| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأثنين 30/11/ 2009

 

انفلونزا السياسة

عبدالكريم يحيى الزيباري

اتسَّعت قاعدة (أحسنُ الشِّعرِ أكذبه) لتصير(أحسنُ الحديثِ أكذبهُ) كتبَ ماجد الدباغ مقاله الختامي في مجلة الصوت الآخر عدد 269 بعنوان استفهامي "مَنْ يزرعُ الشوك في العراق؟" يزرعه الذي يحسبُ أنَّهُ مُخلِصٌ لوطنه ببثِّ روح الفرقة والشحناء وإثارة النعرة القومية بعصبيَّةٍ جاهلية، والمصيبة أنَّهُ وأمثاله لا ينفعهم حوار، فكيف تقنِعُ مَنْ يحسبُ أنَّهُ يُحسِنُ صُنْعاً بخطئه؟

وبدأ الدباغ بسؤال ( كيف يتمكن قياديٌّ سياسيٌّ، أنْ يُغَيِّر ما آمن به لسنوات من مبادئ وتوجهات قال انه يتفاني من أجلها؟ فقد شهد عراقنا المعاصر ما بعد التحرير عام 2003 وبشكل دوري، قيام العديد من الأحزاب والتنظيمات، يغير معظمها خط سيرهِ المعروف به بين ليلة وضُحاها ليترك مناصريه يكفرون بكل المبادئ والقيم). وَكَمْ مقالٍ أَجَدَّ لنا جُروحاً كادت تلتئمُ، ذكرني قول المتنبي :

ساداتُ كلّ أُنَاسٍ مِنْ نُفُوسِهِمِ         وَسادَةُ المُسلِمينَ الأعْبُدُ القَزَمُ
أغَايَةُ الدّينِ أنْ تُحْفُوا شَوَارِبَكم      يا أُمّةً ضَحكَتْ مِن جَهلِها الأُمَمُ

كلُّ ما أراده الشعب الكردي أنْ يكونَ سادتهم من نفوسِهمِ، وليس الدينُ تقصير الثوب وقص الشارب ومسبحة الرياء فحسب، بل جوهر الدين والإيمان أنْ تُحِبَّ لأخيك ما تحبُّ لنفسك، سياسيٌّ جهبذ يُقالُ من حزبه أو يُفصَلْ فيعرض نفسه للبيع أمام الأحزاب الكبيرة، علماً أنَّ حزبه صاحب الشعارات الأكثر بريقاً من مثل (معنا لكم قيمة) وبحسب مفهوم المخالفة مَنْ ليسَ معنا فلا قيمة له، أو مرتَّدٌ أو فاسقٌ أو ما شئت من أوصاف، وفجأة أقالوه بالإجماع فصار هذا الذي كان يَضَعُ هذه الشعارات معروضاً للبيع أو للإيجار لكن بشكل سرِّي، ثمَّ تناولَ الدبَّاغ اتهام أحمد أبو ريشة الذي يقدم نفسه في كل مناسبة بأنه (قائد صحوة الأنبار) الشعب الكردي بأنَّهُ كان سبباً لعقد اتفاقية الجزائر 1975، التي تنازلت بغداد بموجبها عن شط العرب لشاه إيران المقبور، وبما أنَّ القادسية اشتعلت بسبب تراجع بغداد عن هذه الاتفاقية، سيكون لِزاماً أيضاً: الشعب الكردي كان سبب رئيساً لهذه الحرب، وبما أنَّ هذه الحرب قد توقفت بسبب رضوخ بغداد واعترافها مجدَّداً بهذه الاتفاقية، فيجب أنْ يكون للشعب الكردي دورٌ في إيقاف هذه الحرب، أمْ أنَّ السيئات يُذِهْبْنَ الحسنات؟ ولأنَّ ديون هذه الحرب هي التي دفعت إلى احتلال الكويت، ولأنَّ احتلال الكويت كان سبباً في الحصار، والحصارُ سبباً لهزيمة الجندي العراقي الجائع الذي لم يصمد سوى عشرين يوماً، بينما قاومت طالبان ستة أشهر، وليس لهم عُشرَ عُدَّة وعتاد الجيش العراقي. وهكذا صارَ الشعب الكردي شمَّاعةً ميتافيزيقية، وصارت معاداة الشعب الكردي مكنسةً سحرية يركبها من يريدُ الفوز بالانتخابات؟

