| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الجمعة 6/4/ 2012                                                                                                   

 


تعقيب على تعقيب تحرير سالم

 ابراهيم الحريري

الأِعتراف ".... الأَخير!”
[
كتبت قبل مدة اناقش اطروحة الدكتور في علم الجمال السيد صباح علي الشاهر حول السن الذهبية للسيد مفيد الجزائري و قد عقب البعض و نشرت تعقيباتهم بينها تعقيب السيد تحرير سالم الذي نشر على موقع الحوار المتمدن ثم سحب في اليوم التالي لانه ، كما كتب محرر الموقع، لا ينسجم وسياسة الموقع في ضرورة التزام المتحاورين بآداب الحوار ، مع اني كنت طلبت من محرر الموقع الابقاء على كل ما يخصني ، مهما كان قاسيا و جارحا،الا ان الموقع فضل عدم الخروج عن سياسته وهو موقف احترمه، لكن اسمح لنفسي بالرد على الاتهامات التي تضمها تعقيب السيد سالم حتى لو بقي على الموقع ليوم واحد ، سمحت للعديدين ان يقرأوه] - أ.ح

تضمن تعقيب السيد سالم انه لا يحق لي النقاش لاني ، على حد تعبيره "معترف" تسببت اعترافاته ، بعد اعتقاله غداة انقلاب شباط في اعدام عامل المطابع و الكادر الحزبي ابراهيم الراوندوزي (اذا لم تخني الذاكرة فالتعقيب ازيل من على صفحات الموقع) بل تعدى ذلك الى اتهامي بان اعترافاتي تسببت، بالأِضافة، في اعدام العشرات فقط !و انه لهذا لا يحق لي ان اذكر اسم الشهيد سلام عادل على لساني فيما يشبه التهديد بقطع لساني اذا فعلت !

لا اريد ان اتوقف كثيرا عند لهجة السيد سالم التي تذكرني بلهجة الجلادين في قصر النهاية ( ليته ادخر لهم قليلا من حقده) ، فذلك لا يستحق التوقف فلكل لغته , لكن من حقي ان اتوقف عند بعض الوقائع التي ذكرها.

بدءاً اود التذكير اني لم ادع البطولة و لم اخف ابدا موقفي الضعيف في قصر النهاية ، كما فعل و يفعل عديدون للتستر على سوآتهم، و لا اتمنى للسيد سالم و لا لغيره ان يتعرض للتجربه ذاتها لنرى ما الذي كان سيكون عليه موقفه ،اقول اني لم انكر- ابدا- ضعفي بل كنت قاسيا في التشهير به حد الجلد في اكثر ما كتبت، مقالة و قصة و رواية بينها "الاغتيال" و"يارا" و"الانقلاب" بل ذهب بي الامر حد كتابة قصة قصيرة باسم "الاعتراف" نشرت في صحيفة " السفير" اواسط الثمانينات زاوجت فيها بين انتزاع الاعتراف كعملية اخصاء روحي وجسدي .و لو قدر للسيد سالم ان يقرأ ، اذا كان لديه وقت للقراءة ، بدل سوق الاتهامات التي لا يقيم عليها الدليل- المقابلة التي اجريت معي و نشرت في الحوار المتمدن لقرأ انني اشرت الى هذا الامتحان العسير الذي تعرضت له و تعرض له ، ربما ، المئات ان لم يكن الاف، و اثقل ضمائرهم .

و لعل السيد تحرير سالم (ارجو ان يكون هذا اسمه الحقيقي لا اسما يتستر خلفه للتهرب من مسؤولية ما يكتب) قرأ - هذا اذا كان يقرأ "طريق الشعب" صحيفة الحزب الشيوعي العراقي ما كتبت في العدد الصادر في 15 حزيران 2003 تحت عنوان "المهم" اخاطب الذين تعرضوا للمحنة ذاتها كتبت:
"انا واحد منكم!انا ايضا ضعفت و سقطت في امتحان قصر النهاية او كما عبرت عن هذه التجربة حين كتبت ( في عمود سابق ) رأيت الحزب ينهار او هكذا شبه لي، فانهرت معه !استطرد كاتبا "انا ايضا عانيت من الشعور بالذنب، و لعلي ما ازال، لكني توقفت للحظة لأَتساءل: الى اين ؟ اما تزال تعتقد ان الحزب ، برغم كل اخطائه و عثراته، لا يزال يجسد ، او يحاول ، الشيوعية ؟ هل ستسمح لموقف ضعيف ان يغير مسيرتك، ان يسمم حياتك ؟هل ستسمح لمشاعر الندم ان تتآكلك، ان تشل ارادتك؟ اليس هذا ما اراده الجلادون: تحطيم ألاف الثوريين و حرمان الحزب من طاقاتهم؟ الست بابتعادك و انزوائك ، تحقق ارادة الجلادين، الذين تكن لهم حقدا مضاعفا ، ليس بسبب ما ارتكبوه بحق الشعب ، بل، ايضا، بسبب الاذى الجسدي و النفسي الذي الحقوه بك؟
و بدأت المسيرة الأكثر مشقة "كتبت مضيفا" مسيرة قهر التردد و الرغبة في الانزواء و النسيان، و قبول ما حصل باعتباره قدرا نهائيا لا يمكن تجاوزه و التغلب عليه و البدء من جديد...
و لم تكن المسيرة سهلة..." الخ مما ورد فيما كتبت في ذلك الوقت .

لماذا كتبت كل ذلك بهذا القدر من الصراحة رغم الآلام التي سببتها لي الكتابة،حتى اني هتفت لوعة و احتجاجا في واحدة من كتاباتي عن قصر النهاية : " لماذا قدر ان اعيش كل ذلك ، ان اموت كل ذلك ؟ ان أكون شاهدا على نفسي و على غيري ؟ " كانت هذه و غيرها من الكتابات عن هذا الموضوع نوعا من التطهير الذاتي للتخلص من سموم الوضع الذي صرت اليه ، و لاساعد الآخرين الذين تعرضوا للمحنة ذاتها على النهوض ، كما فعلت . فقد كان الوضع بعد انقلاب شباط الدموي ، اشبه باعصار مدمر خرب البيت - الحزب - او اكثره ، و وضع الآلاف من ابنائه خارجا و شردهم . اردت ان اقول لهم ان البرء من جراحات 8 شباط لن يكون بالأِنزواء و الانكفاء على الذات و اجترار عذابات الضمير بل باعادة الأِلتحام بالحزب و المساهمة في اعادة بنائه و في نشاطه ،و من خلال ذلك اعادة بناء ثقتهم بانفسهم، و حث الحزب على الاستفادة من طاقاتهم ، من اجلهم و من اجل الحزب والناس . و لقد عرفت ، فيما بعد ، ان العشرات ممن تعرضوا للمحنة ، التحقوا بالحزب استجابة للنداء .

اجل ! لم تكن المسيرة سهلة ، بدأت منذ اللحظة التي غادرت فيها القلعة الثانية في سجن الموقف بما يشبه المعجزة ، تعاون على تحقيقها صديق للعائلة و صديقه الخفر في مكتب الحاكم العسكري في ذلك الوقت الضابط القومي (ح.د ) و هربت الى الكويت بمساعدة العديد من الرفاق و الاصدقاء بينهم الصديق غالب بليبل ، رئيس اتحاد رجال الاعمال الآن ، الذي قدمت لي عائلته مساعدة جلى في تسهيل هروبي الى الكويت (كان ما يزال معتقلا!)

سرعان ما افلحت و عدد من الاصدقاء ’ الذين هربوا مثلي ، في تكوين حلقة من الرفاق و الاصدقاء و نجحنا في الاتصال بالحزب فاوفد لنا الرفيق الراحل انور محمد طه الذي طلب مني الكتابة عن تجربتي في قصر النهاية . حين عاد من رحلة الى البصرة ، طلب مني العودة الى الحزب ، فاعتذرت ، و لقد اتيحت لي هذه الفرصة ، اكثر من مرة ، لكني كنت اعتذر في كل مرة ، ليس خوفا و لا ترددا ، فلقد كنت اقبل كل التكليفات ( بينها ما بات معروفا اشار له الراحل صالح دكلة في مذكراته و عزيز سباهي في كتابه الموسوم " عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي" ، هذا فضلا عن بهاء الدين نوري في مذكراته عن فترة الخمسينيات من القرن الماضي ، بينها ما هو بالغ الخطورة لم يحن بعد الوقت للكشف عن تفاصيله ) بل عقابا لنفسي على ضعفي في قصر النهاية .

حتى قررت العودة الى الحزب ، تنظيميا ، عام 1997 للمساهمة في معالجة وضع شاذ ، و مازلت، حتى الان امارس حياتي الحزبية في صحافة الحزب و منظماته كلما اتيحت، لي الفرصة .

لماذا اكتب كل ذلك ؟ لأن الأِتهام بالتسبب في اعدام العشرات اتهام خطير يتطلب التحقيق و المحاكمة و انا مستعد للوقوف امامهما بضمير نقي , صادق، فهل يملك السيد تحرير سالم الجرأة على الظهور اما اية هيئة قضائية او اي منظمة من منظمات حقوق الانسان باسمه الصريح ، بضمير مطمئن ؟ اشك في ذلك لأن نثر الاتهامات الخطيرة من دون اقامة الدليل عليها هو امر يختص به من لا ضمير له . كدت احسده على ذلك لولا ان وازعا من الضمير فضل لي عذاب الضمير على ان اكون بدونه.

انني انفي هذه الاتهامات جملة و تفصيلا وأشك ان ما يسمى باعترافاتي آذت احدا غيري و انا مستعد لطلب المغفرة ، زاحفا على ركبتي ، لكل من يثبت انني آذيته . . ليس هذا فحسب بل انني لم اشهد ضد احد ("اشخّص" حسب التعبير الذي درج في تلك الأيام) و لم اقد الجلادين الى اي بيت حزبي او بيت اي من عشرات الرفاق الذين عملت معهم و تنقلت بين بيوتهم طيلة عملي معهم . لقد صنت عشرات البيوت بينها بيت مسؤول جهاز الطباعة المركزي الرفيق مهدي الموسوي ، وهو اخو الشهيد ابو ايمان و كان الشهيد طلب مني تفريغه من العمل الحزبي للاستفادة من طاقاته في مجالات اخرى...

بل صنت مراكز و مقرات العديد من المنظمات و بيوت مسؤوليها و كوادرها و بينها منظمة الموصل و منزل مسؤول لجنتها المحلية الشهيد البطل طالب عبد الجبار و بيت مسؤول الخط العسكري فيها الشهيد بنيامين يوسف - و كنت غادرتها لتوي للالتحاق بالمكتب العمالي كما اشرت في كتابة سابقة - و هي ، اي منظمة الموصل ، كانت تهيئ لانقلاب مضاد في ما سمي بحركة معسكر فايدة التي تسببت الوشاية و الخيانة في اجهاضها . و انا لا اسوق هذه الوقائع للتغطية على ضعفي في قصر النهاية، هذا الضعف الذي لا يمكن تبريره ابدا و مازلت ادفع ثمنه امام ضميري .

اما تهديدي بان لا اذكر اسم الشهيد ابو ايمان مرة اخرى و الا... فاني اطمئن السيد تحرير سالم اني امتلك علاقات طيبة مع عائلة الشهيد: زوجته و رفيقة دربه العزيزة ام ايمان (فاطمة ، اسمها الحزبي خلال عملنا معا في منطقية بغداد اوائل الستينات) التي بكيت على كتفها و انا اروي لها الايام الاخيرة لمعاناة الشهيد، و كنت شاهدا على بعضها، قبل صلبه ، فربتت على رأسي تخفف عني. و مازلت على علاقة طيبة باخويه ابراهيم ( ابو مرتضى ) و مهدي ( ابو صلاح ) و التقيت ولده عليا عندما قدم الى كندا وحاولت جهدي ، بطلب من ام ايمان ، مساعدته على الاستقرار هناك ، هذا فضلا عن لقاءات سريعة بايمان و شذى ، ابنتيْ الشهيد الخالد ، و لا احسبهم ، جميعا ، اقل غيرة من السيد تحرير سالم على سمعة الشهيد و تراثه .

في العيد الثامن و السبعين لتأسيس الحزب، كتبت الى رفاقي و انا استذكر علاقتي بالحزب :
" احتفلت قبل ايام ، بالضبط في الخامس عشر من كانون الاول الماضي ، 2011، وحدي، في كندا، بمرور ستين عاما على التحاقي بالحزب ، و كم كنت اتمنى ان احتفل بهذه المناسبة بين رفاقي و اصدقائي القدماء ، عمال النسيج اليدوي في الكاظمية ، الذين شهدوا عمادتي الأولى كعامل معهم و من اجلهم و من اجل سعادة الشعب و تقدمه و مازلت احاول ، رغم سقطاتي و ضعفي و اخطائي و خطاياي ، ان اواصل مسيرة العمل مع الناس و من اجل الناس...و ساظل !

الان، و قد جاوزت العقد السابع من عمري بل ولجت منتصف العقد الثامن ، قضيت اكثره في حوار مع نفسي و مع الحزب ، توصلت الى قدر من التوازن اتاح لي ان ارى ان هذا التوازن يكمن في العمل من اجل انسنة الحزب ، باعتباره نتاجا للنشاط البشري و ليس كائنا متعاليا ، و بالتأنسن خلال ذلك ، معه ...

الآن و انا ارتشف ما تبقى من كأسي ، و هو ليس بالكثير ‘ متأنيا ، متأملا ، ملتذا، أهتف من اعماق القلب :
اشهد اني عشت مغامرة كبرى للقلب و الروح و العقل و ضعتني على مشارف الكشف اكثر من مرة.. و ما ازال !


هاملتون / كندا
3نيسان - ابريل 2012
 

 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات