| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الثلاثاء  8 / 7 / 2014


 

الصرخي و مأساة كربلاء

حسين الزورائي *

هنالك من يؤيد السيد محمود الصرخي الحسني و يعتبره مرجعا له ، و مهما كانت اسبابهم و دواعيهم، علينا ان نحترمهم على الاقل من مبدأ (حرية الرأي و الفكر)، فالدين و الدستور يقران ذلك.

و هناك من يسفهه و يسفه اتباعه بأبشع الاشكال و الاوصاف، ليس اولها: الضال المضل و لا اخرها: الوجه الاخر لعملة داعش، و يمكن ان نفهم هؤلاء، اذ ان اغلبهم لهم رجال دينهم، و ان هذا السلوك يقع في نطاق المنافسة و الغيرة من الاخر. و الفهم هنا غير الاقرار. نفهم هذا السلوك و دواعيه، لكننا لا نقره. وهنا لابد من الاشارة الى ظاهرة بدأت تتسع في العراق، و هي ان كل منظومة متكونة من رجل دين و اتباعه، لا يستقيم لهم خط و منهج، الا من خلال معاداة منظومة اخرى من نفس المذهب و الطائفة، و لهذا تجد التسفيه، و التنكيل، و التسقيط و التحريض، على قدم و ساق، ليل نهار، بمناسبة و بدونها، و الامثلة على ذلك كثيرة، مع الاسف الشديد. كما ان هناك من حاول استغلال ظاهرة الصرخي لمارب اخرى، بدعمه مثلا نكاية برجال دين اخرين، او تسويقه على انه مرجعا عربيا للشيعة العرب، بالضد من مرجع (غير عربي) للشيعة العرب و غير العرب (و المقصود ايران). و هذا مرفوض لكنه موجود كأداة من ادوات و براغماتية السياسة. البعض الاخر استهوته، شباب و حيوية و عدد و تنظيم اتباع الصرخي، على انها ميليشيا جاهزة، يمكن الاستفادة منها في منعطف ما، على الاقل بالضد من ميليشيا اخرى. و هذا ايضا مرفوض، ولكنه من ادوات الصراع المليشياوي المستشري في المجتمع.

الاغلبية و هم (مثلي) ليسوا معنيين بهذه الامور، بل ان الخوض بمثل هذه المواضيع (لمثلي) معقد للغاية، فبسبب كلمة غير مناسبة او مصطلح ليس في محله، او فكرة متقاطعة مع معتقد، قد تقودني و غيري للهلاك. لكن القتل و الدم الكثير الذي سال في كربلاء قبل ايام يجعلك تتسائل عما ذا يتقاتل الناس، و في وقت يهددهم كلهم الارهاب القاتل!!؟؟ لا اريد الخوض بالمعتقد، و لا الحلال و الحرام، لكن الذي اعرفه، هو ان الصرخي و اتباعه يمارسون حياتهم و طقوسهم بشكل طبيعي منذ وقت ليس بالقصير، و هم جزء من هذا المجتمع. و انا لا اعرف المخفي عن هذه المجموعة، الحكومة و اجهزتها الامنية و الاستخباراتية هي المعنية بمثل هذه الامور. يقول محافظ كربلاء في مؤتمر صحفي في 3 تموز الجاري نقلا عن السومرية نيوز: "تم العثور على معمل للتفخيخ ومستودعات للأسلحة تابعة لإتباع رجل الدين محمود الحسني الصرخي"، و هذا يستدعي التحقيق، فأين كنتم عنهم؟؟ أم انه تبرير للاستخدام العنيف للقوة!

و أضاف "تم العثور على وثائق وأجهزة موبايل تبين الى اتصالات مع دولتين اجنبية وأسلحة مختلفة". لايوجد في العراق شاب بدون موبايل، و لا بيت بدون سلاح، وأنا شخصيا في هاتفي مجموعة من ارقام الهواتف لمعارف و اصدقاء و منهم اجانب يتوزعون على اكثر من 12 دولة، فهل سأقتل فورا عندما يقع هاتفي بيد الشرطة بسبب ارقام الهواتف الاجنبية هذه؟! فوجود اتصالات مع دول اخرى امر طبيعي في عصر الاتصالات الذي نعيشه اليوم، الا اذا ما عرفنا من هي هذه الدول و ما هي نوعية هذه التصالات. مرة اخرى الامر يستدعي تحقيق من مستوى عالي، الا التصرف العشوائي. واخيرا اضاف المحافظ: ان "منزل الصرخي الذي هو في منطقة سيف سعد، كان مفخخا وبالتالي تم تفجيره". لا تعليق، فلست خبيرا بالمتفجرات، لكن من السهل الادعاء على انه مفخخ، لتبرير تفجيره. و تابع المحافظ: "الصرخي ليس رجل دين وان انصاره عندما تمادوا بتصرفاتهم واعتداءاتهم على المواطنين اضطررنا الى حمل السلاح لايقافهم" و هذا هو مربط الفرس –كما يقولون- من يستطيع ان يحدد من هو رجل الدين، و من هو ليس برجل دين؟؟ و ما هي المحددات و الضوابط و المواصفات؟؟ من يضعها؟ و من الذي يشرف على مطابقتها في رجل ما ليقول انه رجل دين او لا؟؟ و هل الحكومة معنية بمثل هذه الامور و هذا التشخيص و التحديد!؟. لكن يبدو ان السبب في كل هذه المأسات هو ان ثمة احتكاك قد حصل بين اتباع الصرخي و بين بعض افراد القوات الامنية و تطور ليهب كل الى نجدة جماعته، و تطور الى عنف لتحصل تلك المأساة، هو ما اشار له المحافظ ضمنا من "انهم تمادوا بتصرفاتهم واعتداءاتهم على المواطنين." و ما يؤكد ذلك هو التصريحات التالية: "اعلنت مديرية شرطة محافظة كربلاء المقدسة انتهاء فتنة المدعو «محمود الصرخي» في المحافظة "متهمة" اتباعه المسلحبن بالاعتداء على القوات الامنية ومحاولة تشكيل ميليشات مسلحة. وقال مدير علاقات واعلام شرطة كربلاء العقيد «احمد الحسناوي» في بيان له ان "بعض المحسوبين على اتباع الصرخي بكربلاء قاموا بالاعتداء على عناصر من الاجهزة الامنية". وبين ان "مجموعة مسلحة تمادت وتعرضت على فوج الدعم والاسناد كما اعتدت على حمايات بعض المسؤولين مستهترة بكل القيم والمباديء واسفر التعرض عن استشهاد اثنين وجرح عدد اخر الامر الذي استدعى الرد الحازم والفوري من جانب الاجهزة الامنية".

واضح جدا انها مشكلة بسيطة و تطورت لهذا الحجم، و خصوصا ان احد اطرافها (القوات الامنية) التي غالبا ما تستخدم العنف المفرط حتى في ابسط المواقف. و لا تهتم بالتحقيق، و تعتقد دائما ان الاحتكاك مع منتسبيها هو بالضرورة احتكاك مع الدولة (الدولة: حكومة + شعب) لذا فيجب ان تنتصر للدولة، و هذا بالضبط ما نحاول تسليط الضوء عليه لانه خطأ كبير و يقود الى اخطاء اكبر. نتذكر هنا مأساة قتل مدرب نادي كربلاء علي يد القوات الامنية. و لو كان هذا المدرب من اتباع الصرخي مثلا، او رجل دين اخر، و هرع جماعته لنجدته بشيء من العنف، لحدثت مثل هذه الكارثة في ذلك اليوم!! و هنالك امثلة كثيرة على الاستخدام المفرط للقوة من قبل الاجهزة الامنية، ضد مواطنين عزل، لمجرد سوء فهم او احتكاك بسيط يتطور الى استخدام السلاح و ينتهي غالبا بكارثة. و الصحفي المغدور من قبل حماية الرئيس خير مثال على ذلك. تكرار هذا المشهد بات ظاهرة، تستحق الوقوف عندها، و معالجتها من قبل القيادات الامنية، و هذه دعوة مخلصة، فالأنفصام و عدم الثقة بين ابناء القوات الامنية و بين المواطنين هي من اهم الثغرات التي يتغلغل منها و يعيش عليها الارهاب، و الطابور الخامس.

في نفس السياق، و في يوم المأساة، قالت وكالة براثا للانباء على لسان مندوبها في كربلاء "ان الاشتباكات مازالت مستمرة بين القوات الامنية وجماعة محمود الصرخي لحد هذه اللحظة في منطقة سيف سعد حيث اصبحت ساحة حرب وقد شاركت طائرات الهليكوبتر في الاشتباكات". ان صح خبر استخدام الطائرات في هذه المشكلة، فهي كارثة، فالبلد احوج لجهد الطيران في مقارعة عصابات داعش، كما ان استخدام الطيران في المشاكل و الازمات المحلية، يستدعينا ان نتأمل قليلا، و ربما نعطي لانفسنا الحق ان نطلب من امريكا و روسيا و الدول الاخرى بعدم بيع الحكومة العراقية لاي طيران عسكري او اسلحة فتاكة اخرى، لانها تستخدمه ضد ابناءها. هكذا كنا نلوم العالم كله على تسليحه و وقوفه مع الدكتاتور صدام، عندما استخدم الاسلحة الفتاكة ضد ابناء العراق و ليس لحماية العراق.

ارجو ان لا يفهمني البعض بأني ادافع عن طرف. لا، انا ادافع عن مبادىء: اهمها التحقيق قبل التجريم، و العقوبة يحددها القانون. كذلك، الجيش و الاسلحة الفتاكة و منها الطيران، مهمته الدستورية حماية الوطن (ارض الوطن و شعبه و حدوده و مياهه و اجوائه)، لا ان تستخدم في ضرب جزء من ابناء الشعب حتى لو كانوا متمردين على الحكومة. ما اشبه اليوم بالبارحة، اما كنا ايام الانتفاضة الشعبية الخالدة 1991 متمردين على حكومة الطاغية المقبور، و اعتبرنا هو اننا (صفحة الغدر و الخيانة)، لقد ادناه و ادنا من ساعده على استخدام طيران الجيش ضدنا (بغض النظر ان كنا منتفضين حسب رأينا، او متمردين حسب رأيه)، و هل نضيف جديدا اذا ما ذكرنا الانفال و الاهوار و حلبجة!!. كان يمكن لمحافظة كربلاء ان تستدعي ما تريد من قوات الشرطة الاتحادية، لكن لا الجيش و الا الاسلحة الفتاكة من يعالج مثل هذه القضايا.

أكيد ان لا تحقيق سيفتح بعد هذه المأسات، حالها كحال (الزركة) او (جند السماء) فقد قتلت ناس بمجرد الظن انهم ارادوا ان يمارسوا القتل و لا تحقيق جرى او نشر لحد الان!! في الختام نطالب الجهات المسؤولة ان تفتح تحقيق موسوع و مهني، و يجب ان ينشر على الراي العام لمعرفة دواخل الامور، و كيف تفجر الوضع بهذه الطريقة التي قادت الى مذبحة. لماذا لم تتخذ الحكومة اجراءات مسبقة على ضوء المعطيات المتوفرة عن جماعة الصرخي قبل ان نقع جميعا في شرك هذه المأساة.

نعتقد ان من واجب الحكومة ان تأخذ التدابير الكافية لحماية المجتمع (و بضمنهم من يريد ان يقدم على فعل الجريمة) من اي جريمة قبل وقوعها، خصوصا اذا ما كانت لدى الحكومة مؤشرات (كما تدعي) على السعي للاجرام، و الا لماذا تحكم؟ الحكومة تريد ان تحكم، و لاتتمكن من حماية المجتمع، و لا تستطيع ان تجبي ضريبة، و لا تتمكن من القضاء على البطالة و على الفساد، و لا توفر الامن و لا الخدمات العامة، تريد فقط ان تتحكم بعوائد النفط!! اللهم بدد هذه الثروة، ليحيى جيل المستقبل بأمن و سلام!
 

6 تموز 2014


*
عضو رابطة المنتفضين العراقيين - 1991
 

free web counter

 

أرشيف المقالات