| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

                                                                                 السبت 8/10/ 2011

     

وجهة نظر.. 

"إصلاح النظام" .. أم تغييره؟

سلم علي

لا يكاد يختلف إثنان على أن ما آلت اليه "العملية السياسية" في العراق من أزمة سياسية خانقة هو في الأساس نتاج لنهج المحاصصة الطائفية – القومية البغيض الذي جرى تكريسه منذ 2003 على أيدي المحتلين والنخب السياسية التي حظيت بدعمهم فضلاً عن دعم رعاتها الاقليميين.
 

كما ينبغي أن نتذكر أن المحاصصة الطائفية – القومية لم تبدأ في 2003، بل ترجع الى أوائل التسعينات، مع تأسيس "المؤتمر الوطني" السيء الصيت واقتران ذلك بتهميش وإقصاء متعمد للتيار الديمقراطي في اطار المعارضة العراقية آنذاك، ساهمت فيه قوى أساسية في التيارات الأخرى اختارت التعويل على الحل الامريكي والتدخل الخارجي وصولاً الى الحرب لتحقيق غاياتها السياسية.
 

ولن تغير من هذه الحقيقة المساعي المحمومة والمفضوحة لرموز تلك التيارات والقوى، التي تعاقبت على الحكم منذ 2003، وأعادت تقاسم الأدوار والمغانم والامتيازات التي حققتها على حساب الشعب، لإعادة كتابة تاريخ العقدين الماضيين والتستر خصوصاً على مسؤوليتها هي بالذات (وليس فقط تركة الدكتاتورية والارهاب والتدخلات الخارجية) عما حل بالبلاد في السنوات الثمان الماضية من خراب ودمار ومآسٍ.
 

 وتكشف مهزلة المساومات الدائرة بين قيادات هذه الكتل، رغم ما يظهر على السطح من خلافات حادة وتراشق بالاتهامات بلغ حد الإسفاف، أن ما يجمع هذه القوى أكثر بكثير مما يفرّقها: تقاسم السلطة والمال والنفوذ، وإعادة تقاسمه، في ما يشبه "لعبة كراسي" أصبحت تثير الاشمئزاز والقرف لدى الشعب الذي يعاني أشد صنوف الذل والمهانة ويحرم من أبسط مقومات الحياة الحرة الكريمة.
 

وأصبح واضحاً اكثر من أي وقت مضى أن الخروج من الحلقة المفرغة التي تعيشها البلاد لا يمكن أن يتحقق الاَ بتغيير جذري للواقع القائم، عبر التخلص من النظام السياسي الحالي القائم على المحاصصة، وما يستتبعه من منظومة قيم وعلاقات اجتماعية – اقتصادية وطبقة طفيلية تستأثر بثروات الوطن وتفرط بسيادته، واستبدال هذا النظام بنقيضه:  البديل الوطني الديمقراطي، الذي يتمثل بالدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، القائمة على المواطنة والمؤسسات والعدالة الاجتماعية، والوحدة الوطنية، وضمان الحقوق والحريات المدنية لجميع المواطنين ومساواتهم أمام القانون، بغض النظر عن الانتماءات القومية والدينية والمذهبية والمعتقدات الفكرية والسياسية، ومكافحة النعرات الطائفية والشوفينية وأفكار الاستعلاء أو التعصب القومي أياً كان مصدرها.
 

في هذا السياق، يمكن تفهم يأس بعض الناشطين في الحركة الاحتجاجية من إمكان تحقيق "إصلاح النظام" باعتباره مطلباً غير واقعي. فلن يكون للمطالب "الاصلاحية"، الجزئية أي معنى إن لم تكن ضمن منظور استراتيجي يهدف الى تحقيق التغيير الجذري المنشود. فمن دون ذلك، ستُسلب الحركة الاحتجاجية الشعبية أفقها، وسيسهل احتواؤها من قبل القوى المتنفذة الحاكمة وأجهزة سلطتها ورعاتها الدوليين والاقليميين، وجرها الى مواجهات جانبية، واستنزاف قواها.
 

كما يمكن تفهم أن شعار "الاصلاح" قد أصبح ملتبساً لدى كثيرين اذ يقترن في أذهانهم بـ"الترقيعات" البائسة التي أقدم عليها الحكام بعدما أصابهم الهلع إثر تعاظم مشاعر السخط والتذمر الشعبي وتفجرها في تحركات احتجاجية في شباط الماضي، فقدمت حكومة "المشاركة" تنازلات مؤقتة تمثلت بمهلة "المئة يوم" ووعوداً بالاصلاح تكشف زيفها.
 

في المقابل، لا ينبغي التخلي عن رفع شعار "التغيير" لمجرد أنه يثير هلع الحكام، أو لأن ماكنة دعايتهم الاعلامية تروج بأنه يعني الدعوة الى "اسقاط" الحكم و"عودة البعثيين" ..الخ من ادعاءات دأبت عليها لتشويه صورة الحركة الاحتجاجية وأهدافها. بل يتعين على الحركة الشعبية أن تتصدى بقوة لمثل هذه الحملات ومراميها الخبيثة، عبر حملة تثقيف واسعة ومتواصلة بمضمون هذا الشعار، والبديل الذي تسعى الى تحقيقه، وبوسائل سلمية يكفلها الدستور، للتخلص من آفة المحاصصة الطائفية – القومية وشرورها، من إرهاب وفساد وجهل وتخلف، والتوجه بقوة وثقة وثبات الى بناء عراق حر ديمقراطي مستقل ينعم جميع مواطنيه بخيراته في أمان ورفاه.
 

من الضروري إجراء مراجعة وتفحص عميق لأساليب الحركة الاحتجاجية على الدوام، بالاستناد الى تجربتها الملموسة، بنجاحاتها واخفاقاتها، وما يستجد من تطورات في المشهد السياسي وتغيرات في أساليب تعامل السلطة معها. فلا بد من الحفاظ على زخم هذه الحركة، وتنويع أساليبها، ومدّها بقوى جديدة، وتحقيق نجاحات ومكاسب متواصلة وإن كانت جزئية، ومراكمتها بدأب ومثابرة، وإكسابها طابعاً وطنياً، والانتقال منها الى أهداف أرقى في ارتباط وثيق مع تطور مستوى وعي وتنظيم القوى السياسية والاجتماعية التي تساهم في الحركة الشعبية المطلبية.

 

 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات