الثلاثاء 6/7/ 2010

ماذا تعلّمت من هذا الشيخ .. سلام عادل حبه في زمن الوجبات الفكرية السريعة و المتعسرة الهضم ، و في زمن الخزعبلات و الدجل ، و في زمن التحجر الديني .. نفذ الينا نور لطيف و دافئ .. كدفئ نسمات الربيع التي تهب بعد شتاء قارس و طويل. هكذا كان محمد حسين فضل الله بالنسبة لي.. وأحسب بأن كل من سمعه أو رآه أو قرأ له لأول مرة أحس بنفس الشعور. ترك هذه الدنيا وكان يأبى أن يتركها.. ليس طمعا فيها و انما كان يريد اصلاح أهلها التائهين وايصالهم الى برّ الأمان .. حتى اخر لحظة من عمره. مسلمين كانوا أم مسيحيين .. مؤمنين أو ملحدين .. عربا كانوا أم عجم. كان يحب الناس لكونهم ناسا فقط ، وليس لأنهم من أتباع طائفة أو مذهب أو عرق. سمعت عنه عندما كان يحاول رأب الصدع الوهمي بين اخوته في بلده لبنان.. وسمعت عنه عندما كان صوته رنانا في مقارعة أهل الظلم في مسقط رأسه العراق. وفي وقت اليأس و الهوان ، كان فكره يقزّم الالة العسكرية الصهيونية ويجعلها لقمة سائغة للثوار اليساريين و الاسلاميين في بيروت الذين جمعتهم كلماته وكلمات الأحرار من أمثاله لقهر الظلم و الجبروت. لقد كان هذا الشيخ محيرا لأعدائه و مبهرا لأحبته. فعندما كان يكتب أو يتحدث لا تعرف ان كان متدينا أم فيلسوفا اشتراكيا .. شاعرا أم عالما .. سنيا أم شيعيا ! وذلك لأنه حاول الاحاطة بكل معارف زمنه واستطاع أن يدمج ما تعلم في فكر مستساغ بعيد عن التطرف وقريب الى الروح. وأن يقدم فكره هذا لمحبّي الحقيقة على صحن من الماس. سمحت لي الأيام أن أراه في مكة .. وكانت هذه المرة الوحيدة التي اقتربت منه فيها و قبلته على لحيته البيضاء التي أكل منها الزمن و شرب. كان لقائي به لدقائق قليلة لا أتذكر ماذا تحدث فيها للجالسين في مقره المتواضع أثناء موسم الحج. ولكني أتذكر جيدا بساطة هذا الشيخ الجليل الذي كان يستطيع التحدث مع الشباب و الكهول بطريقة يدخل فيها عقولهم و قلوبهم من دون استئذان ليذكرّهم بمعنى الوجود و قيمة الانسان. تعلمنا منك الكثير ولا نزال نتعلم .. و لا أعلم ان كنّا سنعوض عن حرمانك أم لا .. فقد وصلت بنا أنفسنا الى طريق موصدة بباب من الجهل و التخلف حتى كادت عقولنا لا تتحمل تنويرا ولو بسيطا يذكرنا بانسانيتنا. ولكن يبقى فكرك المتأسس على محبة الناس مفتاحا لباب الأمل.   تموز 2010