخرين يؤمنون بسلسلة مرحلية مترابطة استمرت ملايين السنين أوصلت الأرض ما هو عليه اليوم.

السبب الرئيسي الداعي لإنشاء كنيسة ذات فكر ليبرالي لأنها (اي الكنيسة) مغروسة بأرض احتلها الفكر العلمي بعد ان هز داروين عقيدة الناس شارخا إياها , مما أدى إلى حصول ذبذبة فكرية في عقولهم الباطنة ,وبهذا فان الاختلال في ميزان الرؤى ما بين الفكر الديني والعلمي بدا واضحا للعيان , فالفكر العلمي يدعو الإنسان الى البحث والاطلاع المعرفي على كل كبيرة و صغيرة لإيجاد جواب مقنع لأي سؤال عالق ,أما في الفكر الديني فنجد جاهزية الإجابة على معظم الأسئلة المتعقلة بحياتنا اليومية وتطبع عليها الفرد منذ الصغر ,فالحاجة الى البحث او التمحيص في مسائل جاهزة مقدسة قد تكاد تكون نادرة بل معدومة في احيان كُثر!! وحتى لو تحرر الفرد من قيود الدين واخذ يفكر ,فانه سيدور على الأكثر في حلقة مغلقة وبنفس إطار هذه الأفكار التي تدور في مخيلته سابقا ,وصدق من قال ,التعلم في الصغر كالنقش على الحجر.

لذا فان الكنيسة الليبرالية اضطرت للتأقلم مع الواقع المعاش ورضيت بل واتفقت مع ما يقوله العلماء ,لان صراعها مع العلم انتهى باستسلامها , والاستسلام خير من الانقراض !!

انتباه .لا اتفق مع الدين ؟
لا اتفق مع الدين ,عبارة يستطيع كلا منا ان يطرحها ويؤمن بقناعاته فيها ,إلا ان الحاكم لا يمكن ان يفعل هكذا أمام العامة ,حتى لو لم يتفق مع رجال الدين في أمته . يخبرنا التاريخ ان كثير من الحكام أقاموا حركات دينية خاصة بهم تتعارض أحيانا مع توجهات رجالات دين زاهدين في البلد نفسه ,وظيفتها دعم الحاكم وإضفاء الصبغة الشرعية عليه لان الحاكم ولي الله في الأرض ومن يعارضه فقد عارض الله .فصدام حسين قاد حملة إيمانية انطلقت منتصف تسعينيات القرن المنصرم ساعدته في التصدي لحركات وطنية معارضة وأخرى دينية برزت بقوة بعد انتفاضة الجنوب الشعبانية 1991 . يذكر إبراهيم الزبيدي ,احد أصدقاء صدام , في مقال نشره في صحيفة الشرق الأوسط (10 اذار 2003) ان الأخير لم يعر للدين اهتمام ساعة مرافقتي له منذ الصغر . وبالرغم من هذا فان كثيرين منحه لقب شهيد الأمة الإسلامية ,لتستره بغطاء الدين !!

لذا على الفرد (وأخص المؤمن) ان ينظر جيدا لحكام سلطة اليوم, ممن يتظاهرون بالوقار الديني وعلى أوجههم أمارات الخشوع ,لأنهم ليس بالضرورة هكذا على ارض الواقع !

القوانين الدينية والمدنية
القوانين الدينية هي تلك القوانين المستمدة شرعيتها من نص ديني معين ,تضع للأفراد خطوات للسير على خطاها ,فهي نصوص جاهزة خارجة عن حدود التفكير الإنساني في التقييم والمناقشة , لا شك في ان هذه القوانين ساهمت في بادئ الأمر في إخراج الإنسان من عصر التخلف الى التنوير ,وان الكثير منها مثلما اثر سلبا اثر إيجابا وليومنا هذا على حركة الأفراد, لكن مشكلتها ثابتة غير متغيرة ولا تواكب الواقع وما ان تبوح لممثلي هذه الأديان عن رغبتك في الإصلاح ,ينعتك بالمرتد عن دين الله!, معللا بأنها (أي القوانين) تصلح لكل زمان ومكان ,وهذا الشيء ليس عين الصواب فان كانت صحيحة لما ظلمت المجتمعات تحت غطاءها , ولانتهت الصراعات القائمة بين إفراد المجتمع جراء الاختلاف العقائدي , الصراع الإسلامي - المسيحي في نيجيريا مثالا.

أضف الى ان القوانين الدينية ان تم تطبيقها على صعيد دولة فانك ستضطهد الآخرين وتلغيهم وتملي عليهم رغباتك ,فلو جرى تطبيق الشريعة الإسلامية في بلد غني بأديانه كالعراق فانك ستلغي المسيحية ,الأيزيدية والصابئية وغيرها من الأديان , وهنا الحالة توازي دعوتك لأحد ما لتناول أكلة معينة لا يرغبها او أرغامك إياه بان يرتدي ملبس لا يعجبه ,فالواجب عدم التأثير على قناعات الآخرين .

اما في القوانين المدنية فهي تتميز عن الدينية في جوهرها المنتخب من قبل المجتمع والقابل للتغيير طبقا للواقع المعاش ,فيطغي عليها مبدأ العقد الاجتماعي الذي يُعقد بين أفراد المجتمع الواحد مع بعضهم البعض تحت ظل الدولة التي تسهر على راحتهم وتضمن حقوقهم في قوانين جمعت في مجلد كامل سمي دستور.

وهذا الدستور يضمن سلامتهم وحرية أفكارهم وكافة حقوقهم ولاسيما الدينية منها.





 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات