| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

السبت 5/12/ 2009



الدولة المدنية الحديثة وأفاق تحقيقها في العراق

محمد حسب الله

عدم إعتماد العراق دائرة إنتخابيه واحده تأكيد للسلوك الطائفي على كافة المستويات التي امتد تأثيرها على الممارسة العملية لحياة المواطن اليوميه .وهذا يبعدنا عن تأسيس الدولة المدنية الحديثة التي تضمن الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الأنسان وأحترام حقوق الأقليات .هذا السلوك الذي بدا واضحاُ في مناقشات تعديل قانون الأنتخابات الصاخبه التي تجاهلت مطلب الشارع العراقي بكافة أطيافه بجعل العراق دائرة إنتخابيه واحدة لضمان تحقيق المساواة بعد عقود من الحكم الدكتاتوري الأستبدادي الذي نحرت مقصلته الدموية أعناق لا تحصى من خيرة بنات وأبناء العراق على مختلف إنتماءاتهم الفكرية والسياسية وما خلفته حروبه العبثية من خراب ودمار لقيم الناس الثقافية والأخلاقية والدينية مما دفعهم بإتجاه الأنتماء الى المذهب أوالطائفة أو العشيرة أو القومية بعد أن فرضت أساليب قسرية تكفل الطاعة من المحكوم تجاه الحاكم. وبدلآ من أن تعمل الكتل السياسية صاحبة السطوة والنفوذ في البرلمان على تحرير عقول ذات الأنتماءات الضيقة وإشاعة ثقافة جديدة تنويرية بإتجاه التعريف بمقومات المجتمع المدني الحديث من خلال علاقة تفاعلية بين المجتمع والدولة بأعتبارهما ركيزتان أساسيتان لبلوغ هذا الهدف عملت على ترسيخ وتقوية أنتماءات الأنسان الأولية ذات التوجه الطائفي والفئوي الذي يخدم مصالحها الذاتية الأنية غير مبالية بما يمر به العراق من وضع صعب ومخاطر ومراهنات الأعداء على إجهاض التجربة الديمقراطية الوليدة وتعطيل العملية السياسية بمختلف أساليب العنف والأرهاب الذي دفع ثمنه أبناء العراق انهارآ من الدم.

فالعراق المعروف بتأريخه الحضاري الموغل بالقدم وصاحب الملاحم البطولية والصروح الحضارية التي لا زالت شاخصة وباقية في ذاكرة التاريخ والذي تميز شعبه بقدراته الخلاقه في الإبتكار والإبداع والذي علم البشر القلم فهو أولى من غيره من الأمم والشعوب في إقامة دولته المدنية الحديثة التي تتلائم ومنطق العصر بعد أن فقد المجتمع الأهلي خصائصه ومقومات وجوده وصار عقبة أمام التطور والعصرنة ولم يعد قادرآ على تلبية متطلبات الحياة الحديثة .

غير أن المحاصصة المقيتة وما أفرزته من طائفية ومذهبية وعرقية تعرقل هذا التوجه وتحول دون شعور الفرد بأهمية أنتمائه الوطني الذي يعتبر من المقومات الأساسية لبناء الدولة المدنية الحديثة إضافة الى المنهج الديمقراطي في السلوك والعمل إنطلاقآ من مبدأ الحقوق والواجبات القائم على التوازن .وقد عرف عن العراق منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 في ظل الإحتلال البريطاني بحرمان غالبية العراقيين من حقوقهم بالوقت الذي تكدست الثروات بيد الأقلية المتمثله بكبار الملاكين والطبقة المحيطة بالنظام بالرغم من تإكيد الدساتير العراقية على مبدأ المساواة بين المواطنين مما أنعكس سلبآ على العلاقة بين المجتمع والدولة وكان له بالغ الأثر على سلوك وتصرفات الفرد العراقي مما وصف بعض علماء الإجتماع هذه الظاهره بالإزدواجية بالرغم ما يمتلكه العراق من ثروات هائلة لو تم توزيعها بشكل عادل لكان دخل الفرد العراقي أعلى دخل في العالم ولخطونا خطوات كبيرة بإتجاه إقامة الدولة المدنية الحديثة. فبحر النفط الهائل الذي يطفو عليه العراق ومواقعه التاريخية والدينية التي قل نظيرها في العالم تشكل موردآ سياحيآ لا يقل اهمية عن مورد النفط وبيئته الطبيعيه المتباينة بين الجبل والسهل والهور وما تحتويه من ثروات معدنية هي الأخرى تساهم في رفد الدخل القومي وتحقيق التكامل الأقتصادي وتوفر سلة الغذاء للعراقيين الذين اذلتهم البطاقة التموينيه ومفرداتها المتعفنه .هذه وغيرها من الخصائص التي تفتقر اليها الكثير من الدول ومع ذلك قطعتت شوطا طويلآ في التقدم الحضاري تعتبرالعناصر الماديه الرئيسية في عملية التغيير وأقامة دولة مدنية حديثة بكل المقاييس المعاصرة والتي صارت حلما يراود العراقيين إلا أنه كالعنقاء ننام عليه ونصحوا على حفنة من اوجاع اشد بأسآ من أوجاع الأمس.

