| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأربعاء 6 / 11 / 2013

 


الخصـخصـة و حقـوق الانســـــان

المهندس صباح الجزائري

من بين توجهات الدولة العراقية اليوم توجهان اساسيان :
الاول : تغيير شكل وهيكلية الاقتصاد العراقي من اقتصاد يقوده القطاع العام " اشتراكي او ما شابه" الى اقتصاد يقوده القطاع الخاص، تتجلى هذه الوجهة من بين تجليات اخرى في عملية " الخصخصة " لمؤسسات القطاع العام ، حيث تحول الى القطاع الخاص كلياً او جزئياً و تمكينه من قيادة و تحريك وادارة كل العمليات الاقتصادية في العراق، انتاجاً و تسويقاً في مختلف النواحي: صناعي ، زراعي ، مالي بل وحتى خدمي ( خدمات البريد والنقل والاتصالات و ما شابه)

الثاني : بناء دولة ديمقراطية وعصرية يتمتع فيها المواطن باعلى قدر من حقوق الانسان المقرة في المواثيق والمعاهدات الدولية والتي يشعر العراق بأنه ملتزم بالعمل بموجبها واحترامها سواء بصورة مباشرة (العمل وفق المعاهدات التي اقرها العراق واعتمدها بصفة قانونية في تشريعاته القانونية و غيرها) او بصورة غير مباشرة (المعاهدات غير المعتمدة من قبل العراق و لكن بسبب من اقرارة بناء دولة قانون والمجتمع المدني فيتحتم عليه امام المجتمع الدولي احترامها اوالتعاطي الايجابي معها).

كلا التوجهان يمسان بصورة مباشرة ويؤثران على عمل ومستقبل شركات القطاع العام ومؤسساته المختلفة بهذا القدراو ذاك: من الالغاء في حالة البيع الكلي للمؤسسة المعنية، او الاخضاع الجزئي لسطوة وهيمنة القطاع الخاص عبر البيع الجزئي لإصول الشركة وباشكال متنوعة ( مشاركة فرد او مشاركة شركة او مشاركة عامة " شعبية" بالاسهم في حالة تحويلها الى شركة مساهمة) .

و في اكثر من حالة يجري العمل على اعادة الهيكلة ،التي بوشر فيها في بعض الشركات والمؤسسات المملوكة للدولة، بما يحولها ــ كوجهة عامة غير مضمونة تماماً ــ الى شركة رابحة وفاعلة وقادرة على المنافسة في سوق لا يرحم، اوكحد ادنى كي تصبح قادرة على تغطية نفقات تشغيلها وادارتها.

بطبيعة الحال ان عملية اعادة الهيكلة للمؤسسة او للشركة ستؤدي الى خصخصتها تدريجياً، و ادخالها في لعبة السوق و قوانينها و اخضاعها لشروط هذه اللعبة.و لكن على هذه العملية مراعات التاثيرات المختلفة (اجتماعية، اقتصادية وغيرها) على الانسان كمجتمع وكفرد ، بمعنى آخر، ستقود الخصخصة وتؤدي الى ادخال المؤسسات المملوكة للدولة في مجال الاعمال ( Business ) وسوف تخضع ادارتها آنذاك وتدخل ضمن اعتبارات، رجال الاعمال و مصالحهم الخاصة .

ولا ينفرد العراق ــ كما يعلم الجميع بالتأكيد ــ وحده بهذه الوجهة، لا سيما بعد انتهاء زمن الثنائية القطبية ــ وجود معسكرين متنافسين للسيطرة على العالم ــ التي قادت العالم لعقود عديدة، اتسمت بما كان يطلق عليه زمن الحرب الباردة خاصة للعقود التي تلت الحرب العالمية الثانية.

لقد انهت تللك الثنائية تفرد سطوة الرأسمالية على بلدان وشعوب العالم بلا منازع، التي كانت تتحرك وتتعامل مع العالم بلا رادع ولا ضوابط سوى جنى المزيد والمزيد من الثروات. و معروفة تلك الحقبة التاريخية ( من 1917 اسقاط النظام الراسمالي في روسيا القيصرية حتى 1989، اسقاط النظام السوفيتي " الاشتراكي" في بلدان الاتحاد السوفيتيس السابق و المنظومة الاشتراكية)، وهذه الحقبة معروفة تماماً بخطوطها وتفاصيلها العامة ، بغض عما يقال عنها الآن من طرف واحد هو خصم الاستراكية الاول الرأسمالية.

