| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأربعاء 5/8/ 2009



لا أجرؤ على التصديق

خضير الاندلسي

لم ارتدِ ثوبا مطرزا ولازيا ملونة ,ولكن ارتديت وطنا لحظة انتزاعي غربة أمدها سنتان ونصف السنة.
الساعة السادسة من مساء الخميس الموافق 15 تموز الاخير حيث بداية مسيرتي نحو الوطن ,الجميع هناك في المنفى ودعني بقوة على امل اللقاء مرة اخرى بعد ان استسلم جسدي لشحنات العناق المتشابكة وكأنها سلاسل تقيدني ,ودعتهم واسرعت وكأني اهرب من جريمة ارتكبتها بحقهم وبهذا الحزن الصارم الذي ما تلبث ان تذوب فيه طعم الشفقة ودعت .

انطلقت طائرة المالديف الهنغارية متجهة صوب دمشق بعد انتظار دام ربع ساعة حزينة وبأنطلاقها حلق الفؤاد معلنأ عن كسر اغلال غربته المتجددة.
هبطنا في مطار دمشق السوري وفوجئنا ساعتها بوجود نافذة خاصة للعراقيين فقط الى جانب نافذة للعرب واخرى للاجانب, فطُلب منا ان نجيب على عدة اسئلة كانت خاصة للعراقيين حصرا من خلال ورقة حمراء جرى ختمها من قبل ضابط امن سوري ,بعد ذلك همس الاخير بأذني طالبا مني بضعة دولارات مقابل عدم انتظاري في طابور طويل !!

أرتايت مع زملائي ان اعطي الرشوة واترحم على جميع الحُكام العرب وخصوصا السيد بشار الاسد لانه نجح في اختيار كادر فاسد في مطار دمشق الدولي!!!
خيوط الفجر فرضت وجودها الساعة الرابعة صباحا بتوقيت دمشق بينما نحن متوجهين الى مكاتب السفر والتي لا تبعد كثيرا عن مرقد السيدة زينب .

القلب يخفق بسرعة والجسد يتنهد من شدة الاذى لان الصورة الاولى التي التقيتها كانت غير مألوفة لدي جداً ,وجدت فتاة في ربيعها العشرين ,على ما اظن ,بصحبتها طفل تحتضنه وجهت كلامها لنا(الله يخلي شبابكم ساعدوني) تبين لي من اللهجة وطريقة الكلام ان هذه الفتاة اصلها من بلد وصفه بعض اهل المعرفة (المسعودي) قائلا : (ان سكان هذا الصعق الشريف ,وهو العراق, هم اهل العقول الصحيحة والشهوات الممدوحة, والشمائل الموزونة ,والبراعة في كل صناعة .مع اعتدال الاعضاء واستواء الاخلاط وسمرة الالوان ,وهي اعدلها واقصدها ,ويستدل على الاعتدال مزاج باطن ابدانهم بالذي يرى من السمرة الظاهرة في الوانها واعتدال اعضائهم .احسن الناس ألوانا ووجوها ,فهم اهل العلم والخير ,وذلك لامتزاج صعقهم من حر الجنوب وبرد الشمال.
وبعد ذلك يبرر تلك المحاسن بقراءة فلكية رائعة قائلا, وغلب عليهم المشتري لامتزاجه من برد فلك زحل وحرارة فلك المريخ فاعتدلوا ,فأجتمعت فيهم محاسن جميع الاقطار ,فكيف لايكونوا كذلك وهم ارباب الوافدين واصحاب الرافدين من دجلة والفرات)
ترى من المسؤول عن هذا الخراب والدمار الذي اصاب بلدا اطربت لاجله العنادل وابدع فيه الشعراء وانطلقت من ارضه اولى الحضارات الانسانية!!!!

من جانب اخر ,فبعد دخولي العراق وجدت ان الجهل والتخلف قد خيم على جموع انسانية ليست بالقليلة اضافة الى المستوى الاخلاقي والثقافي المتدني الى اسوء درجاته, فبعد ان تساءلت عن انقطاع هذه الجموع الكبيرة عن العلم والتثقيف عزوا ذلك الى انشغالهم بأعمالهم كي يوفروا قوتهم اليومي .

ان الجانب الاعلامي اليوم يركز على ان الحكومة العراقية نجحت في تحقيق الامن لشعبها ,متناسيا ان الجهل الخطير قد خيم وبنسب كبيرة جدا في المجتمع ,وان الحكومة قد نجحت في عسكرة المجتمع بدلا من جعله مدنيا وبذلك فهي ترتكب خطأً ستعاني نتائجه مستقبلا مع خسارة اكيدة لهذا الشعب الذي بدأ يرى ان عسكرة المجتمع ظاهرة صحيحة عن طريق تقبله لها من جهة وخضوعه اليها من جهة اخرى!!! لان الخطأ حين يتم تعميمه على الجميع سيُرى أنه عين الصواب!!!

ان الدمار الذي اصاب الشخصية العراقية من جانب والبنى التحتية من جانب اخر يحتاج الى سنوات عدة كي ينتقل الى مرحلة مقبولة نوعا ما في المجتمعات العالمية ,وكي تنجح الحكومة في هذا عليها ان تعمل على ايجاد فرص حقيقية للشباب العراقي المثقف بدلا من عسكرته مع ابعاد الدين قدر الامكان عن الدولة وعدم تسيسه لاغراض حزبية بالاضافة الى استقطاب الطاقات المثقفة في خارج الوطن الى الداخل مع ايجاد فرص عمل حقيقية وواقعية ملموسة لهم تضاهي او تساوي مستوى عملهم في العراق مع اعادة لتأهيل رياض الاطفال ودور العلم ومحاسبة الاهالي الذين يتغاضون عن ارسال اولادهم للمدارس في محاولة لبناء جيل واعد مستقبلا وتحت اشراف متخصصين.

المشكلة الان في العراق ليست بالسهلة ابدا ,فالعراق يعاني اليوم ثورة من الجهل والدمار ,وان هذا الجهل قد وصل الى مفاصل الدولة بصورة عامة ومنها الوزارة المعنية بتثقيف المجتمع ,فعلى سبيل المثال لا الحصر ,عندما دخل احد الاصدقاء قبل ايام الى وزارة الثقافة العراقية ,وجد ان موظفو الوزارة قد افترشوا الارض وجلسوا كي يتناولوا فطورهم وهذه الحالة حسب اعتقادي لم ولن تحدث حتى في وزارة الثقافة الصومالية (ان كانت لهم وزارة ثقافة) !!!! الى جانب هذا يوجد الكثير من الموظفين الذين يرتدون (البجامة والنعل) في الوزارة , وان بعض الموظفات يصطحبن ابنائهن الى الوزارات العراقية وبهذا امست وزارتنا, رياضاً للاطفال من جهة ومكانا غير محترم من جهة اخرى !!

هذه دعوة الى جميع الكوادر العراقية المثقفة في الداخل او خارج العراق من الذين تهمهم مصلحة العراق ان يخاطبوا افراد مجتمعنا اينما وجدوا اضافة الى ارسال اصواتهم الى الحكومة قدر الامكان وعن طريق الوسائل المؤثرة كي نحاول تصحيح ولو القليل من هذا الخراب غير المعقول.
 

بغداد 27 تموز 2009
 


 

free web counter

 

أرشيف المقالات