المطلوب في هذه المرحلة الحرجة في تاريخ العراق لبلوغ الهدف في إقامة دولة مدنية حديثة وتحقيق الحلم العراقي هو تنمية الأنتماء الوطني وأن يتصدر جميع الأنتماءات الأخرى .وأثبتت التجارب أن الأنتماء الوطني لا يلغي بقية الأنتماءات كما يعتقد البعض بل يعمل على تقويتها والأعتزاز بها على أن لا تتقاطع معه وهذا ما تعمل به الدول المتقدمة أذ تمنح المواطن الحرية الكاملة في ممارسة معتقداته وأعتاق الأفكار التي يؤمن بها والمشاركة في ابداء الرأي وأشباع حاجاته الشخصية دون التمييز علي اساس الجنس أو اللون أو العرق وتأخذ منه فقط ولائه الوطني مما تجاوز حالة الخوف ويرفض السلوك العدواني الضار ويحترم الرأي الأخر ويشعر بالمساوة الحقيقية فصار حاميآ لمنجزات الدولة والممتلكات العامة دون الحاجة الىالأجهزة الأمنية الضخمة التي تستهلك موارد الدولة كونها غير منتجة.

فالدولة التي تحترم الدستور الذي يحدد المسؤوليات والحقوق والواجبات على اساس المساواة وتنطيم احوال المجتمع ،وترفض العنف بكل اشكاله وتسمو فوق الطائفية والمذهبية والنعرات القومية والأساليب الفردية المطلقه قادره ان تصنع مجتمع مدني تنقل به الفرد من الروابط ألأهلية الضيقة القائمه على التعصب الى روابط مجتمعيه مدنية من خلال بلورة وعيه وتنمية شعوره بضرورة الأنتماء الى المجتمع وعلى كافة المؤسسات الرسميه التربوية والسياسية والثقافية والأجتماعية والأقتصادية أن تضطلع بهذه المهمة وترسيخ هذا التوجه والعمل على إنشاء الوعي بالذات ووعي الأنخراط بالمجموع الذي يحقق المصلحة العامة .

وتحقيق ذلك لا يتم إلا بإشاعة الأجواء الديمقراطية واحترام الرأي الأخر تحت سلطة القانون وحكم المؤسسات ومبدأ المساواة .عند ذاك يتمكن المواطن أن يختار بإرادته الحره من هو الأفضل بين المرشحين لعضوية البرلمان القادر على تمثيله بشكل حقيقي والمدافع عن حقوقه قبل أن يفكر بإمتيازاته ،وبذلك نصل الى برلمان حقيقي قادر على تشريع القوانين التي تعجل من بناء الدولة المدنية الحديثة بعيدآ عن منطق المحاصصة والطائفية السياسية والتوجهات القومية الأنفصالية ، وقادر على مراقبة الحكومة ومحاربة الفساد بكل اشكاله الذي اصلآ لا يجد الحاضنة والمرتع الخصب الذي يعشعش فيه .

 

5/12/09
 

free web counter

 

أرشيف المقالات