| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأربعاء 7/4/ 2010

 

النزاهة والفساد بين اجنحة العدالة والقانون والقضاء

راضي الراضي

استقلال السلطة القضائية وثقة الناس بقرارات المحاكم هو سمة من سمات الحكم في النظم الديمقراطية التي تعطي للقضاء دورا مهما في حل النزاعات القائمة بين الافراد انفسهم اوبينهم وبين الحكومة , الحكومة التي كثيرا ما تخطئ في اجراءاتها او اثناء ادائها اليومي لاعمالها الاعتيادية خاصة اذا كانت هذه الحكومة من الحكومات الجديدة المتأتية نتيجة لصراعات اجتماعية وسياسية او نتيجة تغيير بسبب الحرب اوالاحتلال كما حدث في الدويلات التي انبثقت من تفكك الاتحاد السوفيتي او من تفكك يوغسلافية الاشتراكية اوالعراق بعد عام /2003/ حيث استلمت مقاليد الحكم غالبية ليست لها اية خبرة ادارية لادارة الدولة والمجتمع وليست لها خلفية ثقافية واسعة في عملية تلك الادارة لا بل تحكمها مفاهيم دينية او عرقية او مذهبية وفئوية ضيقة وبعيدة عن كل ما قررته الحضارة في العالم من اسس لحماية حقوق الانسان وحياته وخاصة الفئات الضعيفة و المهمشة كالنساء والاطفال والمحكومين والمعاقين والارامل والايتام والمسنين والمتقاعدين وذوي المورد المحدود او الواطئ .

وعندما لا يؤسس نظام ادارة الدولة والحكم وفق مبدأ سيادة القانون القائم على العدالة والمساواة في المجتمع حينذاك تستفحل كل انواع واشكال الجريمة ومنها جريمـــة الفساد الاداري والمالي حيث تستغل اجهزة الدولة عموما والتنفيذية خصوصا الضعف في تطبيق القانون وبالتالي تنحرف عن مسارها فتصبح دوائر الدولة دكاكيـن للكسـب المادي الشخصي فتنتهك حقوق الجماعات من قبل السلطة (1) وحقوق الفــرد حيث يعاقب البرئ دون جرم اقترفه وعلى العكس يكافأ المسيئ كونه صاحب ثروة يتقرب عن طريقها لصاحب القرار ويبقى طليقا مطمئنا على الرغم من ارباكه للمجتمع بفعله الجرمي .
 
ومن جراء ذلك الظلم يضطر الناس في اخر الامر للتمرد واللجوء للعنف والفوضى والقتـل وهذا ما يزيد الطين بله/ حسب المثل العراقي / لذا يستوجب ايجاد نظام ادارة متين وسليم يعتمد على المؤسسات الدستورية , والدستور الذي يحدد الحقوق والواجبات لكل من الافراد والسلطة على حد سواء.(2)
 
 
فمن اولويات تـثبيت سلطـة القانـون الاخذ بمـبدأ الفصل بين السلطات الثلاثــة التشريعية والتنفيذية والقضائية استقلالا غير شكليا / حقيقيا / مع الاخذ بعين الاعتبار مدى التعاون فيما بينها وتبادل الرقابة وفقا للدستور والقوانين المرعية , على ان تفحص هذه القوانين كلما تطلبت الحاجة الى تعديلها بما يتماشى مع متطلبات التطور والنمو الاجتماعي والاقتصادي للبلد وبما يتلائـم مع مستجـدات ذلك التطور بأعتبـار ان المجتمع كائنا حيا ينمو ويتحرك ونتيجة لهذه الحركة تظهر على السطح حاجات وافكار وعلوم جديدة تحتاج الى اعادة النظر بمضمون وهياكل النظام القانوني والقضائي تسهيلا لعملية النمو هذه من ناحية وتجنبا لما تفرزه هذه المستجدات من سلبيات قد تؤثر على عملية النمومن ناحية ثانية.وعلى العكس من ذلك ما جرى في العراق بعد التغييرحيث مرت اكثـر مـن (7) سنوات على قبر النظام الدكتاتوري المتخلف ولازالت بعض القوانين والانظمة التي شرعت فـــي العهد العثماني وايـام الحكم الملكي والحكم الصدامي اللانساني تطبق فى الوقت الحاضر على الرغم من عـدم ملائمتها للواقع الاجتماعي الذي يعيشه شعب العراق اليوم وما تتميزبه الدولة من تباينات دينية ومذهبية وقومية تتطلب العمل بشكل عقـلاني على ايجاد نصوص جديـدة لاقامة هويـة وطنيـة تعبـرعن ارادة جميع مكونات المجتمع العراقي بعيدا عن العصبية القبلية والعرقية والطائفية التي مزقت نسيج المجتمع واضعفت جميع تلك المكونات مما زاد من استفحال الجريمة وخاصة جريمة الفساد الاداري والمالي .

ويمكننا القول ان بعض القوانين العراقية – القديمة – المعمول بها الان لا تواكب حقوق الانسان على الرغم من التأكيد على هذه الحقوق في الدستور الجديد الا ان الملفت للنظر هو ان المادتين/38 و39 / من الدستور والتي تخص الحـريات والحـقوق قد نصت على اصدار قانون خاص ينظمها علما بأنها مذكورة بالدستوربشكل مطلق دون قيد مما يشير الى وجود نية لدى ساسة العراق اليوم لتقييد تلك الحقوق والحريات التي نص عليها الدستور وهذا النحو يجانب الاتفاقيات والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الانسان والتـي صادق عليها العراق مما يضعف ثقة المجتمع العراقي بنظامه وبالتالي يـؤدي الى اتساع الفجوة بين المجتمع وحكامه فنكون في ازمة تمثيل الديمقراطية اي الازمة بيـن العهــود التي اعطاها المرشحون في الانتخابات وبين الايفاء بتلك العهود بعد الفوز.(3)

ومن القوانين العراقية التي تعتبر متخلفة عن الركب الحضاري والتي تخـالف حقوق الانسان قانون العقوبات رقـم (111) لسنة 1969 المعدل بعشرات التعديلات التي أجريت لصالح النظام وتضمنت عشرات المواد التي تعاقب بألاعدام وبطريقة تنم على الاستهتار في حق الناس بألحياة (4) وكذلك قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 الذي سمح بتدخل السلطة التنفيذية بشؤون السلطة القضائية وفق المادة/ 136/ الفقرة /ب/ منه والتي نصت بعدم جواز احالة المتهم على المحكمة في جريمة ارتكبت اثناء تأديته لوظيفته الرسمية أو بسببها الا بأذن من الوزير المختص و خلافا لمبدأ الولاية العامة للقضاء كذلك قانون الجنسية الذي الغي بعـد التغييروشرع من جديد على عجل , وقانون العمل رقم (71) لسنة 1987 اضافة الى قانوني الخدمة المدنية وقانون انضباط موظفي الدولة وغيرها من القوانين التجارية والاقتصادية والمالية التي سنتطرق اليها في بحث خاص بها لاهميتها .

والمهم جدا هنا ان نذكر ان السياسة الجنائية – الخطة والاستراتيجية الجنائية – المعمول بها في العراق لازالت متخلفة ومجانبة لحقوق الانسان ايضا والمعتمدة على طريقة الوصول للدليل عن طريق انتزاع الاعترافات من المتهمين بالقوة والطرق القسرية والقمعية لا بل حتى الوحشية مع عدم اعطاء الدور للاساليب العلمية الحديثة للوصول الى الفاعل او القائم الحقيقي بألعمل الجرمي كفحص الحمض النووي وفحص الـدم وجهاز كشـف الكـذب واستعمال الاشعة فوق البنفسجية وتحت الحمراء وغيرها من الادلة الفنية والمادية والتي تخـفف من الاعتماد على افـادات الشهود التي يـعتريها الكثير من الشكوك العلمية اليوم و يجعل العاملين على هذه السياسة عرضة للاتهام بعدم الانصاف مما يخل بمبدأ الردع العام بأعتباره حالـة اقتناع الناس بعدالـة العقـوبة وبألتالي اي عند عدم اقتناعهم بذلك ستبقى حالت التمرد على القوانين مستمرة.(5)
 
القضاء
كـما قلنـا في بـداية هذا الموضوع ان المساواة امام القانــون هي الدعامة الرئيسيـة لاقامة الحكم الديمقراطي وهذا غـير ممكن في حالـة انتشار الفسـاد في النظـــام القضائي , فعندما يكون هناك قضاء فاسد حينذاك يكون الكل خاسرون واولهم الفقراء الذين طالمـــــا يجبرون على الدفع من اجل الوصول الى حقوقهم وبشكل يفوق قدراتهم المادية مما يدفعهم لممارسات غير قانونية , كما ان الفساد القضائي يؤدي الى انحلال التماسك الاجتماعي فيصبح المال والنفــوذ اساس العدل !!
اضافة الى هذا وذاك فأن الفساد القضائي يضعف تعاون المجتمع الدولي لمكافحـة الفساد.. ويزيد من انتهاكات حقوق الانسان فتتعرقل كل الجهود المبذولة للحد من الفقر وبألتالي كل الجهود المبذولة للوصول الى مجتمعات امنه مستقره دوليا واقليميا ومحليا . علما بأن هناك اسباب لفساد القضاء من اهمها : -
 
1 – التدخل السياسي في العمل القضائي وهنا تهدر القاعدة الدستورية التي تنص/ ان القضاء مستقل ولا سلطان عليه لغير القانون / وتصبح قرارات القاضي عرضة للشد
والجـذب حسب الاهواء السياسية فنكون امام حالة من الانتهازية السياسية .
 
2 – وقد يكون الجشع وحب جمع المال سببا لانتشار الرشوة بكافة اشكالها والرشوة في هذا المجال من اخطر انواع الفساد لسهولة تعاطيها من ناحية ولما لها من تأثير كبير على نزاهة الاجــراءات القضائية وبالتالي الوصول لقرارات مجانبة للحق والعدل والانصاف .
3 – الضغوط التي تمارسها السلطتين التشريعية والتنفيذية استنادا لمبدأ تضارب المصالح .
4 – ومن الاسباب المهمة لانتشار الفساد في النظام القضائي هو ما يحصل عليه القاضي من راتب (المورد الشهري) المتدني و الذي لا يسد في كثير من الانظمة حاجات القاضي اليومية بما يتناسب مع هيبة القضاء , ناهيك عن عدم توفير اي ضمان سكني او صحي له ولعائلته مما يؤدي الى شعوره بألاحباط وعدم احترام الذات . اضف الى كل ذلك الفروقات الكبيرة / وبشكل غير معقـول/الفروقات بين رواتب القضاة وبين الكثير من منتسبي الادارة ممن لا يقدمون للمجتمع عشر مما يقدمه القاضي من جهود نفسية وفيزياوية مضنية تصب في مجال اعادة الحق الى نصابه وتؤدي الى خلق علاقات اجتماعية انسانية سليمة .(6)
 
اما مظاهر الفساد القضائي فهي كثيرة ونذكر منها:
1 - تأخير حسم الدعاوى والقضايا وكثرة تأجيل المرافعات وبشكل يزيد عما تتطلبه اجراءات الدعوى او القضية وخلافا لما يحدده القانون .
2 – الاجراءات المبهمة التي يتخذها القاضي اثناء المرافعة والتي تبعد اطراف الدعوى عــن العقدة الواجبة الحل فيـهـا مما يؤدي الى التشتت في تلك الاجراءات فيضيع الحق وينتفع المعتدي على الحق ليجني ثمار ما دفع .

والمهم ذكره هنا هو دور القوانين الشكلية التي تنظم الاجراءات وهي كل من قانون المرافعات المدنية وقانون اصول المحاكمات الجزائية اللذان يحددان اجراءات الترافع والتقاضي وهي اجراءات كثيرا ماتكون معقدة وتتسم بالبروقراطية مما يستوجب اعادة النظر فيها وتبسيطها فكلما كانت الاجراءات بسيطة كان الحسم اسرع واسلم فيضيق المجــال امام الفساد والفاسدين .
3 – هناك ما يسمى باسباب القرار وان هذه الاسباب تؤخذ من مجريات الترافع والتقاضي وممــــا يطرحه الاطراف من دفوع وطلبات اثنـاء الترافـع فكـل ذلك يصبـح من حيثـيات القراروالقراريجب ان يكون مستندا ومنسجما مع تلك الحيثـيات اما اذا كـان القـرار مغاير اومخالـف لتلك الحيثيات فنكون اما امام حالة من الخطاء الجسيم اوحالة تنم عن رشوة وكلاهما من الفساد القضائي.
4 – ويعتبر من الفساد القضائي سوء استخدام ميزانية السلطة القضائية والمحاكم والدوائر التابعه لها كما حدث ابان العهد السابق حيث تم تغيير اثاث المحاكم مرتين في سنة واحدة .
5 – اضافة الـى هذا وذاك هنـاك امـور كثيرة قد تساعد على الفساد القضائي كــدور بعض المحامين ودور الموظفين المساعدين من كتبه وفنيين ودور الشرطة القضائية وغيرها من الاجهزه المساعدة.

ومن اهم ضمانات نزاهة القاضي هي تلك التي ترجع لاختياره كونــــه انسان يمتلك سلوكا مهنيا حياديا يتبنى طريق العدل من قرارة نفسه وخير حصن يلجأ اليـــه هو القانون وضميره فلن يكون قاضيا ان لم يكن له بين جنبيه نفس القاضي وعزة وكرامة القاضي وغضبة القاضي لسلطانه واستقلاله وهذا ما يسمى بالحصانة الذاتية اضف اليها ما تقرره القوانين من ضمانات تؤكد (7) حصانة القاضي وحقه في الاستقلال.


التوثيق :
1 -
د.اقبال الفلوجي /السياسة الجنائية / محاضرات القيت على طلاب المعهد القضائي /بغداد / 1977 -1979
2 - يمكن مراجعة الباب الثاني من الدستور العراقي الجديد المخصص للحقوق والحريات .
3 - ملحق/أ/الملتقى الوطني لآعادة انشاء الحكومة في العراق/عمان الاردن/نيسان/2007
4 - يمكن مراجعة المواد 190 – 201 من قانون العقوبات اعلاه والمعدلة بألامر(7) الصادر من سلطة الائتلاف في 17/8/2007
5 - راجع حقوق الانسان الحلقة (9) /المفوضية السامية لحقوق الانسان/ اصدار الامم المتحدة / نيويورك وجنيف الصادر باللغة العربية سنة 2002 ص101
6 - ولزيادة المعرفة بهذا الخصوص يمكن مراجعة (مبادئ بانجلور بشأن السلوك القضائي ) الصادر من المجلس الاستشاري للقضاة الاوربيين
7 - نبيل عمران /نائب رئيس محكمة النقض في مصر/ دراسة بعنوان / استقلال القضاء في الدول العربية مقدمة للمعهد
الجنائي الدولي في ايطاليا
 
 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات