| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الثلاثاء 3 / 9 / 2013



افتتاحية المدى

الدكتاتور حين يتوسّد خيباته : الادعاء العام الشعبي لرصد خرق الدستور والفساد والجريمة..

فخري كريم  

(١)

تفاقم الأزمات واستمرار تدهور الأوضاع السياسية واستشراء الفساد، وتوسّع مظاهر الجريمة المنظمة التي تجد لها ما تحتاجه من غطاء وحماية وأدوات من الدولة، وتحول الانفراد في السلطة الى ما يشبه عملية اغتصاب علنية، جعل المواطن العراقي راغبا بالتطهر من رجس السلطة بالنأي عن حواضن خطاياها، والبحث عن خيار يعينه على التخلص من ارتهانه بحكومة جائرة لا تستحي من الباطل.
وشكلت مظاهرات ٣١ آب، والموقف اللا اخلاقي منها، أوضح مظهرٍ للانفصال بين الشعب وحكومة المالكي واجهزة قمعه وأدواته الحزبية ونهجه العبثي.
وبات على كل عراقي بعد اليوم، أن يُسمي الاشياء والأحداث بأسمائها ومدلولاتها، لكي يعرف ما ينبغي أن يفعل وان يتخذ من مواقف إزاء ما يجري في البلاد.
واول ما ينبغي ان يتأكد منه، هو ان من يحكم البلاد يتقلد في الوقت ذاته موقعين سياسيين يتعكز عليهما في ما يتخذ من سياسات ونهج مغامر مدمر. فهو امين عام حزب الدعوة، وهو رئيس كتلة دولة القانون. لكنه في ذات الوقت يتولى رئاسة مجلس الوزراء بتمثيل التحالف الوطني الشيعي. ولا يغير من هذا الواقع معارضة بعض اطراف التحالف الوطني او تنصلها من سلوكه السياسي، كما لا يعني إنابته عن التحالف الشيعي، تمثيله للمكون الشيعي والدفاع عن حقوق الشيعة ومصالحهم او مظلوميتهم التاريخية، مهما حاول وسعى لاظهار خلاف ذلك. فلم يشهد هذا المكون عسفاً وتعَدّياً ومظلومية وإجحافاً، في حريات أفراده ومصادر عيشهم، كما يشهدون تحت واقع السلطة الراهنة. وقد يدعي الحاكم تأمين اقامة شعائرهم وطقوسهم المذهبية ومسيراتهم الحسينية، التي حرموا منها في ظل الانظمة الدكتاتورية السابقة، لكنه في هذه الجزئية ايضاً يجانب الحقيقة ويشوهها. فقد حررت الجموع العراقية نفسها من التحريم، بعد اسقاط الدكتاتورية بقوة الجيوش الاميركية، وليس بأي فعل او تدخل منه ومما يمثل.
وفي ٣١ آب انكشف الغطاء عن المستور من الادعاءات الباطلة للفريق الحاكم. وكما تبين بطلان الاتهام بشبهة "البعث" و"الارهابيين" و"الاجندات الخاصة"، التي ألصقها بالمتظاهرين الذين خرجوا في الاعوام السابقة دفاعاً عن حرياتهم وحقوقهم المهضومة، اعاد تسويق أجندته الخاصة التي باتت مفضوحة ليرمي بها المتظاهرين!

فالمظاهرات خرجت او كانت تريد ان تخرج بكثافة وشمولية من جميع المحافظات، تستوعب العراقيات والعراقيين، المنزهين عن اي انحياز لهوياتهم الفرعية، المذهبية والحزبية، توحدهم المطالبة بالغاء الرواتب والامتيازات الخاصة بالنواب والرتب والدرجات الخاصة، كمدخل فيما يعتقدون، لوضع حدٍ لاستشراء الفساد والنهب واللصوصية، التي تحولت من جريمة في عرف القانون إلى "وجهة نظر" نافذة ومحترمة ومحمية من السلطة السياسية وأجهزتها.

والمحافظات الشيعية، بلغة المحاصصة الخبيثة، هي التي تصدرت المظاهرات بالدعوة اليها والمشاركة فيها، ولم يكن نصيب المناطق السنية سوى دور عرضي، رغم انه حمل معاني التضامن والمشاركة والتساوي في الابتلاء بالطبقة الفاسدة. وفي هذه المحافظات لا غيرها، استخدم المالكي قواته الخاصة واجهزة أمنه لمنع المتظاهرين والاعتداء عليهم واستخدام الرصاص لتفريقهم. بل ان فضيحة استباحة قواته بلغت من الوقاحة حد مطاردة المصابين، الى المستشفيات لاعتقالهم!

(٢)

في مصر، وضِعَ الرئيس السابق محمد حسني مبارك في قفص الاتهام، بارتكابات عديدة، واحدة منها اصدار الامر باطلاق الرصاص على المتظاهرين. وقد لحق به الرئيس المعزول محمد مرسي العياط، مُتَهماً، من بين اتهامات عديدة، بقتل المتظاهرين امام مكتب الارشاد، وعددهم بضعة شهداء. ولمثل هذا لقي طغاة آخرون مصائر مأساوية يستحقونها.

كم من الشهداء سقطوا في المظاهرات التي شهدها عهد المختار، وكم من الجرحى؟ وكم من المُعَذبين على ايدي جلاوزة الاجهزة الامنية السرية و"سوات"؟ كم من السجناء والمعتقلين الذين أُفرج عنهم، وتبينت براءتهم من اي تهمة، سوى الكيد والابتزاز والاستهداف بغير مسوغ قانوني او انساني؟ كم من الفضائح التي ترتكب يومياً جهاراً، في الملاحقة والاعتقال وكيل التهم لمواطنين بهدف إسقاطهم سياسياً وابتزاز عوائلهم وأخذ "الدية" مقابل اطلاق سراحهم؟ كم من رجال الاعمال والتجار يلاحقون لانتزاع الرشاوى منهم واجبارهم على اشراك النافذين في الصفقات المشبوهة؟

لانهاية لتساؤلات تنال من الفريق الحاكم، وسلسلتها تطاول اقرب المقربين، والانتهاكات وعمليات إخلاء الدور والتنازل عن الاملاك والعقارات، تجري على قدم وساق في المنطقة الخضراء وحواليها، بالتهديد والإغراء!

وقد تكون هذه المظاهر كلها او بعضها، "مجرد اشاعات" هدفها النيل من الحاكم والمحيطين به والفريق المتجاسر، وقد تجري "من وراء ظهر المختار"، فليتنا نسمع ما ينفي ذلك من فمه ولسان حاله، وهو ما لا اثر له او صوت.

فهل تبقى الحال على ما هي عليه، ويظل الصمت سيد الموقف؟

ألم يحن الوقت، لكسر حاجز الصمت وكشف المستور ووضع الدولة بكل ما فيها امام التساؤل والملاحقة؟

(٣)

وأمام هذا المشهد العبثي، الذي تتضاءل امامه القوى والكتل السياسية، بين مشارك وضالع ومتهاون وساكتٍ عن الحق، اصبح الواجب ان نتدارس ما يساعد في مواجهة الاجهاز على ما تبقى من امل وحياض.

