| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد 5/2/ 2012



قمة القمامة

محمد سعيد الصگار
mohammed_saggar@yahoo.fr

تتناطح التصريحات والتوكيدات من جانب المؤسسة الرسمية في العراق، على أن القمة العربية ستعقد في بغداد في أواخر شهر آذار (مارس) المقبل 2012.

ومن أجل ذلك وغيره جاء السيد نبيل العربي رئيس الجامعة العربية ليحل مشاكل الأمة في ثلاثة أيام يقضيها في قصور بلد الرشيد، وإذا به يعود هاربا بعد يوم واحد، نتيجة سقوط قذيفة هاون في المنطقة الخضراء، وهو أمر مألوف عندنا نحن العراقيين، ولكنه ليس مألوفا في أي مكان تحميه القوات الأمريكية، وقوات حماية بغداد.

يقول ناطق باسم السيد المالكي، مالك زمام الأمور في العراق:«ولعل من ابرز ما اثمرت عنه الزيارة ، (يعني زيارة نبيل العربي) تأكيد رئيس الوزراء نوري المالكي جاهزية بغداد لاستضافة القمة العربية اذار المقبل، واعلان العربي الالتزام بذلك»،

إذا كان هذا رأي السيد المالكي، ورأي ضيفه المرحب به، في النظر إلى واقع الحال في العراق، فلنا، نحن العراقيين، أو كثرة منا، رأي آخر؛ وهو أن هذه القمة لن تأتي بأفضل مما عقدته قمم قبلها لم تنتج غير بيانات وتوصيات لم ينفذ شيء منها؛ ولسنا بحاجة إلى التذكير بها فهي معروفة لدى الجميع.

أما حماسة السيد نبيل العربي ونائبه السيد بن حلي وممثلنا في الجامعة العربية الدكتور قيس العزاوي، وقبلهم رئيسنا المالكي، فهي من قبيل اليقين المسبّق بكون هذه القمة لن تقوم، لأسباب غير ما يتبجح به الفريق قاسم عطا من ضمان استتباب الأمن على أساس ما عودنا عليه في كون (الوضع تحت السيطرة).

قد يكون الأمر كذلك، وهو ما نرجوه؛ ولكن للمسألة وجوها اخرى ، غير الإنضباط الأمني الذي لا يقتضي غير ساعات ينفض بعدها الإجتماع الموقر، ببيان يخلو من بلاغة اللغة العربية. كالمعتاد؛ يطمئننا بأن الأمة بخير، وأن كل العواصف التي تحدق بها هي محنة طارئة ستمر كما مر سواها، والأمر بعدئذ لله.

ولكن المضحك في هذه الدورة المؤملة، أنها ستكون قمة بلا قمم، كما سبق لنا القول في مقال سابق، فقد تدحرجت تلك القمم إلى الحفر والمجاري، وأخذت حقها من المذلة والهوان، ونحن بانتظار أمثالها.

يعطينا ساسة عراقنا الجميل مساحة واسعة للحيرة والذهول تجعلنا نتخبط في التقديرات والتطلعات وتحديد المواقف، ومعرفة أهدافهم وتوجهاتهم وما ينفعنا منها وما يضر. فليس لدى ساستنا غير رنين الكلمات الجوفاء التي أحسنوا صياغتها بطول الممارسة طيلة السنوات الثماني. ومنها هذا التبشير الفاضح بقمة عربية تعقد في بغداد في ظروف لا يستطيع فيها العربي، أينما كان، أن يلتفت إليها وهو في زحمة التغيير لكيان الأمة المتهالك، وتطلع أبنائها إلى فجر جديد يستعصي على الجامعة ومن معها استشراف آفاقه وما يقدمه من تضحيات لا يمكن لشيوخ الجامعة العجزة إدراكها.

