| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد  31 / 8 / 2014

 

افتتاحية المدى

الفصل في الخلاف حول العفوالعام وإطلاق المعتقلين:الإفراج عن الأطول من المكلف بالوزارة
والأضعف من قائد مهزوم!

فخري كريم 

تداولت الأوساط السياسية في بلدان الربيع العربي "التالفة" بحكم إجهاض ثوراتها، فكرة اعتماد "عدالة انتقالية". وأول من تبنّى المصطلح بقوة، جمهورية مصر العربية، بعد سقوط نظام محمد حسني مبارك. وفي العراق الجديد وبدلاً من معايير قضائية لتحقيق العدالة لضحايا النظام الدكتاتوري، وملاحقة ومحاسبة اركان النظام من المتسببين بالجرائم وحالات الجينوسايد، اصدر الحاكم المدني للاحتلال بول بريمر قوانين وتشريعات، مثل اجتثاث البعث، لم يكن لها أي أثر على المجرمين، سوى استهدافاتٍ لآخرين ربما لم يكن لبعضهم اي دورٍ ينطبق عليه القانون المذكور، أو بديله "المساءلة والعدالة". وقد نال كثرة من المتورطين من منتسبي اجهزة الامن والمخابرات والقوات المسلحة والقيادات الحزبية، خلافاً للبسطاء، حظوة لدى الحاكم المدني وأجهزته، ومواقع قيادية في اجهزة الدولة والقوات المسلحة، ولعب هؤلاء من مواقعهم المؤثرة أدواراً مضادة للعملية الديمقراطية، واشاع العاملون منهم في صفوف الاجهزة الامنية - المخابراتية ثقافة الاستبداد وأساليبه في التعامل مع المواطنين، وكانوا ركناً منخوراً من الدولة الفاشلة التي اعادت الى الأذهان مشاهد التعديات بأشكالها المختلفة التي تميزت بها الدكتاتورية، بطبعتها البعثية.

قضية فريدة اصدر فيها قاضٍ بريطاني، حكماً، ذكرتني بمحاولات الدول التي يتبدّى لها كما لو انها تخلصت من الدكتاتورية، وتحتاج الى صيغة ما من العدالة تعيد الى الضحايا حقوقهم في القصاص من جلاديهم، وتحمي المتهمين بها من أقطاب الانظمة الساقطة من العقاب الكيفي خارج سياقات العدالة المفترضة، وتحول دون استخدام العنف المفرط ضدهم، بزعم احقاق الحقوق.

القضية الفريدة المذكورة، تتعلق بمتهمٍ أدين بارتكاب اكثر من جريمة، وقائعها مؤكدة، لا سبيل الى انكارها. لكن القاضي وجد في وضعه ما يستوجب الحكم عليه بالأشغال الشاقة لمدة ستة أشهر بعدم التجول في الليل خلال مدة المحكومية!

وسبب لجوء القاضي الى هذا الحكم، ان طول المحكوم (متران و١٣ سم)!، وأن اسرّة نوم السجن لا تزيد عن مترين، وكذلك الأمر بالنسبة لقياس ملابس السجن!

قرأت تفاصيل الحدث القضائي الفريد، وانا على يقين بان القاضي اصدر الحكم "مجتهداً" لا مادة قانونية تحت تصرفه يهتدي بها، غير تشبعه بفكرة العدالة التي ينبغي عليه الحكم بمقتضاها، بينما كنت اتابع بعض فصول مجريات القضاء العراقي، وتطبيقاته، والتشريعات السائدة التي يعود بعضها الى ميراث "مجلس قيادة الثورة"، والبعض الآخر مما لا يعرف القاضي ان الاخذ به متعارض مع نصوص الدستور وليس مع روحه وجوهره فقط.

كما اتابع سلطتنا التشريعية، وكيف انها تسن قوانين على الضد من الدستور، او تسكت عن استمرار قوانين باطلة، وكيف ان الكثير من المواد الدستورية تنتهي بعبارة "ينظم بقانون" ولا قانون يصدر لينظمها، واذا صدر فبالصياغة التي يتجاوز بها على الدستور.

وتذكرت قولة تشرتشل، حين سأل عن وضع القضاء بعد الحرب العالمية الثانية، فأجيب انه بخير، فقال: إذن بريطانيا ستنهض!

وفكرت، ماذا لو كان هذا المجرم عراقياً، وقاده حظه امام قاضٍ من بين الذين اعيدوا الى الخدمة بعد الغاء قرار تطهير القضاء، بعد ٢٠٠٣؟

من المؤكد انه كان سيوصي بعد الحكم عليه، إما بلملمة ساقيه اثناء النوم لتجنب ازعاج غيره من السجناء، أو بتعليقه في السقف. هذا اذا لم يفكر بتخليص البشرية من امثاله، وتقصير الزائد من قامته، بقطع رأسه!

واحدة من القضايا الخلافية في المباحثات بين التحالف الوطني والأطراف السنية تدور حول الموقف من العفو العام واطلاق سراح السجناء والمعتقلين "الأبرياء"، ولم اجد سوى ان استوحي من الحادثة المذكورة فكرة تشكيل لجنة من قضاة الأطراف المتحاورة (مع ان القاضي يجب ان يكون مستقلاً)، على ان تبحث اللجنة عن اطوال السجناء وأوزانهم، وتباشر بإطلاق من يتجاوز طوله رئيس مجلس الوزراء المكلف، ويقل وزنه عن احد قادة الفرق العسكرية الذين هُزموا امام داعش.


المدى
العدد (3160) 31/8/2014


 


 

free web counter

 

أرشيف المقالات