| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأثنين  7 / 10 / 2013



افتتاحية المدى

تحت جدارية جواد سليم (٢)
لكي لا يخطئ المحتجون الهدف

فخري كريم  

(١)
تتشكل مع مرور الأيام وتغيّر الأوضاع من سيئ إلى أسوأ، حركة احتجاجية شعبية لم تكتمل ملامحها بعد، لكنها تغتني باتساع رقعتها وعبورها خطوط التماس الطائفية، وتستعيد بذلك هويتها العراقية. وهي إذ تمتد لتغطي محافظات عديدة في الجنوب والغرب والوسط، تزداد وعياً بضرورة ان تجسد مطالبها وشعاراتها هذا التطور النوعي في المشاركة.

ان تطوير الحركة الاحتجاجية المطلبية، لتتجاوز الجزئيات الى ما هو جذر الاستعصاءات البنيوية في النظام السياسي الطائفي القائم، يعتمد بالدرجة الأساس على الشمولية الوطنية لها، وإضفاء ذات الطابع "الوطني" على الفعاليات المناطقية، والعمل على إيجاد آليات تنسيقية دائمة بين مراكز الفعاليات المناطقية المتفرقة، وتعميم تجاربها، وإعادة صياغة الشعارات المشتركة على ضوئها.

ان الانسياق وراء المظاهر الحماسية للتحدي تحت أي ظرف وحول اي مطلب وشعار، من شأنه استنزاف طاقة الحركة الاحتجاجية، وقد يُنفّر أوساطاً غير قليلة مستعدة للمشاركة فيما ترى انه يلبي طموحاتها، ولا يشتط وينحرف بالاتجاه الأساس للحركة. وفي مرحلة متقدمة من تطور الفعاليات الاحتجاجية، التي ينبغي ان لا تقتصر على المظاهرات فقط، يصبح لزاماً التحرك لتحقيق التنسيق، وفي اطاره تبادل الخبرة، وتحديد المهام والاهداف. ويدرك نُشطاء الفعاليات الجماهيرية التي لم تنقطع منذ سنتين، ان مطالبهم مهما كانت محددة القضايا والأهداف، لكنها اذا ظلت تبدو جزئية ولا تمس منظومة المفاهيم واسس النظام الطائفي القائم، فانها في المحصلة النهائية، ستصطدم بهذه المنظومة والأسس، بل وفي مرحلة من تصاعد الاحتجاج وتنوع فعالياته ستجد نفسها في مواجهة مباشرة معها، اذ كيف يمكن تناول قضايا الارهاب والفساد الاداري والمالي والتضييق على الحريات الديمقراطية، ومسائل انعدام الخدمات والعجز في معالجة محنة انقطاع الكهرباء والبطالة وتدهور التعليم والصحة، والسلسلة التي لا تنتهي من مظاهر فشل الدولة، دون ان تنوش قاعدة النظام السياسي وبناه الفوقية المتهرئة؟

إن أهمية تبادل الرأي في اطار تنسيق وطني بين الفعاليات المناطقية يساعد على بلورة مواقف موحدة من القضايا المطروحة، ويتجنب ما هو ثانوي او عرضي من ظاهرة تدخل في صلب العملية السياسية وفي البناء الفوقي للدولة.

ومثل هذا التنسيق يساعد على كشف التناقضات المستورة بين مراكز القوى في الدولة والسلطة السياسية، مما يدفع بعضها، بدوافع مصلحية، للاصطفاف مع هذه الفعالية او تلك، واعلان التعاطف "الكاذب" معها، والسعي لتسخيرها ودفعها في الاتجاه الذي يخدم أغراضها الدفينة ويقوي موقعها في الصراع مع خصومها، بل ومع حلفائها احياناً، وليس في امالة هذا الطرف او ذاك الى جانب الاحتجاج، اياً كانت محدوديته، شرط ان لا يجري توظيفه خارج سياقاته، او إخضاعه لمصالح الأطراف المتصارعة في النزاع على مواقع السلطة وامتيازاتها.

