| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأثنين 4/6/ 2012

 

دماء الشعوب .. المداد الذي يرسم خط اللارجعة

عمر الحديثي

الحدود الفاصلة ، مفترق الطرق ، خط اللاعودة الذي لا يفهمه القادة العرب حيناً ولا يريدون أن يفهموه حيناً آخر .. ذلك هو دم الشعوب ، آخر ما تصل إليه وسائل الشعب العربي ، وأول ما تهدره أيدي قادته .

لكرسي السلطة سر عجيب .. فبدل أن يرى من يحتله كل تفاصيل ما يليه كونه في القمة ويطل منه على ما حوله ، نجد أن الرؤية تصبح أقل منها في حالاتها الإعتيادية إن لم تنعدم . وفق المعقول ينبغي أن يكون العكس هو الصحيح . إذاً ، لا بد أن تلك الرؤية تحكمها رؤية أخرى غير البصرية ، وأزعم أن هذا الارتفاع بقدر ما يعطي للبصر سعة أكبر في مساحة الرؤية ، فإنه يولد بنفس القدر عمى في البصيرة يتولد عن وجون العقل أمام التطلعات ( مادية ومعنوية ) التي تستحوذ على الجزء الأكبر من عقل القائد وتفكيره لفقده القدرة على التوازن والقياس ، فيصبح القائد كمن ينظر ولا يرى ما أمام عينيه ، بل يرى الصورة لا كما يراها الآخرون ، لأن في ذهنه صورة أخرى ، وتصور آخر يشغله عن صورة الحقيقة .. ألصورة الخيالية لما سيكسبه من خلال موقعه والذي يكون غالباً غير واضح الملامح والحدود لكونه محكوم بالاطماع والطموح غير المشروع إلى أكبر وأبعد ما يمكن . والمشكلة في تلك الرؤيا تكمن في أن القائد إضافة لذلك لا يرى ما يحدث لأقرانه من كوارث بسبب تلك الحالة ، فتفوته العبرة ليصبح غير قادر على الإستفادة من التجارب المماثلة كما يحدث للإنسان السوي.

المسألة التي لم يفهمها القادة العرب ولا أظنهم سيفهمونها إلا بعد فوات أوانها لكل منهم ، هي أن معالجة وامتصاص نقمة أي شعب ممكن قبل تصاعدها الى حد معين ينبغي أن يتحسس القائد توقيته ليكون قائداً بمعنى الكلمة ، وغير ممكن بعد تجاوز ذلك الحد . فالدم حد فاصل بين إمكان العودة الى الاصلاح والتهدئة وبين عدمها . عندما يبدأ تذمر شعبي فإنه إما أن يجابه بإصلاح يهدئ روع الشعب ولو جزئياً فيحتوي هياج مشاعره ويخمد إوارها ، أو يهمل في محاولات تهدئة دون إصلاح أو يواجه بأساليب القوة والقمع التي إن أجدت فستكون تأجيلاً لتفجر أقسى وأشد غلياناً ، ثم ليصنع غضباً وحراكاً متصاعدا يصعب التعامل معه دون خسائر . ألحد الذي يحدث الانفجار هو دم الشعب ، الذي إن دخل المعادلة فسيصبح طريق العودة غير سالك ، والتصاعد أمر محتوم . هنا وفي هذه النقطة تحديداً ، على القائد أن يفهم بأن الأمر خرج من يده وأن كل يوم يضيفه في موقعه بعد ذلك هو خسارة مضافة له وفق حالة تراكمية تبدأ برهان القوى الشعبية على بقائه في سدة القيادة ولا تنتهي الا بالإصرار على ان يكون الثمن حياته وأمواله وأهله ..

لا غرابة في ذلك طبعاً .. فالدم هو حد فاصل في كل الأعراف والقوانين الوضعية والسماوية ، وهو النقطة التي تقيّم وتوزن عندها القيم الانسانية ، وقد شاهد العالم كله ما أحدثته حادثة البو عزيزي .. أن تزهق روح إنسان فهو أمر يفوق في تأثيراته ونتائجه حرق وأتلاف أموال لا حدود لها . والكل يعلم أن ثورة الشعب في مصر ووصلت الى ما وصلت اليه بالغضب الذي انتجه استشهاد عدد من أبنائها المطالبين بالإصلاح والتغيير ، والعالم يرى أجمعه ما يحدث الآن من إصرار شعبي في مصر على عدم الاكتفاء بتخلي الطغاة عن عروشهم ، بل المطالبة بأرواحهم وممتلكاتهم وعوائلهم وما يتبع ذلك من خسارة تاريخهم ووصمه كله بالسوء والعار . 

لو أن القيادة السورية وعلى رأسها بشار الأسد لم تتعامل بمنطق القوة الغاشمة وعدم الاستماع لأجراس نفاذ صبر الشعب السوري والتنكر لحقوقه في قول كلمته ، لكان بالإمكان الحفاظ على درجة معقولة من احترام الشعب لقيادته وإيقاف مسوغات المطالبة بدمه وعائلته ومقربيه كما هو الآن . ولكن ذلك لم يعد ممكناً بعد سقوط أول كوكبة من شهداء الشعب ، إذ أن الغضب الشعبي ( ومهما كان بسيطاً ) قبل إهراق الدماء ، لا يمكن إلا أن يتصاعد بعده ليتعاظم تراكمياً مع كل ضحية تضاف الى قافلة الشهداء حتى يصبح سيلاً عارماً غير قابل للتراجع وهو يحمل في عنقه دم ضحاياه ديناً واجب الوفاء لا يمكن الوقوف في وجهه الى ما لا نهاية ، فيكون وصوله الى الهدف نتيجة حتمية بتسارع لا يفصله عن بلوغها غير الوقت ، وإن في تجربة القذافي  لذكرى لكل ذي عقل . ولو كان القذافي استوعب الدرس منذ بداية الحراك لخرج معززاً ، ولو فهمها بعد حين

 لخسر المال وحفظ حياته وأهله ، وحتى بعدها كان سيحفظ أهله ويواجه محاكمة قانونية لا يعرف احد ما كانت ستنتج .. ولكن إمعانه في الوغول في دماء الشعب لم يكن يمكن أن ينتج غير ما حصل له من الإهانة والنهاية البشعة التي يصحو لهولها كل انسان إلا القيادات العربية  والقادة الذين اعتادوا امتلاك السلطة من المهد الى اللحد حتى لم يعد بإمكانهم تصور العيش بدونها ، وكأنهم آمنوا أن قدرهم حكم الشعوب مدى الحياة فأصبح تغييرهم يوجب على الشعوب إنهاء حياتهم بشكل مأساوي بعد تأكد شعوبهم أن نهاية  تسلطهم غير ممكن إلا بنهايتهم .

والمشكلة ليست - بأي حال - هي نهاية أولئك القادة ، لكنها تتمثل في أن إصرارهم هذا يؤدي في أغلب الأحيان الى تدخل قوى خارجية مستغلة سقوط تلك القيادات لتثبيت مصالحها في تلك البلدان واستنزاف خيراتها وافقار شعوبها الى ما شاء الله من سنين العذاب والحرمان اضافة الى ما تسببه هذه العنجهية من دمار الأوطان وإعادتها الى عصور التخلف والبدائية . وهناك مشكلة أخرى أكبر خطورة تكمن في تدخل أحزاب وتوجهات من خارج الحدود لتعين السلطة في تقتيل شعوبها وتدمير بلدها على أسس طائفية أو سياسية قد تضع البلد على منزلق الحرب الاهلية دون إعارة الشعوب وحياتها قيد شعرة من الأهمية وحقوق العيش على ارضها وفي أوطانها .

free web counter

 

أرشيف المقالات