| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد 6/9/ 2009



تشابه انحطاط البَعثْ

فاهم إيدام

مصدر مقالتي هذه ـ كما سابقتها ـ هو الأستفزاز الحاصل ممّا يصرّح به السيّد وريث الرئاسة في سوريا (بشّار الأسد). لكني لن أتوقّف هنا فقط عند المستجدّات التي فزّزتها المواجهة الأخيرة ما بين حكومة العراق والبعث السوري، وإنما سأسمح لنفسي بإدلاء دلوٍ صغيرٍ في مستنقع ما أحدثه البعث الوضيع في القضاء، إلى حدٍّ قصيٍّ، على أيّ قدرةٍ لشعبين عظيمين ـ العراقي والسوري ـ في صناعة حياةٍ كريمةٍ أُسوةً مع باقي شعوب الأرض (غير العربيه طبعاً ). والقضاء المبرم على ما تعنيه الكلمات التي لم يظهر لها أيّ معنى على مستوى التطبيق، وأعني القضاء الفعلي الحصري على ما تعنيه كلمات سوّغوا، هم أنفسهم، لأنفسهم رفعها شعاراً لعصابتهم، إمعاناً في حبك المأساة... ( الوحدة والحريه والأشتراكيه ).

إنّه لمن الخطأ وجود تصوّر لدى بعض العراقيين، يرمي إلى التفريق أو التمييز ما بين البعث الذي حكم العراق وتجربته المدمّرة، والبعث في سوريا الذي لا تقلّ تجربته تدميراً لأمكانيات هذا الشعب. كان له مصلحة، أو غاية أخرى من هذا، أم لم يكن، يرتكب خطأً فادحاً من يتصوّر وجود اختلاف في حجم التدمير الذي أحدثه البعثيون، منذ اغتصبوا السلطة في كلا البلدين، بطريقة الأنقلاب. فإنشاء الدولة الدكتاتورية البوليسية، وثمّ الأستمرار بحمايتها وحماية ما يُصرّون ـ وبغباءٍ مطلق ـ على تسميته (بالثورة)، والتي لا تعني لديهم استلام السلطة بقوّة السلاح كما يدّعون!

لقد تمّت حماية هذه السلطة بكلّ ما لا يقلّ وصفه بالوحشيّ من أساليب أرغام الآخر على الأذعان. بما في ذلك المسّ بكرامة هذا الآخر استباقيّاً، تحسّباً من أي فعلٍ معارضٍ قد يبديه الآخر هذا، والذي هو ابن البلد أصلاً وفصلاً. وفي أحيانٍ كثيرةٍ، تكون قرارات هذه (المافيا)، التي إسمها (حزب البعث)، الأستباقيّة في تقدير حجم المعارضة المفترضة من هذا الآخر، مؤدّية إلى تصفيته الجسديّة كحلٍ هو في الحقيقة منتهى الحلول! بحكم كون هذا الآخر البائس قد انعَدَم وجوده الفعليّ، وهكذا انعدمت ـ وإلى الأبد ـ امكانيّة معارضته لشيء.

زعيم عصابة حزب البعث السوري، صاحب السبق المُخجل في توريث الرئاسة ـ بشّار الأسد، في مؤتمره الصحفي الأخير مع الثائر الكوني الكرتوني (هوغو شافز) الذي لم يُصلح لحدّ الآن أيّ مشكلةٍ حقيقيّةٍ لبلده (فنزويلّا)، ولا لقارّته اللاتينيه! وكلّ ما فعله هو أنه صار أغنى مالاً هو وعائلته، وأكثر شهرةً من جرّاء حمل معارضته لأمريكا والدوران بها على قارّات الأرض، وعقد صداقاتٍ متواصلةً مع جميع الأنظمة الدكتاتوريّة، بدءً بالساقط صدّام حسين وانتهاءً بما نتمنّى له المآل نفسه بشّار الأسد، فيما تُصنّف (فنزويلّا) بالثانيه على مستوى قارّتها من حيث حجم الفساد والمافيويّه.

ظهر السيد بشّار الأسديّ ثابتاً على ثوريّةٍ، وراثيّةٍ بدورها، كون من اخترع وبلور معانيها الساميه، هو الزعيم الخالد ـ في التماثيل والصور ـ (حافظ الأسد)، الذي هو لحسن حظٍّ عُرفت به بلاد الشام الجميله، يكون الوالد الشرعي للإبن الشرعي (بشّار). فصحّة الحسب والنسب واستقامتيهما مهمّ، وإنّ أهميّته بالغة حتّى بالنسبة لحزبٍ يفضّل من مواطنيه السَفَلة والمنحطّين وأولاد الشوارع المنتمين له، وإن كانوا بصفة (عضو عامل)، على الأنبياء أنفسهم لو كانوا معارضين. وإن كانت هذه المعارضة تتمثّل بطلبٍ سلميٍّ من هذه العصابة أن تحسّ على دمها، وتعتق هذا الشعب وتتركه يتلمّس طريقه وسط ذلك الكهف الذي من دون نهاية، والذي أدخلها فيه هذا البعث.
ظهر السيّد (مايكل كورليوني) ليصف حكمةً كانت خافية ـ أو هكذا تصوّر العبقري ـ على الجميع، وهي أنّ إحالة قضيّة الأربعاء الدامي من قبل الحكومة العراقية إلى محكمةٍ دوليّةٍ مستقلّةٍ، وطلب أجراء تحقيق رسمي بهذه المجزرة، هو من وجهة نظر الرئيس السوري تدويلٌ لا يملك دواعي التدويل! يعكس حقيقةً مفادها ـ وهنا مربط الفرس ـ أنّنا حكومات عاجزة عن حلّ مشاكلها بنفسها، فتلجأ إلى المجتمع الدولي لحلّ مواضيعها.
يقول السيد بشّار الأسد هذا الكلام مع أنّ الحكومة العراقية لم تطرح سوريا بالأسم على أنها البلد الذي أسهم وساعد وآوى في أحداث الأربعاء البعث/ قاعدي بامتياز.

هنا ـ أيّها السيّدات والسادة ـ تتجلّى حقيقة الكارثة التي أحدثها البعث المجرم وتجربتيه في حكم الشعوب، فالسيّد بشّار، وبوقاحةٍ تامّة، يُعيب على الحكومة العراقية قصرها وعجزها عن حصر المشكلة بين البلدين، ويُعيب بالتالي عليها تدويل مشكلةٍ وصف الكلام فيها، قبل أيّامٍ قليلةٍ، بأنه (لاأخلاقي). إنّ الحلول التي سيطرها نظام العفالقة في سوريّا، هي حلول شرطة حدودها، أي الرشوة والطرق الملتوية والسكوت عن الجرائم والتعمّق في علم الدسائس وقمع المعارضين ..... يعني يا سادة يا كرام، سحب العراق ـ صاحب العلل أصلاً في هذا المجال، إلى الكف تماماً عن الحديث بآمالٍ ديموقراطيّه!

وإلاّ فما الذي يريده هذا الرجل ـ والعصابة من ورائه ـ؟ هل يريد حلّ المشكلة داخليّاً بين البلدين، وهو يؤوي متعمّداً، ويحمي ويساعد الأرهابيين الذين أعلنوا أبادة العراقيين، وحثالة البعث الوضيع، المطلوبين أصلاً للشعب العراقي؟ ثمّ لا يريد تدويل القضيّة، ولا نفهم لماذا يخاف التدويل أساساً وهو الزاعم ـ وبكلّ المكر المضحك الذي يقدر عليه ـ بأنّ اتّهامه بالحماية والتدريب والمساعدة، أقلّ ما يُقال عنه بأنه لا أخلاقي.
وأخيراً فإنّ تجلّيات هذه الكارثة المتمثّلة في حكم البعث لشعبين، تخلّص أحدهما وبقي الآخر المسكين، تكمن في حالة الضياع في مسألة عدم وجود البديل الفعلي، الذي يستطيع انتشال هذه الدولة من الانحطاط الذي أوصلها البعث إليه!

تَعالوا أيها السادة وتصوّروا معي أنّ كلمات (مايكل) ـ أعني بشّارـ هي تشخيص للحقيقة المجرّدة، والقائلة (عن حقّ) بأنّ الأنظمة التي تحكم العالم المسمّى عربي، هي أنظمة عاجزة عن حلّ مشاكلها. ولنتصوّر أن البعث في سوريا يتقبّل الرأي الآخر، وقد طالبناه ـ ممعنين في التصوّر ـ بالأستقالة وفسح المجال أمام الشعب لأختيار من يتصوّرون أنّ باستطاعته إنقاذ شيء، فما الذي سنواجهه؟

سنواجه يا أيّها المحترمون حقيقة أنّ جريمة البعث الأكثر فتكاً بأيّ أمل، تكمن في أنّ هذه العصابة قد عملت على إمحاء وجود البديل المنقذ! وهكذا ستحتّم الضرورة الوطنيّة في سوريا المسكينة أن يستمرّ البعث....وذلك لعدم وجود البديل.

هل يُمكن لعصابةٍ أن تنجح في تدمير بلدٍ أكثر من ذلك؟
 

5 ـ 09 ـ 2009
 


 

free web counter

 

أرشيف المقالات