لقد عادت الراسمالية تهيمن على العالم، تقود اقتصاده و تلعب في مقدرات و مصائر شعوبه، لكن في ظل ظرف و عصر مختلفين هذه المرة، هذا العصر الجديد هوعصرالعولمة بشقيها عولمة الرأسمال و عولمة الشعوب. وبهذا تكون هذه التجربة ــ في الواقع ــ جديدة حتى على الرأسمالية، إذ لم يسبق لها ان هيمنت على العالم في ظل معاهدات دولية كثيرة تدعوا وترعى وتحمي حقوق الانسان والبيئة وتؤسسس لعلاقات دولية حرة و كريمة وفي ظل وجود منظمة امم متحدة بهذا التنوع والاتساع في برامجها و مؤسساتها المختلفة التي جوهر عملها هو حماية الانسان وكرامته وشعوب العالم المختلفة ومصالحها المتكافئة و مستقبل اجيالها القادمة، ووحماية سيادة واستقلال دول العالم المختلفة ، حتى وان بدت اللوحة غير مشرقة الآن في ظل هيمنة متفردة مخيفة ومرعبة للرأسمالية على البشرية جمعاء.

بل ان الرأسمالية ذاتها كانت تنشط بفعالية مؤثرة، خلال الحقبة السابقة لأقرار واعتماد و ترسيخ تطبيق تلك المعاهدات في زمن ثنائية القطبين، حيث كان المحرك الايديولوجي والفلسفي لها، آنذاك هو محاربة الاشتراكية فكراً و تطبيقاً، واصدار اكثر ما يمكن من مواثيق و معاهدات تناصر حقوق الانسان التي كانت تعتقد بانتهاكها في بلدان المنظومة الاشتراكية السابقة.

لقد صارالوضع الآن مختلفاً بالرغم من تفرد الرأسمالية على الساحة الدولية مجدداً ، لأن هذا التفرد صار يجابه ما آل اليه تطور منظومات حقوق الانسان والبيئة والعلاقات الدولية بمؤسساتها المختلفة. ولأن الوضع جديد عليها ايضاً، فلهذا صارت تنشط الآن عبر دولها والمنظمات الدولية المختلفة مثل الامم المتحدة و مؤسساتها المتخصصة و غيرها من المنظمات الدولية لدراسة هذه الظاهرة الجديدة: كيف يمكن تحقيق نشاط اقتصادي رأسمالي ناجح يراعي ويحترم حقوق الانسان والبيئة، و كذلك يكون مدعوماً بالعلاقات و القانون الدوليين، اي بكلمة أخرى كيف تتجسد علاقة السوق والاستغلال ومبادئهما مع حقوق الانسان والتشريعات الدولية التي تناصرها ، ومع البيئة وتطور القانون الدولي الحامي لها . كيف يمكن الموازنة بين الاستغلال وحرية السوق وشروطهما من جهة وحقوق الانسان والبيئة وحمايتهما من جهة ثانية.

وتعقد ( اي الرأسمالية) الفعاليات المختلفة كالندوات والسمنارات والمحاضرات والمؤتمرات والمنتديات وغيرها لمناقشة و دراسة هذا الموضوع، لأن جزء كبير من اللعبة يريد اظهارها وكأنها تسيرعلى وفق ارادة المجتع الدولي وليس ارادتها كقوة متفردة في سلطتها، لا، بل واكثر من ذلك، كقوة منتصرة في الحرب الباردة تستحق بموجب هذا الانتصار غنائم كبيرة وكثيرة في جميع بقاع العالم. وفي هذا السياق يعقد المنتدى الدولي الثاني لهذه الموضوعة تحت عنوان :
The UN Forum for Business and Human Rights في جنيف للفترة من 3 الى 4 كانون الاول (ديسمبر) 2013، من اجل المناقشة و تبادل الآراء والتجارب العالمية حول الموضوع.

ولأن عراقنا الحبيب متوجها لخوض هذه التجربة في ظل رغبة اكيدة للحكومة العراقية بالتحديث والاطلاع على ودراسة التجارب العالمية المختلفة، للإستفادة منها في التوجه اللاحق، ولأننا معنيين بصورة مباشرة بذلك ، فمن الممكن والمهم الاشتراك بهذه الفعالية للاستفادة من التجارب وتبادل الخبرات مع الآخرين والاطلاع على تجاربهم في مختلف الاتجاهات، و طالما نحن في بداية الطريق، فأن ذلك سوف يجنبنا الكثيرمن المصاعب وتفادي الآثار السلبية التي مربها الآخرون، على الرغم من قناعتي الراسخة بأنه لا توجد على الصعيد العالمي على الاطلاق حالة تماثل وتشابه بين تجربة وأخرى بصورة مطلقة تدعو الى الاستنساخ الاعمى لتجارب الآخرين ، لكن ممكن ايجاد المشترك الذي من الممكن ان يلهمنا في التخطبط السليم والمنسجم مع ظروف العراق السياسية والاجتماعية والثقافية و الاقتصادية والبيئية والعلاقاتية وغيرها من المؤثرات المهمة التي يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار عند الشروع في عملية خصخصة لمؤسسات القطاع العام في بلد اعتماد اقتصاده الاساسي على النفط و الثروات الاخرى التي هي ملك الشعب العراقي بجميع مكوناته.


بغداد في 4 تشرين الثاني 2013
 

free web counter

 

أرشيف المقالات