| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الثلاثاء 5/1/ 2010



الناصرية (الله بالخير)
(1)

كمال خريش

اعود الى الناصرية بعد غيبة طويلة ومعي زوجة وطفل بعد ان خرجت وحيدا في عام 1993 ولا اعرف ماذا ينتظرني وهل سأعود يوما ما الى المدينة وبماذا ولماذا اعود؟ فالحصار بدأ يأخذ مأخذه بالناس والبعثيون بعد الانتفاضه عادوا بشراسة اكثر من السابق واصبح الانسان العراقي يعيش على هامش الحياة وهو مهدد من جهات عديدة وجاء الفرج غير المتوقع ان يسقط صدام ويجتث البعث وانا اشاهد كل هذا غير مصدق فقد اصبح هناك ما يدعوني للعودة ولكن بماذا اعود ؟ فقد فكرت ان اعمل معرض شخصي وبذلك استطيع ان اجمع كل الاصدقاء وكان هناك عائق في ايصال اعمالي الى الناصرية لذا قررت ان اعمل معرض لاعمال على الورق يسهل حمله معرض عن الناصرية وللناصرية لاماكن واشخاص من المسحوقين منهم والابطال الذين تركوا في حياتي بصمات لا تزال وكلما طالت غربتي اشتد التصاقي بهم واشتياقي الى رؤية الاماكن التي لا تشبهها كل اماكن العالم ورغم اني شاهدت الخراب الذي حل بالمدينة على التلفاز وانا عشت التجربه من ان التحول الديمقراطي يدمر المدن قبل ان تستوعب الناس الصدمة شاهدت ذلك في موسكو حين سقط النظام وسقط كل شئ وباسم الديمقراطية والتشبه بالغرب انتشرت عصابات المافيا والحشيشه والقتل لاتفه الاسباب والفساد الاداري والتسابق للثراء السريع فماذا سيحل بالناصرية بعد الديمقراطية ؟

ولكن كل هذا لا يهمني كان همي ان اصل وسوف لن اتحدث عن الناصرية والخراب فهذا لن يقلل في الامر شئ فقط اريد ان استذكر الاشخاص الذين قلت عنهم. في معرضي الذي اقمته على قاعة المركز الثقافي 2008 في الناصريه وكما توقعت حضر اكثر الاصدقاء والتقيت بهم دفعة واحدة واود هنا نشر لوحاتي واعلق عليها وفاءا مني للمدينة وابناؤها الطيبون وهذه العينة اخترتهم لانهم حاولوا ان يعيشوا بكل الطرق ولكنهم اخيرا فشلوا فلم ينصفوا بالماضي وماتوا ميتات مؤلمة وايضا اماكن في الناصرية وجدتها قد نالها الخراب اكثر من قبل .

قد لا تلتقي هذه الشخصيات بالموقف الفكري او السلوك الاجتماعي ولكن هم بشر حاولوا ان يعيشوا. بعض هؤلاء كان محط سخرية الاخرين واخر كان صورة للبطل الحقيقي لكنهم حاولوا. وسابدأ الان بأحدهم على ان انشر في وقت لاحق ما تبقى منهم.

1- الشهيد (شنيشل)
• كانت لدينا مقهى العروبة وسط السوق الكبير ولكي ينتشلني ابي في العطله الصيفية من الشوارع ومشاكلها كان يأخذني معه وقد كنت وقتها صغيرا فأساعد ابي في جمع قناني البيبسي بعد ان يشربها الرواد واوقات اوزع الماء وكان العمل مزعج جدا حيث ان كل الناس جالسين وانا الوحيد واقف واشعر بالملل والانزعاج وانظر الى النهر القريب من المقهى واود الهرب ولكني كنت اخاف ثورة ابي وغضبه لذلك اصبر .

كانت مقهى بغداد مقابل مقهانا ونحن في منافسة مستمرة لجلب الزبائن وهذا التنافس شجع حاملي قطع السينما انذاك (البطحاء والاندلس) ان يختاروا مقهانا ومقهى بغداد للراحة بعد التجوال في المدينة فكان شنيشل يجلس في مقهى بغداد و (كوزان) يجلس في مقهانا ويبدأ الفصل في توزيع منشورات للافلام مطبوعة على ورق ملون والمهم في ذلك طريقة التوزيع فيقوم الطرفان بحركات تثير ضحك الاخرين وتعليقاتهم وقد كنت اجلس الوقت كله انظر الى ما يصنع شنيشل فكان يعمل امور تجعل كوزان يتعب من مجاراته فيستسلم واكتشف شنيشل قدرته على ذلك فطور ادواته بحيث ترك (الربل) الذي كان يعلن فيه للافلام الى العمل لحسابه بعد ان وصلت فرقه مصرية وافتتحت سيرك في ساحة المراجيح وكانوا ينادون (ارب ارب ارب تعالى بص) فقلدهم و كان يعلن قبل حلول العيد عن الامور العجيبة التي سنشاهدها في ساحة المراجيح وقد اشترى (شاذي) صغير كان يحمله على رقبتة ويركب دراجة صغيرة ويدور في المدينة وبعد ذلك بنى كوخا صغير ووضع فيه الشاذي وحين دخلت وكان هو يعلق على الشاذي مستخدما نفس الاسلوب القديم عندما كان يروج للافلام ووجدنا الشاذي لا يفعل شئ وكان شنيشل هو الذي يفعل كل شئ وبعد كل هذا الجهد افتتح وسط السوق محل لبيع الادوات القديمة وكان دائما يذهب الى البيت بدراجته الصغيرة فقد ادمن على ارتيادها ولعل اكثر ما دهش الناس هي اللافتة الكبيرة (شنيشل يهنئ القيادتين القطرية والقومية بهذه المناسبة) فقد طلب االبعثيون من جميع المحلات كتابة لافته تمجد انقلاب 17 تموز وهو حسم الامر بهذه اللافتة ولكل المناسبات ولان محله من دون اسم فقد كتب اسمه عليها وهذا اضحك حتى البعثيين ولكن من يستطيع ان يقول ارفعها. دارت الايام دورة كبيرة واثناء غزو الكويت استشهدت زوجة شنيشل اثناء قصف الجسر وبقي شنيشل حزينا منكسرا وبعدها بأيام حصلت الانتفاضة فخرج من محله ومزق صور قديمة لصدام حسين واحمد حسن البكر ورماها بالشارع واخرج من محله اكبر مسجل ووضع فيه كاسيت حسيني قديم وكان يصرخ كلما مر مسلح من امام محله (تعالو خلصونا من هذوله المجرمين ) كان صوته الاجش يقطع نياط القلب .

ولكن فرحة شنيشل لم تدم طويلا وعاد البعث من جديد والبعث لا يفرق بين شنيشل او اي قائد سياسي الكل سواء حينما يتعلق الامر بشتم صدام وكان اول ضحية في السوق الكبير حيث احاطوه في محله وكسروا ساقيه ويديه بالعصي حتى فقد وعيه وحملوه كالذبيحة ورموه في حوض السيارة وذهبوا به ................ رحم الله شنيشل .

ولنا عودة








 

free web counter

 

أرشيف المقالات