لكن لماذا تنازلَت حكومة بغداد عن شط العرب للعدو الفارسي، ولم تقدِّم تنازلات قليلة للشعب الكردي كان قد وعد بها شعبه العراقي بطوائفه كافة في بيان 11 آذار؟ بسبب فقدان الثقة التي يزرعها شوكاً كلُّ رويبضةٍ بين العرب والكرد من الفريقين، ويزعمُ أنَّهُ مستعدٌ لأنْ يتنازل عن بغداد لإسرائيل على أن لا يتنازل عن شبرٍ واحد لأرضٍ يسكنها الكرد منذ مئات السنين، وربَّما قد يدعمُ رأيهُ بأكاذيب وتخرُّصات من مثل ذاك العالم الذي قَصَّر ثوبه وأطال لحيته وفي قافلة العمرة قبل عامين خَطَبَ المعتمرين قائلاً دونما مناسبة (قال الرسول صلى الله عليه وسلَّم ما حنَّ أعجميٌّ على عربيٍّ لا وربِّ الكعبة) فحاججه صديقي: من أين لك هذا الحديث؟ ومن أيِّ الصِّحاح استقيته؟ وكيف صار سلمان منا آل البيت؟ بدأ عالم الدين المُزيَّف يهذي ويرعد ويزبدُ فمه، بدلاً من تذكير الناس بخطبة حجة الوداع التي جاء فيها (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ألا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ ألا لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلا لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلا بِالتَّقْوَى) وقال (لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ) يسوقُ أكاذيباً وتخرَّصات ويتقوَّلُ على الرسول صلى الله عليه وسلَّم ما لم يقله، وقد عانى العراق الويلات إثرَ الويلات، من رويبضةٍ جديد يخرج علينا كل يوم، والأدهى أنْ يجد الباطل دوما آذانًا صاغية، وقلوبًا فارغة، فالعوام والغوغاء لم يلجئوا إلى ركن وثيق، ليسألوا عالماً بل يلجئون إلى مَنْ هو أجهل منهم وإنْ بَدَتْ عليهم سيماء العلم، لكن مَنْ الذي سَمَحَ للرويبضة التافه الجاهل، أنْ يتحدَّث في الأمور الجليلة؟ ولأصِفَ لكم بعضاً من حالات الرويبضة التي عانيتها:
رويبضةٌ طرَقَ باب الإعلام المرئي والمكتوب، زارَ والد أحد المسئولين، وقال لهُ أنا بصَدد إخراج فيلم وثائقي عن حياة النضال التي عشتها، علماً أنَّ والد هذا المسئول كولده كان موظفاً في حكومة البعث إلى يوم زوالها، فأكرمه الوالد وأعطاه موعداً لمقابلة السيد المسئول الذي أعطاه منحة شهرية لإصدار جريدة أسبوعية لا ضَرَرَ إنْ صارت نصف شهرية، ومنحةً أخرى لإخراج الفيلم المزعوم، علماً أنَّ الرويبضة قد وعدَ الكثير من المسئولين الذين يعانون فراغاً روحياً ويحسبُ أحدهم نفسه غاندي العظيم، بأفلام وثائقية عن حياتهم وأخذَ المقسوم ولم يرَ النور بعد أيَّاً من أفلامه الوثائقية والحمد لله. ولصديقي صديقٌ وسيم، يعتني بملابسهِ ومظهرهِ الخارجي أكثر مما تفعل النساء، يزور الحلاق ثلاث مرات في الأسبوع، في صوتهِ غُنَّجٌ ودلال، عَمِلَ مطرباً في شبابهِ، قبل أن تفتح له السياسة أبوابها، إذا رنَّ جهاز موبايله أخرجهُ سريعاً وابتعدَ قليلاً، وعاد بعد دقيقة أو اثنتين أو ثلاث، وهو يسأل راسماً على وجهه ابتسامة النصر: هل تعرفون مَنْ الذي اتصلَّ بي للتو؟ - لا نعرف. – إنَّهُ سكرتير رئيس جمهورية العراق، يستشيرني في شأن الانتخابات المقبلة، وبعد دقائق رنَّ ثانيةً فأعاد الكرة، وقد أتقنَ دوره أكثر: هل تعرفون مَنْ الذي اتصلَّ بي للتو؟
- لا نعرف. – إنَّهُ فرج الحيدري رئيس هيئة الانتخابات المستقلة يسألني رأيي بشأن أزمة انتخابية وشيكة. ويذكرني بالفيلم العربي (أبو العربي) هاني رمزي وهو يدَّعي أنَّ حسني مبارك يتصلُّ به كي يشتري له حاجة من الكمرك، ويقول لرئيسه يجب أن تقفل أنت أولاً يا حبوب!!

الرويبضة هذا صديق معظم القادة السياسيين، ولا يقوم من مجلس الوزير الفلاني إلا بدعوةٍ من وزيرٍ آخر، وهو إنْ كان يكذبُ كثيراً فإنَّهُ يصدقُ في بعض علاقاته بالساسة الذين لا يقرِّبون إلا كلَّ أفَّاكٍ أثيم، يزعمُ لهم أنَّ الشعب يكاد يموت حُبَّاً فيهم، والصحيح أنَّ معظم الشعب يدعو عليهم ليلَ نهار، أنْ تنزِلَ بهم قارعةٌ أو قريباً من قصورهم، وهذا الرويبضة ينال كلَّ الدعم المالي والمعنوي على حساب المثقف الشريف الذي ربما لا يجدُ رغيف الخبز، ورويبضةٌ آخر بَعدَ أنْ فُصِلَ من إحدى المؤسَّسات الحكومية الرصينة، بأيَّام قليلة يعيدُ الكرَّةَ: هل تعرفون مَنْ الذي اتصلَّ بي للتو؟ - لا نعرف. – إنَّهُ السيد المحافظ اتصلَّ بي ليلة أمس أيضاً يستشيرني في مشكلة عشائرية، كما اتصلَّ بي أيضاً في ساعةٍ متأخرة من الليلة الفائتة، لكن إذا كان المحافظ صديقاً عزيزاً فلماذا يسمح بفصلك؟ ووَظَّفهُ معاون مدير إحدى الدوائر الحكومية غير الرصينة، من الذين عادوا مؤخراً من الغرب، الذي يكاد يخلو من هذه الفيروسات، بصفة مستشار إعلامي، فعلَّقَ في صدره باجاً كبيراً لهذه المؤسَّسة وهو فعلٌ لا سابقةَ لهُ إلا أيَّام البعث وأعياده، واكذب اكذب ثم اكذب حتى يُصدِّقُك الناس، وهذا الرويبضة لديه شهادة متوسِّطة ورغم ذلك تمَّ ترشيحه لعضوية البرلمان العراقي عن أحد الأحزاب الكبيرة جداً، وَرُفِضَ ترشيحه مع آخرين بسبب شهادته المتوسطة، وأرجو من فرج الحيدري نشر أسماء وأحزاب الذين رُفِضُوْا، هذا الرويبضة كان تلميذاً لراسبوتين العصر، أشهر نصَّاب ومحتال في الشرق الأوسط، استطاع أنْ يخدعَ البعث والأمريكان واليهود، رغمَ أنَّهُ لا يفكُّ الخط، ولكن إذا كان بمقدورك أن تخدع بعض الناس كلَّ الوقت، وإذا كان بمقدورك أنْ تخدع كل الناس بعض الوقت، فلن يكون بمقدورك أبداً، ولا بمقدور غيرك أنْ تخدعَ كلَّ الناس كلَّ الوقت، وكان لصديقي صديقٌ آخر، صَحَّافي كأنَّ ذبابةً واقفةٌ على أنفهِ، يتكلَّم بكبرياءٍ شديدة، علماً أنَّه قد فُصِلَ من وظيفته الحكومية بسبب أكاذيبه لا غير، كُلَّما رآني أراني بعض رسائل المعجبات اللاتي يمتدَحنَ مقالاته امتداح الخالة والعمَّة، مقالاته التي بلا لون ولا طعم ولا رائحة، فقط عناوين برَّاقة، وأسماء لامعة وشهيرة.
 



 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات