| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

                                                                                الجمعة  4 / 7 / 2014

 

بين الارهاب والاستبداد *

محمّد علي مقلّد

مرشد الثورة الإيرانية ندد بما يشهده العراق من أحداث سيطرت فيها داعش وأخواتها على وسط البلاد ، واصفا ما يحصل بأنه صراع بين الإرهاب ومواجهة الإرهاب . الارهاب ، بحسب تحليله ، يتجسد بتلك القوى التي اقتطعت أجزاء واسعة من البلاد وأخرجتها عن سلطة الدولة المركزية بقيادة نوري المالكي ، وأعلنت قيام دولة الخلافة الاسلامية فيها (تصريحه سبق إعلان الدولة بيومين). أما التصدي للارهاب فهي مهمة جليلة يقوم بها رئيس الوزراء المالكي ، الذي تباهى ، قبل أسابيع من إعلان دولة الخلافة ، بأنه يدافع عن دم الإمام الحسين .

هذا الكلام معطوفا على تصريح نائب رئيس مصلحة تشخيص النظام الإيراني ، أطلقه من أذربيجان الإيرانية ، بعد إعلان دولة الخلافة ،بأن المنطقة ستشهد كربلاء جديدة ، وأن مؤامرة تحاك ضد الشيعة ، يعني أن الارهاب الذي تحدث عنه المرشد هو إرهاب مصدره الحركات المنتمية إلى المذهب السني .

جرت العادة على استخدام الفزاعات لإرغام المجتمع على الرضى بما يقرره الحاكم ، كما العادة على التهويل بالأخطر للقبول بالأقل خطورة . بدأ هذا النهج منذ أن تحكم بالعالم العربي منطق الخيارات المغلوطة في بدايات النهضة الموؤودة ، إلى أن بلغ ذروته في ظل حكم الأنظمة القومية التقدمية التي وضعت الشعوب العربية ، كل في بلده ، أمام خيارين لا ثالث لهما : الاستبداد أو الحرب الأهلية .

ولا يزال هذا النهج صالحا ومؤثرا حتى في العقول النيرة التي استسهلت شتم الربيع العربي ومآلاته الدموية والفوضوية ، مع ما يحمله ذلك من دعوة ضمنية للتضامن مع الأنظمة القائمة في بلدان الربيع العربي وفي العراق ، بذريعة واضحة مفادها ، أن الاستقرار في ظل أنظمة مستبدة خير من عدم الاستقرار في ظل ثورات مجهولة الآفاق .

أحدث صيغ الثنائيات المغلوطة تتمثل بوضع الشعوب أمام الاختيار بين استبداد الأنظمة و إرهاب المعارضة . استبداد من داخل النظام أو إرهاب من خارجه ، والفارق بينهما ، إذا ما استعرنا تشبيه جبران ، كالفارق بين الضبع والذئب . الضحية واحدة في جميع الحالات.

في هذا السياق يمكن تفسير كلام المرشد . فهو يضع الشعب العراقي ، كما السوري من قبله ، أمام خيار القبول بالحاكم المستبد إلى الأبد (الصيغة الأسدية) وإلى آخر الفساد والافساد والفئوية استعدادا لأنبلاج عصر الظهور (النسخة المالكية) أو التعرض لخطر الإرهاب من خارج النظام على أيدي الأصوليات الداعشية ذات المنشأ السني.

أما لبنان فينطبق عليه خيار آخر، إما سلطة الاحتلال الاسرائيلي ( أو التهديد أو التهويل به ) إما سلطة السلاح من خارج الدولة ، بذريعة أن الدولة عاجزة عن مواجهة العدو الصهيوني . وإذا ما أعطي اللبناني حق الاختيار فمن الطبيعي أن يقف ضد الاحتلال الصهيوني الذي أذاق اللبنانيين مر القهر ، مثل أي أحتلال أجنبي ، وفي ظل الخيارين تتراجع سلطة الدولة أمام سلطة الميليشيات .

قد يكون لبنان حالة فريدة تعايشت فيها الدولة، أو تساكنت، مع تنظيمات مسلحة خارجة عن سلطتها ، لكن ذلك لم يكن بلا آثار سلبية ، بل كارثية أدت إلى تراجع في دور مؤسسات الدولة لحساب مؤسسات رديفة أو موازية تتحكم فيها قوى مسلحة على حساب القانون والدستور .

أما سائر بلدان العالم العربي والاسلامي فلم تنجح فيها تجربة المساكنة ، فكان الخيار الصعب بين الارهاب والاستبداد ، ولذلك تأبدت أنظمة الحكم أو تجددت صيغ الاستبداد، وظل الارهاب فزاعة ضد النظام وفزاعة بيد النظام ضد الشعب .

الارهاب أو الاستبداد ، كلاهما لإلغاء الخيار الوحيد الممكن والصحيح ، ولو متأخرا ، الذي ينقل العراق وسوريا ولبنان وسائر بلدان العالم العربي ، بلدان الربيع وغيرها ، إلى حضارة القرن الحادي والعشرين ، بعيدا عن المناكافات والنزاعات القومية والدينية والإتنية والإيديولوجية . إنه خيار الضرورة ، خيار بناء الدولة الحديثة ، دولة المواطنة والديمقراطية ، لا دولة المحاصصة اللبنانية أو العراقية ، ولا دولة الجمهوريات الوراثية و الملكيات ، ولا دولة الانقلابات العسكرية ، ولا الدولة القومية الشوفينية ، العربية أو الكردية أو الأمازيغية ، ولا الدولة الاسلامية ولا الاشتراكية ولا المسيحية ،الخ . بل دولة القانون والمؤسسات .
 

* المدن - جريدة الكترونية مستقلة
الجمعة 04/07/2014
 

free web counter

 

أرشيف المقالات