فماذا عسى أن تفعل هذه الجامعة التي لم تستطع طيلة عمرها أن تصدر غير البيانات الشبيهة ببيانات الصين المئوية التي شهدناها منذ الخمسينيات، دون جدوى. وما الذي يستطيع أن ينفخه السيد العربي في كيان هذه الأمة التي لم يستطع سلفه عمرو موسى، رغم عهود ولايته، أن يحرك ساكناً فيها؛ وما الذي يفيدنا من هذه القمة التي ستبدأ فاشلة وتنتهي بفضيحة كون بغداد في أدنى السلم من كل ما أنعم الله به على عباده.

ولماذا هذه التحضيرات والبذخ والكرم الحاتمي والإجراءات الأمنية التي تستنفد حصة الملايين من المحتاجين الذين حشرتهم تقارير ميرسير للإستشارات في أسفل جدول فقراء العالم.

وإذ كنا نخمن أن قادة أمتنا العربية سيوفدون موظفي الدرجة الثانية لحضور القمة، وهو الأمر المنطقي في خشية الرؤساء من الحضور، فعلام هذا النفخ الذي لا يزيل مزابل العاصمة، ولا يرمم مبانيها، ولا يمهد سبيلا سويا لسير مواكب الرؤساء إلى قاعة المؤتمرات؟

وفي تحصيل الحاصل، ما الذي تجنيه الجامعة العربية من هذه القمة المفتعلة التي يعرف كل شخص فيها أنها غير ذات أثر ولا قيمة إزاء ما تمر به الأمة العربية من تحولات تقذف بالجامعة العربية إلى ما وراء ما يؤسسه الجيل الجديد من مآثر، وما كان يأمله منها من خلال قمم لم تأته بغير الصور التذكارية التي لم يحفظ منها غير ما جاءت به المواقع الألكترونية، تأريخاً لهذه الفضائح.

قبل أن تستنفر قواتنا الوطنية المبجلة استعدادا لهذا الحدث التاريخي، وقبل أن يستعد وفدنا العراقي لهذه القمة. بل قبل أن يقبل بقيامها، عليه أن يفكر بما يمر به العراق في هذا الوضع العصيب، وما يحتاج إليه من إعمار وإنقاذ من تقارير ميرسر للإستشلرات التي تحرص على ترويجها بعض دول الجوار التي قد تحضر هذا المهرحان الكوميدي المسمى (القمة العربية)، إمعاناً في التشفي بمحنة العراق وكثرة مزابله وتراكم نفاياته، وبرده القارص في غياب الكهرباء، وفرصة للتهكم على وعد أمين العاصمة بجعل شارع المطار أجمل شوارع الدنيا. وقبل هذا وبعده، الغمز من كفاءة العملية السياسية التي نتبجح بها.

في يداية هذا العام، اصطحبني السفير الفرنسي الذي دعاني إلى العراق لـ (زيارة وطني !)، في جولة إلى بغداد، وعندما أبديت لوعتي من كثرة المزابل والنفايات في كل المواقع التي مررنا بها، قال إن شركاتنا الفرنسية كفيلة بتنظيفها، وبسرعة، ولكن إزالة ما تراكم من حطام الجدران وترميمها، هو المشكلة.

والآن، ها نحن بعد سنة من هذا الكلام، نحتفظ بمزابلنا وحطام مدينتنا الجميلة لنستقبل بها وفود القمة التي ستخلو من أية قمة، ولن يبقى لنا منها غير قمة القمامة المتصاعدة يوما بعد يوم، بشعار (لا قمة لغير القمامة) !

على الجامعة العربية التي علقوا برقبتها جرس القمة، أن تكون بمستوى المسؤولية، وتفصح عن واقع الحال، وعلى صديقنا الدكتور قيس العزاوي، ممثلنا في الجامعة العربية أن يقول ما يعرف، ويصر ف عنا هذه الكأس المرة، إكراماً للعراق والعراقيين وللشباب الذين يمهدون درب الكرامة بمواكب الفداء، ما دام في الوقت متسع قبل أن ترتفع قمة القمامة، لتخزيهم مثلما أخزتنا.

 

 

 


 

free web counter

 

أرشيف المقالات