(٢)
لقد خرج المتظاهرون للمرة الثانية حول شعار رواتب وامتيازات النواب والدرجات الخاصة. والمطلب من حيث الجوهر عادل، ويتطلب الاستجابة له في سياق مجموعة من الإجراءات والتدابير الحكومية العاجلة. وتلتف حول هذا المطلب أوسع الأوساط الشعبية، والمرجعيات الدينية العليا التي ترى في الرواتب والامتيازات المبالغ فيها استنزافاً لموارد الدولة، وتوسيعاً للتفاوت في المجتمع، ومظهراً آخر للفساد المستشري في الدولة ومؤسساتها. ويُخشى ان شُبه الإجماع حول هذا المطلب هو الذي يُغري بتحويله الى شعار رئيسي يتصدر المظاهرات والحركات الاحتجاجية التي غطت أغلبية المحافظات العراقية، وواجهتها قوات "سوات" التابعة للقائد العام للقوات المسلحة، بالقمع والمطاردة واعتقال عدد من قياداتها ونشطائها.

ولتجنب الالتباس والتفسير الخاطئ، لا بد من الاتفاق على فساد هذه الظاهرة، وانعدام الحساسية الاخلاقية في مقاومة التجاوب مع الطلب بالغاء امتيازات ورواتب النواب والدرجات الخاصة. لكن تحويل هذا المطلب الى محور الحركة الاحتجاجية الشعبية ومركز اهتمامها، قد يؤدي الى "ستر وتمييع" ما هو جوهر هذه الظاهرة العرضية، مما يستوجب وضعه في سياقه الطبيعي من طبيعة النظام السياسي الذي يشكل مصدر الفساد والتمييز والنهب وتبديد الثروة الوطنية واعاقة تحقيق العدالة الاجتماعية، وازالة التفاوت بين الفئات الاجتماعية وافرادها.

وفي صياغة هذا المطلب، لا بد من مراعاة الدقة، فاذا كان الغاء الامتيازات مطلبا لا يقبل النقاش، فان "الغاء الرواتب" يتطلب الاخذ بالاعتبار "الحقوق المرعية للآخر" وتدقيقها على ضوء ذلك.

فالنواب وأعضاء مجالس المحافظات وما دون هذه المهام من المنتخبين المنسبين للخدمة العامة، ليسوا موظفين ثابتين كأقرانهم المعينين في مرافق الدولة ومؤسساتها، بل هم "منتخبون" منسبون مؤقتاً لمهمة عامة، تنتهي بنهاية الفترة الدستورية المقررة لها، وهذا يعني عودة كلٍ منهم الى وظيفته السابقة ومواصلة مهماته الوظيفية والحصول على حقوقه على أساسها. وقد يترتب على خدمته العامة بعض الزيادة عند احتساب الخدمة، كما هو الحال في الخدمة العسكرية مثلاً.

وخلال الخدمة في البرلمان او ما شابهها من اوجه الخدمة العامة، بالامكان تحديد بدل "خاص" عن الخدمة البرلمانية يجاري ما هو متحقق في البلدان الديمقراطية. ومثل هذا الفهم لا يتماشى مع شعار الغاء رواتب النواب، بل يضعف المحاججة مع اصحاب الشأن العام ويضعهم في موقع الممانع والمعارض. لكن الاهم ان المطلب بالصيغة المطروحة لا يعكس احترام حقوق الجميع دون تمييز. ويظل هاماً التأكيد على الغاء جميع الامتيازات التي لا علاقة لها بالرواتب والحقوق التقاعدية.

(٣)
ان الآفة التي تأتي على الأخضر واليابس في هذه الدولة الفاسدة، تتمثل بشكل صارخ في استشراء الفساد بوجهيه المالي والاداري، والتغطية عليه وخلق بيئة حاضنة له. ونمو هذه الآفة وتشابكها في نسيج الدولة كلها، يشكل اكبر عائق أمام النضال الديمقراطي لوضح حدٍ حاسم لتدهور الوضع وانحداره المستمر نحو شكل مستور "مكيف" من النظام الدكتاتوري.

وفي ظل غياب دولة المؤسسات، والتصاهر بين شبكات الفساد والمنظومة البيروقراطية الطائفية، وبحماية من قوات دمج مسلحة طائفية، والتداخل بين السلطات، وهيمنة رأس السلطة التنفيذية وفريق مستأثر بالثروة والامتيازات والمواقع الأثيرة في الدولة، لا يمكن مواجهة هذا النزوع الخطير، دون مستوىً من الترابط والتناغم بين مختلف أساليب ووسائل النضال الديمقراطي، وعلى أساس أولويات مطلبية وسياسية، لا تضعف الهدف الأساسي السياسي الذي تتعذر بمعزل عن تحقيقه معالجة اي قضية او مطلب او شعار عادل.

لقد تابعنا، مزايدات نوابٍ من دولة القانون، اعلنوا تبني الدعوة لإلغاء الرواتب التقاعدية والامتيازات للنواب والدرجات الخاصة، كذلك فعل رئيس مجلس الوزراء الذي ترجم موقفه في التطبيق العملي، خلال بضعة اسابيع بارسال قوات سوات الاثيرة على قلبه، لقمع المظاهرات وتفريقها، واعتقال نشطاء فيها. وفي نفس الاتجاه جادت قرائح نواب من كتل اخرى بتصريحات وخطابات بلاغية، سرعان ما تحولت الى هواء في شبك.

(٤)
لماذا لا تتوجه نواتات الحركة الاحتجاجية للمطالبة بتشكيل هيئة وطنية عليا لمكافحة الفساد، من غير امراء الطوائف تضم مجموعة من الشخصيات الاجتماعية والسياسية غير المشاركة في السلطة، المتروفة بنزاهتها، واياديها البيضاء؟

ولماذا لا تستفيد هذه النواتات ونشطاؤها من مواقع التواصل الاجتماعي، وبناء مواقع خاصة لها تقوم بما تقوم به المظاهرات، دون ان تكون بديلاً لها، تتولى جمع وارشفة وقائع ووثائق الفساد والفاسدين ليطلع عليها الناس وتشكل عامل ضغطٍ على المتورطين وحماتهم؟

لماذا لا تُكرس الجهود في جانب منها لرصد النشاطات المشبوهة للأبناء والأقارب والموالين، ووقائعها المرتبطة بالأعمال والوساطة وتلقي العمولات والرشى بالنيابة عن الآباء القادة والمسؤولين؟

لماذا لا يتولى هؤلاء النشطاء، جرد ابناء وبنات وذوي القادة الذين يتبوأون مناصب ومراكز حكومية، يحتاج إشغالها الى ضعف اعمارهم في الخدمة الحكومية؟

لماذا لا ينشر النشطاء سيرة المسؤولين والنواب من مدنهم ومناطقهم، وتحصيلهم الدراسي، وشهاداتهم المزورة واقترافهم الجرائم او انتمائهم المستور للاجهزة القمعية في النظام السابق؟

لماذا لا يتابع هؤلاء جميعاً الاشاعات التي تتناول سيرة الوزراء الحاليين وما يقال عن الرشاوى والعمولات التي يتقاضونها لقاء تمشية المعاملات والعقود؟

لماذا لا يولي المحتجون اهتماماً بالاشاعات التي تدور حول مكتب القائد العام ودور ولده وانسبائه واصدقائه في المهجر، واثرائهم الفاحش خلال بضع سنوات، وتورطهم في تعاملات تجارية وشركات وهمية، وفرض إتاوات على رجال الأعمال، واستيلائهم بالإكراه او البيع الشكلي، على عقارات الدولة او المواطنين في المنطقة الخضراء؟

ان اثارة كل هذه القضايا قد تدخل في باب الشبهات والتعريض، لكن تسليط الضوء عليها يمكن ان يستثير اصحاب العلاقة بتبرئة ذممهم امام الرأي العام، وفي هذا سترٌ وإنصافٌ لمؤمن، وإزالة الشبهة والحيف عنه. واول من اتمنى ان يُزال عنه الحيف وتتبدد الاشاعات والتهم التي تلاحقه وذويه، مختارنا المفدى دام ظله.




المدى
العدد (2911) 7/10/2013


 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات