| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأثنين 4 / 11 / 2013

 

افتتاحية المدى

الموقف المتفرج من الإرهاب.. كمين

فخري كريم 

كتب لي احد قادة العملية السياسية في المحافظات، معلقاً على مقالٍ أناشد فيه الأهل في الغربية ونينوى، إعادة الحياة للمواجهات الوطنية التي كانت وراء تفكيك تنظيمات القاعدة والإرهاب، وتشتيت قواها، وتجفيف بعض منابعها: نحن نخشى ان يستغل المالكي ذلك، فيستقوي علينا، ويوظف المنجز لتعزيز مواقعه في السلطة، والإيحاء للجمهور، كما لو ان تلك احدى صولاته!

وتستطرد هذه الشخصية التي لا أشكك بمخاوفها وقلقها: لا احد سيضمن لنا أننا لن نصبح بين سندان السلطة ومطرقة القاعدة، اذا ما حشدنا قوانا لخوض معركة مكلفة مع المنظمات الإرهابية، خاصة اذا كنا مكشوفين، دون أي دعم حكومي من المركز..!

وليس من السهل، في أجواء تنامي الهواجس والشكوك بين الأطراف الوطنية والمالكي، إقناع احد بان ظهره لن يكون مكشوفاً، وهو يخوض معركة العراقيين، دون تمييز ضد الإرهاب والإرهابيين، وان لا يجري "تجيير" الانتصار لصالح الطامح بتكريس سلطته، ولو على حساب خراب العراق، كما يبدو حتى الآن.

ان الأخبار والتقارير التي تتواتر كل يوم، تؤكد ان نينوى غدت مأوى لـ"داعش" تسرح فيها وتقوّض أي أثر للحكومة المركزية او المحلية ليلاً، بل ان عيونها المفتوحة في النهار، تحدد لها الأهداف والحيثيات لعملياتها، وتسهل ملاحقاتها للتجار والشركات والمواطنين لفرض "الإتاوة والخاوة" عليهم. وكلما تأخر التدبير السياسي والأمني والاقتصادي، اصبح واقعاً ما تسعى اليه من إقامة إمارة إسلامية لها، تجعل منها منصة للزحف على مواقع اخرى في العراق المريض.

واذا ما تحقق لها هذا الهدف، فان عبء ذلك والنتائج الوخيمة سيتحملها أهل المنطقة كلها، نينوى والغربية والحاضنات السُنّية "المُكرهة" على مراقبة ما يجري في محيطها، دون حول ولا قوة. وما يُراد من إقامة "إمارة قاعدية" لا علاقة لها بحماية الطقوس المذهبية او بتأمين سلامة المواطنين السُنّة، او الاستجابة لتطلعاتهم بتلبية الخدمات المفقودة، او النهوض الاقتصادي واستثمار موارد مناطقهم، ومكافحة البطالة، بل كل ما يريده الإرهابيون الداعشيون والقاعديون، فرض نمط إيمانهم التكفيري، وقسر الناس على الخضوع لنهجهم في السياسة والحياة الاجتماعية، وممارسة أشكال من الإخضاع على بناتهم وأولادهم لاقبل لهم بها، وقد جرّب أهلنا في الفلوجة والأنبار تلك الاستباحات التي طاولت أعراضهم وادق خصوصياتهم.

قد نتفق في ان أوضاع البلاد في ظل التمييز والإقصاء والتفرد التي مارسها حتى الآن الفريق السياسي المهيمن، خلافاً للدستور، لا تبعث على الاطمئنان، ولا تشجع على المبادرة لرأب الصدع، او التفاعل في أي شأن يخص الحكم والحكومة. لكن اتخاذ المواقف السلبية، إزاء أخطار تتربص بالجميع، مثل تمكين القاعدة وداعش، من بسط سيطرتها على أية رقعة من ارض العراق، او تأمين ممرٍ آمن لها او بيئة رخوة لنشاطاتها، تُعدّ بمثابة تواطؤ على امن وسلامة العراقيين ووحدة العراق، ان لم تكن بمصاف خيانة وطنية. وفي تجارب الأمم والشعوب، لا يمكن تبرير مثل هذا السلوك، بدواعي نهج الحكومة المعادي للتطلعات او النزوع نحو التسلط والانفراد، وغيرها من التبريرات التي لا تستقيم مع الحس الوطني والمسؤولية الأخلاقية إزاء مصائر وحياة العراقيين.

لقد منح الدستور صلاحيات وحقوقاً واسعة للمحافظات والأقاليم، والمفارقة ان هذه الحقوق والصلاحيات مستهدفة، بغباء وقصر نظر سياسي من الحكومة المركزية، إلا ان هذا الاستهداف لم يحقق ما يراد منه، وبغض النظر عن النتيجة، فان حرمة كل محافظة ومصالح أهلها سواء في نينوى او الأنبار او صلاح الدين او ديالى، مثل كل المحافظات العراقية، تظل مسؤولية مباشرة على عاتق حكوماتها المحلية، ومصائرها، بخيرها وشرها "لا سمح الله"، تنعكس عليها وتنال من مصداقيتها في رعاية مصالح مواطنيها، والتعبير عن إرادتهم.

ومثلما أكدتُ في الحوار مع المسؤول، فان الانخراط في عملية وأد نشاطات الإرهابيين وتجفيف مصادر استمرارهم وبأسهم، وتكدير بيئة ومراتع تواجدهم الآمن، إنما هي مسؤولية تضامنية، لا ينبغي التعامل مع نتائجها في اطار المغانم والحسابات الفئوية، الطائفية الضيقة ، قصيرة النظر.

ان هذا التوجه التضامني يشكل قاعدة مكينة، في اطار الوطن الواحد، بل انه يشكل منطلقاً سياساً، تُرسو عليه قواعد وطيدة من تبادل المعلومات الاستخبارية، والخبرة العملياتية، وتبادل العون بين الدول المتجاورة، حتى لو شاب العلاقات فيما بينها، الفتور والتنافر في التوجهات، اذا ما انتبهت، كل من موقعها الوطني، وأرادت حماية مصالحها، وتدارك المخاطر المحدقة بها.

ان الممرات الآمنة للإرهاب، وحواضنها ومدها بأسباب النشاط المدمر، "منشارٌ" لا يرحم: لا عين ولا أذن ولا ادراك . وقد فاتت بعض الجيران حكمة الأخذ بازدواجية هذه الآفة، فأغرقتهم في مستنقعاتها التي لا قاع ولا قرار لها للأسف..!

وفي ظل اتساع رقعة النشاط الإرهابي التكفيري، يتوجب على جميع الأطراف والكتل في العملية السياسية، على اختلاف ميولها ومواقفها، ومن كل مواطن عراقي، على قدر عزمه، "تحييد" قضية الإرهاب والموقف من الإرهابيين، وإبعادها عن الأجندات السياسية والمعارك الانتخابية، وعليهم المبادرة بحشد كل القوى للانخراط في التصدي للإرهابيين وكسر شوكتهم، باعتبار ذلك، مهمة وطنية ملحة، لا تعلو عليها أية قضية أخرى في الظرف الراهن الملموس.



المدى
العدد (2930) 4/11/2013

 


 

free web counter

 

أرشيف المقالات