والوسيلة الانجع ان نتولى متابعة ما نتعرض له من تعديات ومهانة. امامنا خيار جمع قرائن وادلة مظلوميتنا الحقيقية على ايدي هذا الرهط الفاسد المتجبر. وفي غياب من دور فاعل للادعاء العام، الذي سكت دهراً ثم خرج بالوعيد للمتظاهرين، وفي ظل صمت مريب للقضاء بكل اركانه ازاء حماية الدستور والدفاع عن الحريات المكفولة دستورياً، وملاحقة مظاهر الفساد التي باتت جزءاً عضوياً من نسيج الدولة المتهرئة، ان كانت دولة اصلاً، لم تبق وسيلة سوى تشكيل نواة مكاتب ادعاء عام شعبي، ينظم اليها طواعية، خيرة القضاة المتقاعدين، والمحامون الشرفاء ورجال القانون، يعاونهم صحفيون وكتاب. تتولى المكاتب، بالاعتماد على رصد المواطنين والمنظمات الاهلية والتجمعات الشعبية والنقابات، توثيق كل مظاهر ووقائع الجرائم التي ترتكبها الحكومة واجهزتها الامنية والعسكرية، ومؤسسات الدولة ضد المواطنين، كما توثق وقائع التلاعب بالمال العام، والرشاوى والصفقات المشبوهة للشركات ورجال الاعمال مع المسؤولين. ومن المهم تأكيد انخراط ابناء وعوائل المسؤولين في التعديات والصفقات والاعمال التجارية المشبوهة وغيرها. ان كل المظاهر التي تتعارض وتتناقض مع الدستور والاعراف والحقوق، هي سند يستحق المتابعة والتوثيق.

إن نشاط مكاتب الادعاء العام الشعبي، في جميع أنحاء البلاد، والنتائج المباشرة له، يمكن أن يساعد في كشف المستور الذي يصر رئيس الحكومة على التلويح بملفاته ثم يعيدها الى مجراته الخفية، بعد ان يكون قد حقق التسوية المطلوبة منها. وهذا النشاط يمكن أن يسهل ملاحقة الفاسدين والمجرمين الذين تسببوا بالقتل والاعتقال العشوائي والنهب وغيرها من الجرائم، وفي مقدمتها إساءة استخدام السلطة. وفي لحظة تحوّل سياسي، يفقد فيها أي واحد هؤلاء مصادر تحكمه عبر العملية الديمقراطية والانتخابات، سيسهل وضعه في قفص الاتهام ومحاكمته على ما ارتكبه.

(٤)

إن مكاتب الادعاء العام الشعبي التي يرفدها المواطنون من مواقعهم في الدولة والمجتمع، يمكنها ان تلعب دوراً بالغ الاهمية في التوعية العامة، وتعبئة الرأي العام وترشيد اسهام الجموع الشعبية المغرر بها، او المغيبة عن مجرى الحقيقة المرة في الانتخابات القادمة، او المشاركة في الفعاليات التي تحد من الفساد والتطاول على المواطنين وحرياتهم وغمط حقوقهم. ومن بين أدوات الادعاء العام، الصحافة ووسائل الإعلام بكل تنويعاتها.

كذلك من بين الروادع الممكنة، التنسيق مع المنظمات الحقوقية، والمعنية بالحريات وحقوق الإنسان وممثليات الامم المتحدة، والسفارات الموالية للحكم.

ولتمكين كل مواطن، من اي موقع، في الإسهام بإغناء أرشيف مكاتب الادعاء العام، والاطلاع على نشاطاته والوقائع التي يوثقها، من الضروري فتح مواقع الكترونية، وحسابات في مواقع التواصل الاجتماعي، تويتر وفيس بوك، وكل وسيلة متوفرة وممكنة.

(٥)

في بيئة فاسدة ليس امام شرفاء هذه الامة المغتصبة، سوى الاعتماد على قدرتها ووسائلها وحضورها وحقها في الحياة والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والامن والاستقرار. ولدينا طاقات خلاقة لم تُفَعّل، ولم تنشط، ولم تُختَبر.

لدينا كل الحق في ان نقاوم الحكم علينا بالموت السريري، وان ننهض لنثبت لأنفسنا والأجيال القادمة وللعالم، ان جدارتنا بالحياة والتطور واللحاق بركب الحضارة، ليست تاريخاً مضى، بل وعد أكيد بالمستقبل!

المدى
العدد (2882) 3/9/2013


 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات