| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد 30/8/ 2009

 

 بين
تخبط العلمانيين وتملق الاسلاميين
( متى نتخلص من عقلية العشيرة ) ؟

ئارام باله ته ي  *
aram_balatay@yahoo.com

كأن عقارب الساعة عندنا لا تتحرك , وكأننا لا نريد أن نستفيد من التاريخ , يبدو أنه لا يخطر ببالنا التوجه نحو (الدولة) !!. الكورد اكبر اثنية في العالم لا تمتلك دولة , من يتحمل وزر ذلك ؟ هل هناك خلل أم هي مشيئة الله ؟ .
أدعو بل أرجو من كل من يقرأ هذه السطور أن يستفيق ولو للحظة ويشاهد العالم وقد وصل به سير الزمن الى القرن الحادي والعشرين وأن يعي جيدا ( للعلم فقط ) أن المجتمع المدني والحداثة والعولمة والديمقراطية من سمات هذا العصر ’ ثم ان أراد العودة الى غفوته والتفكير بذهنية القرون الوسطى , فأرجو أن يكون قد اجرى مقارنة بين هذه وتلك وكفى ..

ما أن جاء العام 1992 ( وبفضل عوامل داخلية واقليمية ودولية معروفة ) الا وحصلت انتخابات تشريعية في اقليم كوردستان ، شكل على اثرها ( برلمان ) الاقليم , حينها كان يفترض أننا بصدد التحول من (عقلية الثورة) الى (عقلية الدولة) أو على أقل تقدير عقلية بناء مجتمع حديث , لكن الذي جرى أننا منذ تلك اللحظة المفصلية المهمة نعاني من مشكلة بالغة التعقيد عنوانها (التخبط) , اذ اننا ندّعي السعي الى بناء مجتمع مدني وانماء للديمقراطية ومواكبة للحداثة والوصول الى ركب المجتمعات المتطورة , لكننا من جهة أخرى لازلنا نفكر ونتعامل ب (عقلية العشيرة) وهذا انفصام واضح في الشخصية لأن هذه العقلية (عقلية العشيرة) لا تتلائم مع كل ما يفترض السعي اليه , وهكذا يؤدي الجمع بين هذه المتناقضات الى احداث ارباك ظاهر على مسيرة مجتمعنا , فكلما خطونا الى الامام خطوة في سبيل بناء مجتمع مدني فان (عقلية العشيرة) ترجعنا الى الوراء بنفس المقدار , وهذا يعني أن محصلة التطور ليست لها اتجاه . فهل نحن واعون لما يجري ؟ ولمصلحة من يحصل هذا ؟ .

في موضوع حساس كهذا , لاسيما ونحن على منعطف تاريخي – حضاري يتمثل بوجودنا كأمة متمدنة فاعلة يمكن البحث عن مستقبلها على الخارطة الدولية , أو التقوقع والتقهقر فيما نحن فيه , يجب أن نبتعد عن المجاملة والتبرير, وندعو الاحزاب الكوردستانية الى الاضطلاع بمهامها في ارشاد الامة نحو بر الامان . ( ربما يعترض هنا معترض , لماذا تكون هذه مهمة الاحزاب وليس الافراد؟ ) لأن هذا الجو المغلف بطبقة سميكة من ( عقلية العشيرة ) لا يدع أي فرصة لسماع صوت الفرد ما دام فردا بسيطا ليس الا , حيث أن المجتمع لم يصل بعد الى مرحلة من الوعي يحركه المثقفون والأناس الاكاديميون , الا أن الاحزاب بامكانياتها وآلياتها وكوادرها تمتلك القدرة على ذلك .

في هذه المهمة المضنية نواجه مشكلة أخرى أكثر تعقيدا تكمن فيها نفسها المعضلة الرئيسية , عندما نكتشف أن هذه الاحزاب الكوردستانية التي نتأمل بواسطتها الخروج من هذه الحالة هي نفسها التي تغذي (عقلية العشيرة) وتشجع عليها , سواء كانت هذه الاحزاب علمانية أو اسلامية , الكل لا يستطيعون الخروج عن هذا الاطار الفكري الضيق . وكأن لا أحد يرى من مهمته الارتقاء بهذه الأمة نحو مصافي الأمم المتطورة !!.

فالأحزاب العلمانية والتي توصف نفسها بـ ( التقدمية ) ربما نسيت أن مبادئها في مرحلة الثورة كانت ذات صبغة اشتراكية ونفحة ماركسية . وكلنا نعلم المعركة الفكرية التي قادها ( ماركس ) ضد الارستقراطية الشبيهة عندنا بهرمية العشيرة . لماذا كنتم تهّيجون الشعب وتدغدغون مشاعره ليميل الى جانبكم بدعوى محاربة الاقطاع ( في مرحلة الثورة ) , ثم تخليتم الآن عن ذلك ؟ اليست هذه عملية تمويه كبيرة ؟ واية تقدمية هذه التي تدعو الى التزاوج مع ( عقلية العشيرة ) الرجعية ؟!. ثم ان انظمتكم الداخلية ومناهجكم الحزبية الحالية لو اطلعتم عليها تجدونها متناقضة مع ( عقلية العشيرة ) !! ومع هذا كله فان ( العشيرة ) في ارض الواقع هي صاحبة الحظوة لدى هذه الاحزاب وكلمتها مسموعة وطلباتها ملبية .

اما الاحزاب الاسلامية الكوردستانية فهي اغرب من ان تتصور , اذ ليست لديهم مشكلة مع المجتمع المدني ولا الديمقراطية والحداثة ناهيك عن كل ماهو اسلامي , بالاضافة الى ( عقلية العشيرة ) التي تسيطر عليهم ايضآ !!. ولا ادري كيف يمكن لهؤلاء العباقرة ان يجمعوا بين كل هذه المتناقضات في بوتقة واحدة ؟!!. اليست هذه ميوعة سياسية بامتياز ؟ ثم اين هم من مبادئ الثورة المحمدية الراديكالية التي ساوت بين كل الطبقات وجعلت من الناس كلهم سواسية كأسنان المشط ؟ أو ليس ( عمر بن الخطاب ) من قدم ( بلال الحبشي ) على ( ابو سفيان ) سيد مكة وقريش في الدخول الى مجلسه ؟!. اين اسلام اسلاميينا من هذا الاسلام ؟ أم أن الاسلام وسيلة وليست غاية ؟ او ربما هناك اسلام آخر براغماتي لا علم لنا به ؟!.

ان التفكير بحساب الاصوات الانتخابية يجعل من العلمانيين والاسلاميين على السواء في قطيعة مع مبادئهم وفي قطيعة مع العالم المتحضر , وان هذه ( الديماغوجية ) التي يستخدمونها من اجل نيل المقاعد النيابية على حساب بناء المجتمع والامة ككيان متحضر واعي , ليست شرعية بالمرة لأنها لا تأخذ في الحسبان اللحاق بركب التطور والحداثة والقطيعة مع الماضي السلبي وتنقية المجتمع من شوائب وقدح ( عقلية العشيرة ) التي ستجعلنا نراوح المكان في الوقت الذي يتطور فيه العالم المتحضر .

ان الهجوم على ( عقلية العشيرة ) وتفكيك التراتبية الهرمية الموجودة في المجتمع ومنح الاعتبار لمكانة الفرد , واجب وطني ملح , لأن كل التجارب السابقة اثبتت مدى كارثية ( عقلية العشيرة ) , فلو عدنا بالذاكرة الى الوراء واستنطقنا التاريخ سنجد ان هذه ( العقلية ) هي وحدها السبب في تخلفنا ومعاناتنا على مر العصور وعدم تتويج نضالاتنا بدولة ( حلم ) , حيث ان كل محاولة تاريخية قامت من اجل اقامة كيان كوردي فان ( عقلية العشيرة ) وأدتها في مهدها معبرة بذلك عن عدم نضج فكري وانحطاط في الفكر السياسي وعدم التنازل عن مصالح (العشيرة) من اجل مصلحة اسمى هي مصلحة ( الامة ) , فكانت النتجية ان ( العشيرة ) نفسها ساهمت في اخماد الثورات الكوردية بوقوفها ضد المشروع الوطني ودعم العدو من اجل مصالح آنية , وما ثورات ( الشيخ سعيد بيران ) و (الشيخ محمود الحفيد) و ( الملا مصطفى ) الا امثلة لو يسع المجال لسردناها بتفاصيلها وكيفية وقوف جل العشائر في مناهضتها وبالتالي فشلها وعدم وصولها الى النتائج المرجوة .

هذا هو التاريخ الكوردي أو تاريخ فشل الثورات الكوردية , سببها ( عقلية العشيرة ) المحصورة في اطار ضيق , بينما تتطلب عقلية الدولة اطارآ ارحب وأوسع تضم الجميع كأفراد ومواطنين بغض النظر عن العشيرة .

من المؤسف جدآ ان لا نواجه هذه المشكلة بطريقة ( ابستمولوجية ) وفق دراسة تحليلة وبحوث اكاديمية تمكننا من الوقوف على الاخطاء التاريخية الجسيمة التي جعلتنا ( الكورد ) امة خارج خارطة الامم . وقد حان الوقت كي نمتلك الجرأة ونطرح السؤال التالي : هل نحن مستعدون للتخلي عن ( عقلية العشيرة ) , ثم ان نطرح هذا السؤال الجوهري ( بعيدآ عن العاطفة )هل نستحق ( دولة ) وفق كل المعطيات الموجودة على ارض الواقع ؟.



* ماجستير في القانون - دهوك


 

free web counter

 

أرشيف المقالات